مجلة وفاء wafaamagazine
انصبّت الاهتمامات في عطلة نهاية الاسبوع على فيروس «كورونا»، الذي تسلّل الى لبنان، حيث تصاعدت إجراءات الوقاية منه في مطار بيروت الدولي وكل المنافذ الحدودية مع الخارج، من دون ان يغيب عن البال ما ينتظره اللبنانيون من إجراءات حكومية لمكافحة وباء الكورونا الاقتصادي والمالي الذي يضرب لبنان منذ بضعة اشهر ولم يُعثر بعد على علاج ناجع له، وذلك في ضوء المحادثات التي تجريها الحكومة وكل المؤسسات والإدارات المختصة مع وفد صندوق النقد الدولي، الذي يستجمع الآراء والمقترحات، تمهيداً لتحديد ما سيتخذه من خطوات لمساعدة لبنان في الخروج من الأزمة، فيما سُجلت مؤشرات الى تحرّك بعض العواصم العربية والغربية للخروج من موقف المتفرّج الى موقف الداعم للحكومة، المطلوب منها اتخاذ خطوات اصلاحية طلبتها هذه العواصم الى جانب نظيراتها في مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان خلال مؤتمر «سيدر».
وكان اللافت في هذا الصدد، تقاطع فرنسا والمملكة العربية السعودية، العضوين في هذه المجموعة، على دعم لبنان وفق إصلاحات تجريها الحكومة عبّر عنه وزيرا المال الفرنسي برونو لو مير والسعودي محمد الجدعان، خلال اجتماع وزراء المال لمجموعة العشرين في الرياض أمس.
وفي ظلّ هذه التطوّرات، يشهد لبنان اليوم أزمة رغيف متأتّية من إضرابٍ عامٍ مفتوح، قرّره أصحاب الأفران والمخابز، لأنّ مطالبهم بدعم القمح والإبقاء على وزن وسعر ربطة الخبز كما هو عليه، لم تتحقّق.
اكّدت مصادر وزارية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ نتائج الاجتماعات مع وفد صندوق النقد الدولي كانت ايجابية جدًا، مشيرة، انّ الوفد الذي يغادر بيروت اليوم، أبلغ الى المسؤولين اللبنانيين الاستعداد لمعاودة ارسال فريق من الصندوق في اي وقت اذا دعت الحاجة.
وكشفت هذه المصادر، أنّ الوفد «ابدى تعاوناً تاماً»، لافتة الى انّه طلب من الحكومة اللبنانية وضع برنامج مالي شامل، على ان يتولّى هو تقديم المشورة والتوصيات في شأن هذا البرنامج الذي سيقارب المسائل الآتية:
– تطور العجز في المالية العامة وسبل معالجته.
– كيفية خفض اصل الدين العام وكلفة خدمته وصولًا الى امكان استيعابهما.
– العجز في ميزان المدفوعات (الحساب الخارجي) ووسائل احتوائه.
– وضع القطاع المصرفي في ظل الأزمة التي اصابت البنوك وخيارات التعامل معه.
واشارت المصادر، «انّ الحكومة طلبت حصرًا المشورة التقنية، وبالتالي فإنّ ما يطرحه الصندوق ليس مُلزِماً، إلاّ اذا طلب لبنان الدخول في برنامج مشترك معه، وهو امر ليس مطروحاً».
وكشفت «انّ الحكومة سترسل الى الصندوق الخطة الإنقاذية الشاملة ليعطي رأيه فيها، بعدما يكون مجلس الوزراء قد انتهى من انجازها خلال اسبوع او عشرة ايام».
وفي موقف لافت لصندوق النقد، كشفت المصادر، انّه ابلغ الى بعض المسؤولين «انّ النموذج الاقتصادي السابق الذي كان معتمدًا في لبنان سقط ويجب ان تتمّ إعادة النظر به».
وبالنسبة الى استحقاق سندات «اليوروبوند» المتوجبة على لبنان في آذار المقبل، توقعت المصادر الوزارية الواسعة الاطلاع ان يصدر خلال اسبوع القرار النهائي في شأنها، تسديداً او امتناعاً. ولفتت الى «انّ كلفة إعادة هيكلة الدين هي الراجحة حتى الآن، على ان يتمّ ذلك بالتفاوض والتفاهم مع الدائنين».
