مجلة وفاء wafaamagazine
يحمل «الحراك البرتقالي» أمام مصرف لبنان دلالات ورسائل عدة، خصوصاً أنه أتى بعد انهيارين: انهيار الاستقرار النقدي والستاتيكو الاقتصادي، وانهيار التسوية الرئاسية واستطراداً العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل. بحسب ما كتب الزميل عماد مرمل في الجمهورية
وكتب : اذا كان الهدف المباشر للتظاهرة التي نظّمها «التيار الوطني الحر» أمام مصرف لبنان المركزي يتصل أساساً بملف التحويلات المالية المشبوهة الى الخارج، الّا انّ ذلك لا يحجب حقيقة انّ باسيل أراد أن يصيب اكثر من عصفور بحجر التظاهرة، على رغم أنّ الحراك يعتبر أنّ باسيل أكثر المسؤولين عن انهيار الوضع، خصوصاً لناحية إمساكه بمفاصل الدولة ولاسيما منها قطاع الكهرباء، الذي فشل فشلاً ذريعاً وسَبّب هدر مليارات الدولارات.
– العصفور الأول، حسب «التيار»، هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي «حاول العهد و«التيار» إزاحته اعتراضاً على سياساته المالية والنقدية، فحالت التوازنات الداخلية دون ذلك، وبالتالي اضطرّا الى الاستمرار في التعايش معه وتأجيل جردة الحساب أو تصفية الحساب الى وقت آخر، يبدو انه حان بعد وقوع الكارثة الاقتصادية وانتفاء الأسباب الموجبة التي كانت تبرّر مهادنة الحاكم». وهنا يأخذ الحراك على باسيل أنّ موقفه هذا، اذا كان صحيحاً، يكون قد أتى على حساب البلد ونظامه المالي والاقتصادي الذي دمّر.
– العصفور الثاني الذي كان في مرمى تحرك «التيار» أمس هو الرئيس سعد الحريري الذي لم يتردّد في «إعدام» التسوية الرئاسية «شنقاً»، مباشرة على الهواء، فردّ باسيل بالتظاهر على الارض ضد سلامة «المُدلّل» لدى الحريري والمُزنّر بخط أحمر. وعليه، فإنّ باسيل نفّذ أمس «إنزالاً» خلف خطوط الحريري، يندرج في سياق مواجهة طويلة الأمد مع زعيم تيار «المستقبل» ومنظومته المالية – الاقتصادية المُمسكة بأكثر من مفصل في الدولة، وكأنّ باسيل اراد ان يردّ على معادلة «بيت الوسط» حول «الرئيس الاصلي» و«الرئيس الظل» بالتصويب في آن واحد على «الحاكم الأصلي» رياض سلامة و«الحاكم الظل» سعد الحريري. وهنا يرد عليه خصومه «بما أنك كنت تعرف كل ذلك لماذا شارَكته وساكَنته وحاصَصته حتى الآن؟
– عصفور آخر، سعت تظاهرة «التيار» الى «اصطياده» ويتمثّل في محاولة استعادة «الشرعية الثورية» التي كادت تندثر تحت وطأة الاستغراق في لعبة السلطة، خصوصاً انّ التظاهر امام مصرف لبنان يحاكي في هذه المرحلة نبض الناس الناقمين على البنك المركزي والقطاع المصرفي نتيجة الحصار الذي تتعرّض له ودائعهم وحقوقهم. وضمن سياق متصل، يبعث تحرّك الأمس ما يُشبه «رسالة مضمرة الى انتفاضة 17 تشرين الاول، فحواها انّ الشارع هو في الاصل «مسقط رأس» التيار، وأنه من الارض والى الارض يعود. وبالتالي، لا يجوز التعامل معه كأنه جسم غريب عنها».
وبهذا المعنى، فإنّ «التيار يهدف من خلال «معمودية الشارع» المتجددة الى التطهّر قدر الامكان ممّا عَلق به من رواسب السلطة والتسوية اللتين وضعتاه في مواجهة الانتفاضة التشرينية». لكنّ الحراك يشدّد على انّ «باسيل هو في رأس قائمة المسؤولين عمّا بلغت اليه الامور، ولا يمكنه إبراء نفسه من خلال هكذا تحركات».
