الرئيسية / محليات / «إنجاز» مشروع الموازنة: إخفاء الأوساخ تحت السجّادة! الانتهاء من الموازنة: 600 مليار ليرة لإقفال «المهجرين»!

«إنجاز» مشروع الموازنة: إخفاء الأوساخ تحت السجّادة! الانتهاء من الموازنة: 600 مليار ليرة لإقفال «المهجرين»!

السبت 25 آيار 2019

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت “الاخبار” في افتتاحيتها تقول:”«ملّ» سعد الحريري من الجلسات المُكرّرة لمناقشة مشروع موازنة الـ 2019، فأجرى يوم الخميس سلسلة اتصالات لفرض التهدئة على شركائه، وتأمين إمرار المسودة. إذا كان الهدف الانتهاء من الموازنة مهما يكن مضمونها، فيُمكن القول إنّ الحريري نجح في جهوده. أما إذا نُظر إلى ما تحقّق من باب الجدوى الاقتصادية، فستكون النتيجة مزيداً من «الاستقرار»… في المسير الدائم نحو الهاوية.

قرّر الوزراء أمس وضع حدّ لنقاشاتهم حول مسودة موازنة ما تبقى من الـ 2019، «مُبشرين» اللبنانيين بـ«إنجاز» الانتهاء من حسابات «دكانتهم»، من دون أن تُعبّر عن خطة الدولة الاقتصادية لمواجهة المرحلة الخطيرة التي تمرّ بها البلاد. لم يكن من داعٍ ليضيّع مجلس الوزراء 19 جلسة، حتى يخرج بنتيجة كان يُمكن الانتهاء منها بظرف ساعات. 19 جلسةٍ من الأخذ والردّ، والبحث بأمورٍ كثيرة لا تتوافق مع التفسير الدستوري والقانوني للموازنة، ومن دون أن تُقارب بأي شكلٍ من الأشكال جوهر المشكلة الحقيقية. المسودة، والأوراق الاقتصادية، التي أنهى الوزراء البحث بها، لا تصل إلى مستوى «حكومة الطوارئ» التي تسعى إلى إنقاذ الوضع، وليست أكثر من تعبير عن وجود مجموعةٍ من «المتعهدين» الذين يعيشون تحت سيف مؤتمر «سيدر» والمانحين الدوليين والتهديدات المالية، والساعين إلى «تحرير» القروض ــــ التي تنتحل صفة المساعدات ــــ التي وُعدوا بها في المؤتمر الباريسي، لتبدأ الأعمال.


مؤشرات عدّة دلّت على أنّ اجتماع أمس سيكون الأخير في السرايا الحكومية، قبل أن تنعقد جلسة في قصر بعبدا، تقرّر أن تكون قبل ظهر الاثنين. استبق رئيس الحكومة سعد الحريري جلسة أمس، باتصالات قام بها يوم الخميس مع كلّ من الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، طالباً التهدئة. وطلب من وزير المال اصطحاب الدراسات والأرقام المرتبطة بالاقتراحات التي تقدّم بها وزير الخارجية والمغتربين وغيره من الوزراء، لاتخاذ قرار بالذي يُبحث منها في مشروع موازنة 2019، وتلك التي ستُرحَّل إلى موازنة الـ 2020، أو ما يُحال إلى مجلس النواب أو ما يمكن بتّه بقرارات حكومية أو وزارية. رئيس الحكومة بدا مُنزعجاً في جلسة يوم أمس، لكنه لم يُعبّر عن ذلك بالنقاش الحادّ، بل بالاستهزاء بكثير من الطروحات، كما فعل حين مناقشة فرض ضريبة على اليخوت.

فعندما قال أحد الوزراء إنّ تسجيل اليخت بالنوادي الخاصة يُكلّف 15 ألف دولار، سخر الحريري قائلاً: «تعوا نزيد ضرائب تا يتشجعوا أصحاب اليخوت يسجلوها عنّا»، قبل أن يتم الإيضاح له أنّ رسوم التسجيل الحالية تستفيد منها النوادي الخاصة وليس الخزينة العامة.