واكّدت المصادر، انّ وفد الصندوق الدولي لم يضغط خلال زيارته الى لبنان في اتجاه الدفع او عدمه، موضحة انّه ترك للبنان اتخاذ الموقف المناسب تبعًا لتقديراته حول تطور الدين العام الذي يُفترض ان يشكّل من وجهة نظر الصندوق البوصلة لتحديد وجهة الخيار المطلوب تسديداً أو إمتناعاً، بحيث ان الدولة اللبنانية هي المعنية بأن تقرّر ما اذا كانت قادرة على معالجة الدين وخفضه من دون هيكلة أم لا.
وعلمت «الجمهورية»، انّ وفد الصندوق سيزور اليوم مبنى مجلس النواب للقاء اعضاء لجنة المال والموازنة لاستكمال البحث في بعض القضايا المالية وخصوصاً ما يتصل منها بالإصلاحات المطلوبة في الموازنة العامة وما يمكن القيام به في الموازنة المقبلة.
اجتماعات شبه يومية
والى ذلك، كشفت مصادر مطلعة، انّ اعمال اللجان الوزارية المنعقدة في السراي الحكومي، ولا سيما منها تلك المعنية بالملفات النقدية والإقتصادية، مستمرة بنحو شبه يومي بعيدًا من الأضواء.
وقالت لـ«الجمهورية»، انّ ابرز ما تركّز عليه اللجنة مواكبة المقترحات التي قدّمها وفد صندوق النقد الدولي التي كانت تصل تباعاً الى السراي الحكومي، فور انتهاء اي لقاء يعقده الوفد في اي مكان أو في مبنى مصرف لبنان، حيث عُقدت الإجتماعات الأهم والأكثر بحثًا في التفاصيل ولا سيما منها الأرقام الدقيقة التي لا يمكن بناء اي اقتراح من دون التثبت منها وقراءتها كما يجب.
ولفتت المصادر، الى انّ المشارك البارز في معظم اعمال اللجنة المالية والنقدية التي عُقدت في اجواء من التكتم الشديد كان وزير العمل السابق المحامي الدولي كميل ابو سليمان، الذي يتولّى الشق المتصل بالحوكمة القانونية الدولية لتحديد طريقة التعاطي مع ازمة «سندات اليوروبوند»، في اعتباره من اهل الخبرة في تسويقها. كذلك ارتبطت مشاركته بمصير فض العروض الخاصة باستدراج المكتب الدولي الذي سيمثل لبنان في اي مفاوضات تتصل بمصير هذه السندات، سواء قرّر دفعها في مواعيدها او العكس والمراحل اللاحقة.
«القوات»
قالت مصادر القوات اللبنانية لـ«الجمهورية»: «انّ الناس يجب ان تشعر براحة وطمأنينة حيال الخطوات التي على الحكومة اللبنانية اتخاذها من اجل إراحتها من فيروس «كورونا» الذي يتفشى في كل العالم، وقد وصل أخيراً الى لبنان، وبالتالي مسؤولية الحكومة حيال الشعب اللبناني هي مسؤولية كبرى وهي أمام تحدٍ اساسي الى جانب التحدّيات الأخرى المالية والاقتصادية. وبالتالي عليها اتخاذ كافة التدابير اللازمة على هذا المستوى، بعيداً من التسييس او اي اعتبارات اخرى، لأنّ هذا الملف لا علاقة له في السياسة، فعلاقته محصورة فقط بصحة اللبنانيين وحياتهم».
اما على المستوى الآخر، فرأت مصادر «القوات» انّ «على الحكومة ايضاً، في موازاة التدابير العاجلة الصحية، اتخاذ تدابير مالية واقتصادية، ليس فقط من اجل استحقاق 9 آذار لـ«اليوروبوند» انما الأهم والأساس اتخاذ اجراءات كفيلة بإراحة اللبنانيين الى مستقبلهم في ظلّ استقرار لم يعد يلمسونه على المستوى المالي والاقتصادي، حيث انّ مخاوفهم تزداد وتكبر يوماً بعد يوم بدلاً من أن تتراجع، وبالتالي على الحكومة اتخاذ اجراءات سريعة إن من خلال جولات خارجية تؤدي الى تدعيم الواقع اللبناني او من خلال اجراءات اصلاحية فورية بنيوية وجوهرية».
وشدّدت هذه المصادر على «ضرورة بدء التحضير للانتخابات المبكرة بعيدًا من اي بحث في قوانين انتخابية جديدة، لأنّ ليس المطلوب اطلاقاً العودة الى زمن قوانين «البوسطات والمحادل»، إنما لأنّ اي بحث في قوانين انتخابية بُحثت عشرات ومئات المرات لن تؤدي الى نتيجة، هناك قانون تمثيلي حالي يجب اجراء الانتخابات المبكرة على اساسه».