أضاف : وتؤكد أوساط باسيل انّ تظاهرة البارحة هي «جزء من معادلة متعددة الابعاد يطبّقها التيار، وتشمل المستوى التشريعي للدفع نحو إقرار قوانين إصلاحية سبق له ان تقدّم بها، والمستوى القضائي للضغط في اتجاه ملاحقة المرتكبين على مختلف انواعهم، والجانب الميداني لإيصال الصوت الشعبي الصارخ ضد الفاسدين والمتورّطين في تعريض أموال اللبنانيين في المصارف الى الخطر».
وتلفت الاوساط الى «انّ التظاهرة أمام مصرف لبنان ترمي بالدرجة الاولى الى إفهام سلامة أنه مَعني بكشف كل الحقائق حول ملابسات التحويلات المالية الى حسابات مصرفية في الخارج»، موضحة انه «سبق لنا أن راسَلنا مصرف لبنان حتى نعرف من هي المصارف المتورطة في التحويل؟ وكم تبلغ قيمة الاموال المهرّبة الى الخارج؟ وما هي أسماء اصحابها؟ وهل تم التحويل أثناء إقفال المصارف؟ ونحن لا نزال في انتظار معرفة الاجوبة».
وتشدد أوساط باسيل على انّ «التحرك الذي حصل هو شعبي وليس شعبوياً، وهدفه الأوّلي محصور من حيث المبدأ في إطار المطالبة بمعرفة خفايا قضية الاموال التي هرّبها بعض أصحاب المصارف والمودعين الكبار الى الخارج، ما تَسبّب في تراجع احتياطي المصارف على حساب صغار المودعين».
وتؤكد الأوساط إيّاها انّ مفاعيل التسوية الشهيرة لم تكن تشمل السياسات المالية والنقدية المُتّبعة لدى مصرف لبنان، «بل حتى في عزّ التسوية، ظل التيار معترضاً على تلك السياسات التي هَمّشت القطاعات الانتاجية، وباعَت اللبنانيبن سراباً مالياً بكلفة عالية جداً».
وتشير الاوساط الى انّ «التيار الوطني الحر» كان قد سعى الى تغيير سلامة، «إلا انه قيل لنا آنذاك انّ الرجل يشكّل ضماناً للاستقرار النقدي وللعلاقة مع الخارج، وانّ الاستغناء عنه ينطوي على مغامرة غير محسوبة قد تؤدي الى سقوط الهيكل على الجميع. فاستمر سلامة في موقعه لكن من دون ان يتمكن من منع سقوط الهيكل، أي بقي هو وذهب الاقتصاد».
وتوضِح هذه الاوساط «انّ التيار سيستخدم كل الوسائل القانونية والشعبية لحماية ودائع اللبنانيين ومصالحهم، وانّ التحرّك ضد سلوك مصرف لبنان المركزي ليس سوى أول الغيث».
رد الخصوم
في المقابل، لا يبدو تحرّك «التيار» أمس مقنعاً لخصومه الذين يعتبرون انّ باسيل يحاول إعادة تعويم تيّاره ونفسه من خلال افتعال معركة استعراضية ضد البنك المركزي وسلامة، وإعادة ترسيم خطوط التماس مع سعد الحريري ووليد جنبلاط لشَد العصب الحزبي والطائفي من جديد.
ويشير هؤلاء الى انّ «باسيل أراد صرف الانتباه عن حقيقة مثبتة، وهي انه شخصياً والعهد مشمولان بثورة الناس، ولا يمكنهما إخفاء هذه الحقيقة او التمويه عليها من خلال استخدام قنابل دخانية وصوتية تشبه التظاهرة أمام البنك المركزي».
ختم مرمل مقاله : ويشدّد خصوم باسيل على انه جزء أساسي من اسباب الازمة الحالية، ولذلك ليس بمقدوره ان يكون جزءاً من الحل، مؤكدين انّ الهروب المتواصل الى الامام لن يغيّر من كونه شريكاً في المسؤولية عما آلت اليه الامور.
ويستغرب اصحاب هذا الرأي كيف انّ «التيار وافق على إبقاء سلامة في منصبه عندما كان مفعول التسوية لا يزال ساري المفعول، ثم انقلب عليه عندما حصل الافتراق عن الحريري، ما يعكس الاستنسابية في اتخاذ الموقف تبعاً لِما تقتضيه المصلحة».
كذلك، يؤكدون انّ استهداف مصرف لبنان والخيارات الحريرية على الصعيدين المالي والاقتصادي هو «تحريف للحقائق وتحوير لها بُغية اختزال الأزمة وتحقيق أغراض سياسية في مرحلة لم تعد تتحمّل هذا الترف».