الرئيسية / صحة وجمال / التغیّر المناخي… خطر وجودي یهدّھد البشریة

التغیّر المناخي… خطر وجودي یهدّھد البشریة

السبت 04 آيار 2019

د. طلال أبو غزالة

مجلة وفاء wafaamagazine

أودّ أن أتناول معكم موضوع الضرر الذي ألحقه الإنسان بالبيئة، والإهمال المستمر من قبل المعنيين والمسؤولين وأصحاب المصالح في كبح الممارسات التي تفاقمت حتى أًصبحت تهدّد وجودَنا على هذه الكرة الأرضية.

أشير هنا إلى الاحتباس الحراري والارتفاع المستمر في معدل درجات الحرارة والذي من مظاهره ذوبان الجليد في القطب الشمالي وتأثير ذلك على الأحوال الجوية، التي تزداد اضطراباً، ولدرجة خرجت عن السيطرة، ومن مظاهره أيضاً إنهاك طبقة الأوزون التي تحمي كوكبنا وإلى تأثير الصناعة وانبعاثاتها الضارة، (وعوادم السيارات أحد أهم مصادرها) على نقاء البيئة، واستقرار الأحوال المناخية وغير ذلك.

وفي المقابل، وعلى مدى العقود المتتالية، اتخذت دول العاﻟﻢ إجراءات علاجية ساهمت في إبطاء تفاقم الأذى وذلك من خلال منع استخدام السوائل المضغوطة لغايات مختلفة، ومنع استخدام المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلّل واستبدالها بالورق في الاستخدامات اليومية المختلفة، وكذلك التحكّم في الانبعاثات التي تضرّ بطبقة الأوزون، ولكن هذه الإجراءات على أهميتها، وعلى دقة الالتزام في تطبيقها في الكثير من دول العاﻟﻢ ﻟﻢ تعالج إلّا القدر البسيط من المعضلة. فالمشكلة الكبرى هي في الصناعة ﺑﻤختلف أشكالها، وانبعاثات الكربون المدمِّرة للبيئة. وتجدر الإشارة هنا الى اتفاقية الأرض (كيوتو عام ١٩٩٢) وعدم الالتزام بها واتفاقية باريس عام 2015 والتي انسحبت منها أميركا بقرار من الرئيس ترامب.

ولمّا كان للتعديلات المطلوبة لحماية البيئة تأثير سلبي على أرباح الصناعات المعنية، كانت وما تزال هنالك مقاومة شاملة لها. بل إنّ شركة ألمانية عملاقة مثل «فولكس فاجن» عمدت الى تزوير البيانات من أجل إخفاء نسبة الانبعاثات الضارة من مصانعها ما أدّى إلى تعرض الشركة للمساءلة القضائية ودفع المليارات من الدولارات كغرامات جزائية.

وعلى غرار ذلك قاومت الصناعات الأميركية دعوات تعديل منتجاتها (السيارات خاصة) لحماية أرباحها، ما دفع الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية إلى إنكار وجود المشكلة أصلاً وعدم قبول فكرة الانحباس الحراري أو تهديد الصناعة للتوازن المناخي، متّهماً الصين باختراع الفكرة لإلحاق الضرر بالصناعات الأميركية! وما قرار الرئيس الأميركي بالانسحاب من معاهدة باريس للمناخ – ذلك القرار الذي أقلق دول العاﻟﻢ – إلّا تكريس لهذا المفهوم. وخلال الأشهر المتلاحقة السابقة، ظهرت تحذيرات جديدة في العديد من الصحف الأميركية الرئيسة والصحف العالمية، ومن قبل عضو مجلس النواب الأميركي السيدة الكسندريا اوكازيو كورتيز بأنّ العاﻟﻢ سيصاب بالدمار خلال ١٢ عاماً إن ﻟﻢ تتّخذ الدول المعنية قرارات جذرية وحاسمة لحماية المناخ من الانهيار المحقق.
ويواجه الرئيس الأميركي حالياً دعوات لتغيير موقفه الذي إذا استمر سيتسبّب في خسارة الرئيس لأصوات الشباب في الانتخابات المقبلة.. إنه خيار بين أصوات أصحاب الصناعات وأصوات الشباب أصحاب المستقبل.