موقفان فرنسي وسعودي
في موقف لافت، أعلن وزير المالية الفرنسي برونو لو مير من الرياض، إنّ فرنسا مستعدة لدعم لبنان ماليًا، في إطار ثنائي أو متعدّد الأطراف، محذّرًا من خلط التعافي الاقتصادي في لبنان مع الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمواجهة إيران في المنطقة.
وقال لو مير لوكالة «رويترز»، في نهاية اجتماع لمسؤولي المالية من مجموعة العشرين، انّ «فرنسا مستعدة دائمًا لمساعدة لبنان. هكذا كان الحال دائمًا في الماضي، وسيكون هذا هو الحال في المستقبل».
وأضاف: «نعرف أنّ ثمة روابط بين المسألتين، لكننا لا نريد خلط قضية التعافي الاقتصادي في لبنان، وهو اليوم في حالة طوارئ واضحة، ومسألة إيران».
من جهته، قال وزير المال السعودي محمد الجدعان، إنّ المملكة على اتصال ببلدان أخرى لتنسيق أي دعم للبنان على أساس الإصلاحات الاقتصادية. وأضاف للصحفيين: «المملكة كانت وما زالت تدعم لبنان والشعب اللبناني».
خفض التصنيف
وفي الملف المالي، بدأت تداعيات احتمال اتخاذ لبنان قرار إعادة هيكلة وجدولة الدين العام في الظهور تباعًا. وبعد «موديز»، التي خفّضت تصنيف لبنان الائتماني إلى «Ca» من Caa2 في ثاني خفض للتصنيف في أقل من 3 أشهر، أقدمت وكالة «ستاندرد آند بورز» بدورها على خفض تصنيف لبنان إلى CC/C من CCC/C ، مع نظرة مستقبلية سلبية، مشيرةً إلى احتمال خفض التصنيف مجدداً إذا تخلّفت الحكومة عن سداد مدفوعات الفائدة أو أصل الدين، خصوصاً في ضوء الضغوط السياسية والمالية والنقدية القائمة.
وعزت الوكالة خفض تصنيف لبنان إلى اعتقادها أنّ إعادة الهيكلة، أو عدم السداد في دين الحكومة أصبح في حكم المؤكّد، بصرف النظر عن التوقيت، موضحة أنّ الانقسامات الطائفية العميقة في النظام السياسي اللبناني والمخاطر الأمنية الشديدة في المنطقة سيواصلان إعاقة صناعة السياسات.
وتوقعت الوكالة نشوء صعوبات سياسية في سداد مستحقات الدائنين في 2020 بسبب الاضطرابات الاجتماعية في لبنان والانكماش الاقتصادي واحتدام الضغوط على السيولة في القطاع الخاص. كذلك توقعت أن تظل المخاطر الأمنية الخارجية مرتفعة.
الكورونا
على صعيد آخر، وفيما تواصلت الإجراءات المتعلقة بالوقاية من فيروس كورونا، قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، انّ مجلس الوزراء دُعي الى جلسة استثنائية عند الاولى بعد ظهر غد في القصر الجمهوري، وعلى جدول اعماله بند واحد يتعلق بفيروس الكورونا والإجراءات المتخذة في شأنه على كل المستويات، وحسم المواقف المتناقضة من موضوع وقف الرحلات الجوية بين لبنان والدول التي سُجلت فيها اصابات بالوباء.
وفيما تواصل وزارة الصحة جهودها للكشف المبكر عن أي حالة مصابة بأعراض فيروس «كورونا»، بين صفوف المواطنين القادمين من الخارج، أكّد وزير الصحة حمد حسن أمس، أنه تمّ إجراء فحوص لـ27 شخصاً من المشتبه بإصابتهم بفيروس «الكورونا»، وقد أثبتت الفحوص خلوّهم منه».
وصدر عن مكتب وزير الصحة بيان أشار الى «أنّ مستشفى رفيق الحريري الجامعي الحكومي في بيروت، سيصدر نشرة يومية عند الخامسة عصراً، بالتعاون مع الجهات المختصة في وزارة الصحة، للاعلان عن آخر المستجدات التي تحصل في موضوع فيروس كورونا».
إلى ذلك، شهد المطار إجراء استثنائيّاً للوقاية من الامراض، سبق بها معظم مطارات الشرق الاوسط والعالم العربي، عبر تركيب أجهزة حديثة، برعاية رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، الذي كان قد تلقّى هذه الاجهزة من شركة «SKY CARE SERVICES». وقد تمّ تركيب 22 جهازاً في الممرات المتحركة (السلالم الكهربائية) كافة، لتعقيمها تلقائيّاً وفي شكل دائم.
الجمهورية