الرئيسية / آخر الأخبار / عون يمضي ما بين التعيينات ومكافحة الفساد .. وترميم الجسور بين لبنان والدول العربية … زيارة الجزائر قد تفتح أبواباً جديدة للتعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن

عون يمضي ما بين التعيينات ومكافحة الفساد .. وترميم الجسور بين لبنان والدول العربية … زيارة الجزائر قد تفتح أبواباً جديدة للتعاون في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن

مجلة وفاء wafaamagazine

كتب حسين زلغوط في “اللواء” :

لم يسترح لبنان من أزماته التي ولّدتها تداعيات الحرب الإسرائيلية، على كل الصُعد، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية، مما شكّل معوقات، وقفت في طريق إندفاعة العهد الرئاسي. لكن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مضى بترجمة خطاب القسم، بإتجاهات عدّة، محاولاً تذليل كل الصعاب، وبتّ التعيينات الإدارية والعسكرية، ووضع ملفات مكافحة الفساد في قصور العدل، التي بدأت بإتخاذ قرارات وأحكام قضائية مهمة، وتوقيفات طالت وزراء وأصحاب ومدراء مصارف.
أولاً: شكّلت إعادة لبنان إلى الحضن العربي أولوية في سياسات عون، وهو ما أظهرته الزيارة الاستراتيجية التي قام بها إلى الجزائر، حاملاً معه ملف إعادة الإعمار، و«الفيول»، ومشاريع تعاون اقتصادي في الزراعة والتجارة والسياحة والصحة والإعلام، وغيرها، ستتدرّج الدولتان في صياغة بنود اتفاقيات بشأنها.

وكما فعل في دول الخليج العربي، استكملت زيارة الرئيس عون إلى الجزائر ربط لبنان بالعواصم العربية، وتسيير رحلات جوية كانت مجمّدة بين بيروت وتلك العواصم.

ثانياً: منذ انتخاب رئيس الجمهورية، وتأليف حكومة الرئيس نوّاف سلام، سلك ملف التعيينات العسكرية والإدارية والدبلوماسية، بعد جمود طويل في مجالس إدارة، والهيئات الناظمة، حيث كان بعضها بالتكليف، والإنابة، والتمديد، ومشلولاً منذ أكثر من عشرين عاماً، كما مثلاً، حال الهيئة الناظمة لقطاع الطيران، التي بقيت حبراً على ورق منذ عام 2002.
فيما يُنتظر الإعلان عن التشكيلات القضائية خلال أيام قليلة، بعدما كان النزاع السياسي قائماً حول هذا الملف، يمنع التشكيلات طيلة السنوات الماضية. وبذلك، تخرج التعيينات والتشكيلات من مساحة الكسل والجمود إلى دائرة النشاط والعمل.
ثالثاً: يعدّ ملف مكافحة الفساد أمراً بالغ التعقيد في بلد كلبنان، حيث يتم وضع الفيتوات السياسية والطائفية، لمنع المحاسبة. لكن الرئيس عون الذي كرّر ألّا غطاء على أحد، أصرّ على زيارة قصر العدل، وإعلان الدعم للجسم القضائي في لبنان، كي يمارس دوره العدلي، وحثّه على الاقدام.
ويمكن هنا تعداد محطات لافتة في أطر المحاسبة ومكافحة الفساد: توقيف وزراء، ورفع الحصانة النيابية عن نواب، وتشكيل لجان تحقيق، وتوقيف أصحاب ومدراء بنوك، ومحاكمة مساهمين في مصارف بسبب استيلائهم على أموال مودعين ومستثمرين، وإحالة قضاة إلى التفتيش، وغيرها. وبحسب المعلومات، فإنّ التحقيقات تجري بشأن ملفات فساد دسمة، كان يعتقد المتورطون فيها انهم سيكونون بمعزل عن المحاسبة.
كل ذلك، يعني ان رئيس الجمهورية يمضي قُدماً، وينفذ بنود خطاب القسم، ومواجهة الظروف السياسية والتحدّيات التي يواجهها لبنان، وخصوصاً في مسألة حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية. لكن الرئيس عون، يعمل بميزان وطني دقيق في ظرف إقليمي حسّاس، يتطلب أن يخطو بدراسة وحذر، لمنع الفوضى أو تفلّت الأمور.
من هنا فان زيارته الى الجزائر تأتي في سياق زياراته إلى عدد من العواصم العربية، وهي تحمل في طياتها فرصاً حقيقية لتأمين دعم سياسي واقتصادي للبنان. ولكن السؤال الأبرز يبقى: ماذا سيستفيد لبنان فعلاً من هذه الزيارة؟
منذ توليه منصب الرئاسة، حاول الرئيس جوزاف عون استعادة مكانة لبنان على الساحة العربية والدولية، وذلك من خلال تحركات دبلوماسية نشطة، شملت زيارات إلى السعودية، مصر، والإمارات، وكان أبرزها في الأشهر الماضية. ورغم كل التحدّيات التي يواجهها لبنان، يبقى التوجّه إلى الدول العربية خياراً استراتيجياً لتحسين الوضع الداخلي.
لكن الجزائر تأتي في موقع خاص في هذه السلسلة من الزيارات. فمن جهة، الجزائر تتمتع بتاريخ طويل من الدعم السياسي للبنان، ومن جهة أخرى، هي دولة ذات توجهات مستقلة في السياسة الخارجية وتتمتع بعلاقات قوية مع العديد من الدول العربية.
ويمكن للبنان أن يستفيد من هذه الدولة الشقيقة دعم سياسي في المحافل الدولية، خصوصاً في مجلس الأمن الدولي وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وقضايا اللاجئين.
وعلاوة على ذلك، الجزائر قد تكون داعماً مهماً للبنان في المحافل العربية، خاصة في القضايا ذات الأبعاد السياسية الحسّاسة مثل دعم المؤسسات اللبنانية والتأكيد على استقلالية القرار اللبناني.
كما يمكن أن يستفيد في مجال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، إذ أن الجزائر تعتبر داعماً رئيسياً في مجال الطاقة في المنطقة، وهي تمتلك مخزونات غازية ضخمة، وقد يفتح التعاون بين البلدين مجالات للاستفادة من الاستثمارات المشتركة، خصوصاً في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
إضافة إلى ذلك، الجزائر تشهد نموّاً في القطاع الصناعي والزراعي، ما يوفر فرصاً لتوسيع العلاقات التجارية بين البلدين من خلال تعزيز صادرات لبنان إلى الجزائر.
كما أن الجزائر سبق أن قدّمت دعماً معنوياً للجيش اللبناني في معركته ضد الإرهاب والتطرف، ويمكن أن تتوسّع هذه المساعدات لتشمل تعاوناً مشتركاً في مجال المعلومات الاستخباراتية وتطوير قدرات الدفاع الجوي.
هذا عدا عن أن الجزائر تعتبر حاضنة للكثير من اللبنانيين الذين يساهمون في الحياة الاقتصادية والثقافية هناك، وهو ما يمكن أن يعزز الروابط بين الشعبين.
وبينما قد تفتح هذه الزيارة أبواباً جديدة للتعاون في مجالات السياسة، الاقتصاد، الأمن، والثقافة، فإن الاستفادة الفعلية من هذه الزيارة ستعتمد على قدرة الجانبين على تنفيذ الاتفاقات وتعزيز التعاون على أرض الواقع، فلبنان في حاجة ماسّة إلى الدعم العربي، والجزائر قد تكون شريكاً مهماً في هذا الإطار.