الرئيسية / سياسة / فرنسا تلوّح بصندوق النقد

فرنسا تلوّح بصندوق النقد

مجلة وفاء wafaamagazine 

 يوماً بعد يوم، يزداد خطر اللجوء الى صندوق النقد الدولي. صحيح أن أحداً من القوى السياسية الكبرى في الداخل ‏اللبناني لم يتبنّ مطلباً مماثلاً، أقله علناً، الا أن الخوف يتركز على الضغوطات الخارجية التي من الممكن أن تحثّ ‏لبنان على الانخراط ضمن برنامج يحدّده هذا الصندوق. المخاطر الرئيسة هنا كانت متوقعة من الولايات المتحدة ‏الأميركية، وخاصة بعد “النصيحة” التي وجهها مساعد وزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ‏شينكر، إلى لبنان، إبان انعقاد مؤتمر “مجموعة الدعم الدولية للبنان” في باريس، في النصف الاول من كانون ‏الاول الماضي. يومذاك، قال شينكر بوضوح إنه لا حل أمام لبنان سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.

 

لكن ‏المفاجأة التي سُجِّلت أمس أن فرنسا لوّحت بورقة “الصندوق”، بعدما كان دبلوماسيوها يشيعون أن هذا الامر ليس ‏من مصلحة باريس التي تعتبر أن لجوء لبنان إلى تنفيذ برنامج من إعداد صندوق النقد سيضعف نفوذها في ‏بيروت. لكن وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، تحدّث أمس، من أبو ظبي، عن “نظر فرنسا في خيارات ‏مختلفة لمساعدة لبنان على التعافي من أزمته المالية… ربما برنامج لصندوق النقد إذا طلبت الحكومة اللبنانية ‏واحداً، لكننا لن ندير أي جهد لمساعدة لبنان”، ليضيف أن “كل دولة ستقرر بطريقة سيادية ماذا ستفعل”. في اليوم ‏السابق، كان لومير في الرياض، حيث حذّر من “خلط التعافي الاقتصادي في لبنان مع الجهود التي تقودها ‏الولايات المتحدة لمواجهة إيران في المنطقة”. كلام وزير المالية الفرنسي أمس فسّرته قوى سياسية لبنانية على ‏نحو إيجابي، نظراً إلى ربطه برنامج صندوق النقد بقرار من الحكومة اللبنانية. لكن هذه الإيجابية المفترضة لا ‏تلغي الخطورة العالية من طريقة الحديث عن “الصندوق”.

 

ورغم أن باريس هي راعية مؤتمر “سيدر”، إلا أن ‏لومير لم يأت على ذكره. من هنا تزداد خطورة كلام الوزير الفرنسي، إذ تبدو تمهيداً للسعي إلى فرض برنامج ‏يعدّه صندوق النقد الدولي للبنان. وهذا البرنامج لا صلة له بالمهمة “التقنية” التي يقوم بها وفد من الصندوق في ‏بيروت حالياً، والتي تبدو أشبه بالمهمة الاستطلاعية. فبرنامج صندوق النقد يعتمد على “وصفة جاهزة” ستدفع ‏لبنان باتجاه بيع ما تملكه الدولة (لدائنيها خاصة) وخفض رواتب العاملين في القطاع العام مع تعديل النظام ‏التقاعدي لهؤلاء، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة مع إلغاء جميع الاستثناءات، بما فيها المواد الغذائية ‏والأدوية، وفرض رسم اضافي يعادل 5000 ليرة على كل صفيحة بنزين، وزيادة تعرفة الكهرباء، وغيرها ‏الكثير من الشروط التي ستسهم في مضاعفة الأزمة الاقتصادية عوضاً عن حلّها‎.


