مجلة وفاء wafaamagazine
بعد ان اتخذ الرئيس الاميركي ترامب قرار اغتيال اللواء قاسم سليماني ورفاقه في عملية ارهابية أميركية، بمعزل عن الكونغرس، فإنه قد اختار بنفسه الورقة الأولى التي ستنزل في صندوق اقتراع الرئاسة الأميركية المقبلة التي يطمح أن تكون من نصيبه لولاية ثانية. ولكن هل هي ورقة رابحة أم بدأت ترتد عليه؟
إذا كان الديموقراطيون بشخص رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، صوتوا على تقليص صلاحيات ترامب في شن هجمات على ايران، نتيجة تخوفهم من تداعيات الحسابات الترامبية، وهو يعتبر نكسة سياسية له، فإن على الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ توقُّع التداعيات التي قد تتفاوت بين عمليات ثأرية ضد القواعد الأميركية في العراق أو سواها، وبين تطوُّر أمور قد تصِل الى “حرب الجثامين” إذا استمرّ ترامب في حماقاته، سواء في الأعمال العسكرية أو رفع مستوى العقوبات على إيران.
الثابت أن على الولايات المتحدة المباشرة بالترتيبات اللوجستية لإنسحابٍ “آمن” لقواتها من الشرق الأوسط، هي التي تتوسَّط مع طالبان منذ سنوات لإنسحاب آمن من أفغانستان، لكن أمان الإنسحاب من المنطقة دونه عقبات وهو أقرب الى الإنكفاء الذليل الأشبه بوضعها يوم انسحبت من فيتنام.
تصريحات ترامب أو سواه من إدارته التي تعتمد إرهاب الدولة، لا تُصرف في المواجهات الميدانية، ولأن ثمن اغتيال اللواء سليماني ورفاقه، بدأت أميركا تدفعه تدريجياً، منذ تظاهرات السفارة الاميركية الى مشروع البرلمان العراقي حول انسحاب القوات الاجنبية وصولا الى الرد الايراني الكبير.. وبانتظار ما بعد ذلك هل تبادر مبكرا الى انسحابها من قواعد قد تكون مُدمَّرة أو مُهدَّدة، قبل أن تأخذ الحرب منحى الإستنزاف، فالمجتمع الأميركي لا يحتمل حرب الجثامين، لأن القيمة المعنوية للشهداء في إيران، تختلف عن عودة جنود قتلى يُحاربون خارج رُقعة بلادهم، والمليونيات التي حَملت جثمان الشهيد سليماني بين مدائن وساحات العراق وإيران، ستتحوَّل الى مليونيات صاخبة ناقمة عند العودة الأفقية لجنود أميركيين، وهي حكماً سوف تُترجم في صناديق الإقتراع.
أقصى ما يُمكن أن يُحقِّقه ترامب خلال الفترة التي تفصل بين ولايته الأولى والرغبة بولاية ثانية، هي أن يسحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط بالحدّ الأدنى من الخسائر، لأن هذه القوات باتت تُرابط على رمال مُتحرِّكة غير آمنة لكل ما هو أميركي، وسحب القوات الأميركية من سوريا والعراق الى الكويت والسعودية على سبيل المثال، خطوة كانت تَصلح قبل جريمة اغتيال سليماني، وإذا كانت إيران ومعها محور المقاومة في وارد تطبيق الحدّ الأدنى من الردود المشروعة، فعلى ترامب الخيار بين انسحاب شبه آمن أو العودة الأفقية لجنوده.
وإذا كان ترامب يعيش أوهام الأحادية الأميركية في الهيمنة على العالم، فإن أوروبا كانت الأكثر تضرراً نتيجة انهيار الإتفاق النووي، وتكثيف اتصالات الجانب الأوروبي مع القيادة الإيرانية بعد استشهاد سليماني، هي من الدلائل على استنكار الجريمة والخوف من تداعياتها، لكنها لن تُثني إيران عن اتخاذ قراراتها التي تعتبرها قومية سيادية. وإذا كان الموقف الصيني رافضاً للجريمة، فإن الموقف الروسي جاء أكثر إدانة لها، واختصره السفير الروسي في لبنان بالقول : “جريمة الاغتيال عمل مُدان كلياً، ونحن لا تعنينا الاعتبارات التي يتسلّح بها الاميركيون، فهذه مسؤوليتهم، و سليماني كان صديقاً ورفيقاً لنا، وهو شخص فريد من نوعه، وكنا نحترمه كثيراً، وقد تعاونا معه في محاربة الارهاب”.
وتابع زاسبكين: “الردّ الايراني على الاعتداء الاميركي كان مدروساً، ونحن اساساً ضدّ إشعال الحروب، مع الإشارة الى أننا نعرف مَن المسؤول عن زيادة منسوب المخاطر، ونعرف أن الذي خرج من الاتفاق النووي وبادر الى تنفيذ عملية اغتيال سليماني والآخرين هو المتسبّب في تصاعد التوتر”.
إننا إذ اختصرنا أهمّ المواقف الدولية من جريمة ترامب، الذي جعل من أميركا الدولة المارقة التي ضربت خلال ولايته ما تبقى لها من مصداقية في الغرب، فإن هزائم السياسة الخارجية، من فنزويلا الى كوبا الى كوريا الشمالية، والهزائم العسكرية في اليمن والعراق وسوريا، لا تُقارن بشيء أمام جريمة اغتيال سليماني، والأثمان التي ستدفعها أميركا ويحصد نتائجها ترامب في صندوق الإقتراع، لو أدرك الأميركيون الى أين ينزلق بهم عبر مغامرات غير محسوبة…
المصدر: موقع المنار