إنّ ما يهدّد توازن الكون المناخي والبيئي معروف للجميع ونحن نشهد ونتعرض باستمرار لأخطار العواصف المدمّرة والفياضانات، أو الجفاف في بعض المناطق، والأضرار التي تلحق بالغابات والزراعة وارتفاع درجات الحرارة وغير ذلك.

ولكنّ كل الذي يحدث لا تقارن أخطارُه بالذي سيأﺗﻲ لاحقاً إذا ﻟﻢ تحدث المعالجة السريعة كما ينبّه الخبراء والعلماء والمختصون.

إنني في هذا المقال أضمّ صوﺗﻲ لصوت المحذّرين والمنبّهين لتفاقم الخطر، وأوجّه دعوة لكل حريص على سلامة الإنسان والأرض التي يعيش عليها لرفع الصوت والدعوة للعمل بسرعة لكبح المأساة المقبلة.

يجدر بالذكر أنّ ندوة بعنوان «الإشراف البيئي في العاﻟﻢ العرﺑﻲ» قد عُقدت ضمن فعاليات المنتدى الإقتصادي العالمي الذي عُقد في الأردن (البحر الميت) مطلع شهر نيسان ٢٠١٩. وقد ناقشت الندوة قضايا أساسية تتعلق بحماية البيئة من خلال بحث كل ما يؤذي التوازن المناخي خصوصاً في ﻤﺎ يتعلق بالتركيز على الطاقة البديلة النظيفة والاستغناء التدريجي عن الطاقة التقليدية الملوّثة، وكذلك تدوير النفايات وغير ذلك.

وخلال الندوة أعلن وزير التغيير المناخي والبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة عن وضع بلده لخطة لزيادة الطاقة النظيفة من 25 ٪ الى 50 ٪ بحلول العام ٢٠٥٠ وهذه خطوة متقدمة تستحق كل التقدير والاقتداء. كما أعلنت المديرة التنفيذية للبنك الأوروﺑﻲ للاستثمار أنّ البنك استثمر حتى الآن ما يصل إلى ٣٠ مليار يورو في المشاريع البيئية ما يساعد على التقليل من انبعاثات الكربون.

وأود أن أذكر أنني بصفتي رئيس فريق الأمم المتحدة لمعايير المحاسبية عام ١٩٩٩ (UN ISAR) والإبلاغ، جرى تكليفي أيضاً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة برئاسة فريق عمل لصياغة معايير محاسبية للمسؤولية البيئية. وذلك أيضاً بصفتي رئيساً على مجلس الاتحاد الدولي للمحاسبين في نيويورك. وكان الهدف (IFAC) من هذه المعايير تحديد المسؤولية وتقدير كلفة أيّ ضرر يلحق بالبيئة من قبل الأطراف المعنية وتحميلها ذلك. وقد أصدر فريقنا تقريراً هاماً حول الموضوع ولكنه ﻟﻢ يرَ النور لأنه (حسب الجانب الأميركي) يحمّل الشركات الصناعية أعباء لا ﻳﻤكن تحملها.

واليوم أشدّد على أنّ الموضوع في غاية الخطورة وأنّ أيّ تأخير في إجراءات المعالجة سيضع العاﻟﻢ أمام كوارث لا ﻳﻤكن اجتنابُها خلال الأعوام القليلة المقبلة.

وأختم بأن أوجّه نداءً لأمين عام الأمم المتحدة أن يرعى قبل فوات الأوان، فريقاً من الخبراء في الذكاء الاصطناعي من الصين وأميركا لإيجاد حلول الانبعاثات السامة لتصبح غير سامة، وذلك كمسار إضافي للحلول البديلة لتخفيف تلك الانبعاثات. 

د. طلال أبو غزالة-جريدة الجمهورية