في موازاة ذلك، عقد وفد صندوق النقد عدة اجتماعات يوم أمس بالتزامن مع عزم لبنان على اختيار شركة “كليري ‏غوتليب ستين اند هاملتون” لتقديم المشورة القانونية في شأن امتناعه عن دفع سندات اليوروبوندز وسعيه لإعادة ‏جدولة الدين، فيما قالت مصادر لـ”رويترز” إن “المسؤولين في المراحل الأخيرة لاختيار الشركة التي سيتقرر ‏تعيينها بشكل منفصل كمستشار مالي”. وكان وفد الصندوق قد التقى أمس رئيس لجنة المال والموازنة النائب ‏ابراهيم كنعان ورئيس لجنة الخارجية النائب ياسين جابر. وقالت مصادر مطلعة لـ”الأخبار” إن الوفد “لم يطرح ‏أي حلول، بل اقتصرت مهمته على الاستماع إلى النائبين، على أن يستخدم المعطيات لتقديم المشورة التقنية”.

 

وفي ‏هذا السياق، قدم كنعان جردة مفصلة بالتوصيات التي أصدرتها لجنة المال منذ 10 سنوات وما أقِرّ منها، إضافة ‏الى التخفيضات الكبيرة التي فرضتها على الموازنات فضلا عن إعادة تكوين الحسابات المالية وتدقيقها. من جانبه، ‏اكتفى الوفد بعرض نماذج عن بلدان عانت من التدهور الاقتصادي نفسه، كما لبنان، والخطة التي وضعت لإنقاذها‎.‎



وكانت الامانة العامة لمجلس النواب قد نظمت يوم أمس أيضاً ورشة عمل بالتعاون مع اللجنة النيابية للشؤون ‏الخارجية ومؤسسة “وستمنستر للديموقراطية” تحت عنوان “آليات استرداد الاموال المنهوبة: التجارب الدولية ‏والخيارات المتاحة‎”.

 

من جهة اخرى، وكعادته في التدخل الوقح بالشؤون اللبنانية، حدّد المنسق الخاص للأمم المتحدّة في لبنان، يان ‏كوبيتش، سبل عمل اللبنانيين على تحقيق مصالحهم، معترضاً على التظاهر امام المصارف، واصفاً ذلك العمل ‏بالشعبوي. على حسابه على “تويتر”، قال كوبيتش إن “نجاح الإجراءات لإنقاذ لبنان من الانهيار يبدأ بدعم القوى ‏السياسية الممثلة في البرلمان. هناك ستظهر مصالحها الحقيقية، وليس في التظاهرات الشعبوية أمام المصارف ‏‏(…) لقد قام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتبليغ أن مصرف لبنان يقدم الآن رسمياً للحكومة معلومات ‏واقعية حول الوضع في لبنان، بما في ذلك السيولة”.

 

وحثّ كوبيتش صندوق النقد الدولي “على توفير المشورة ‏والمساعدة الى الحكومة عندما تقوم بإعداد سلسلة من الإجراءات والإصلاحات القاسية المطلوبة من أجل البدء ‏بانتقال لبنان من الأزمة الوجودية إلى التنمية المستدامة، ولكن بطريقة مسؤولة اجتماعياً”. أما حديثه عن ضرورة ‏مناقشة البرلمان لقوانين مكافحة الفساد “بشفافية كاملة، وليس خلف الأبواب المغلقة”، فاستدعى ردّاً من الأمانة ‏العامة لمجلس النواب التي قالت: “لسنا بحاجة إلى دروس في كيفية التشريع ولم يحصل في يوم من الايام أن ‏شرّعنا خلف أبواب موصدة‎”.


على المقلب الحكومي، كان لافتاً استقبال رئيس الحكومة حسان دياب السفير السوري علي عبد الكريم علي، ‏وتمحور النقاش، بحسب الأخير، حول “الضغط الذي يجب أن يتركز من قبل الحكومة اللبنانية وكل القوى التي ‏تستطيع أن تسهم في رفع العقوبات والحصار الذي يؤذي لبنان وسوريا معاً، وينعكس تأزّماً في أوضاع اللاجئين ‏السوريين في لبنان والاردن وتركيا، وفي كل مناطق اللجوء‎”.‎
‎ ‎

 

الأخبار