وانعكست نتيجة الاتصالات التي قام بها الحريري هدوءاً داخل القاعة، حيث إنّ خليل كان يردّ على كلّ من يُقدّم طرحاً بالقول: «منمشي». وباسيل أيضاً لم يُناقش بطريقة استفزازية، أو يعيد طرح مطالب قديمة. الاستثناء الوحيد كان حين سأل وزيرُ الخارجية عن سبب عدم خفض موازنات عددٍ من الوزارات. الردّ عليه أتى من وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، الذي برّر بأنّ وزارته تدفع المال للعديد من الجمعيات، كرعاية المعوقين ومعالجة الإدمان. ومن غير الممكن التوقف عن تمويل هذه الجمعيات، بسبب غياب أي مؤسسات تملكها الدولة وتؤمن الرعاية بهذه الأمور. أوضح باسيل أنّه لم يكن يقصد بكلامه «الشؤون الاجتماعية» وحدها، مُستغرباً أن يُبادر قيومجيان إلى التبرير، بل كان يقصد أيضاً وزارات الصحة والأشغال العامة والاتصالات.

تدخل وزير الأشغال يوسف فنيانوس، مُذكراً بأنّ موازنة «وزارته» خُفضت بحدود الـ 20%، مثلاً كان مُخصصاً 250 مليار ليرة للطرق، أصبحت بعد الخفض 200 مليار ليرة». بدورها، الوزيرة مي شدياق سألت باسيل ساخرةً، «غريب كيف لم تُطالب بخفض موازنة أي وزارة من نصيب التيار الوطني الحرّ».

فأتى كلام الوزير غسان عطا الله كنوعٍ من الردّ عليها، فجدّد التذكير بنية «التيار» إقفال وزارة المهجرين. إلا أنّ ما كان مفاجئاً للوزراء بطرح عطا الله، قوله إنّه سيكون بحاجة إلى 600 مليار ليرة لاستكمال ملفات المهجرين وإقفال الوزارة! بعد 29 سنة على انتهاء الحرب الأهلية، لا تزال الحكومة بحاجة إلى 400 مليون دولار من أجل إقفال هذا الملفّ! وأضاف عطا الله مُطالباً بـ 10% من الـ 600 مليار ليرة، هذا العام، على أن ترتفع الحصة إلى 30% لكل من السنوات الثلاث المقبلة. تحت صدمة ما يطلب الوزير الشاب، تهامس عدد من زملائه، مُتذكرين يوم كان النائب طلال أرسلان وزيراً للمهجرين، وقال إنّ الوزارة بحاجة إلى 60 مليار ليرة لإنهاء الملف.


بعيداً عن ذلك، اتخذ الوزراء عدداً من القرارات، كفرض رسوم تسجيل وضريبة القيمة المضافة على اليخوت التي يزيد طولها على 15 متراً. لكن من غير المتوقع أن تدرّ هذه الضريبة أرباحاً كبيرة، لأنّه قبل 18 سنة، وحين أُعفيت اليخوت من الرسوم، لم يُسجّل إقبال على تسجيلها في لبنان.

موازنة 2019: إخفاء الأوساخ تحت السجّادة

لا يختلف اثنان على ان مناقشة موازنة 2019، في مجلس الوزراء وخارجه، فيها الكثير من الارقام والقليل من الاصلاحات. لكن فيها ايضاً الكثير من السياسة هي محور الانقسامات التي شهدها مجلس الوزراء في جلساته الاخيرة، عندما اوشك على ختم مشروع القانون

ليس غريباً ان ما يصيب مشروع قانون موازنة 2019 الآن، قبل الوصول الى مجلس النواب، هو نفسه ما اصاب عام 2017 قانون الانتخاب، وعام 2018 تأليف الحكومة الحالية. وهو سيصيب اي ملف آخر مماثل في اهميته في المرحلة المقبلة.
 

الانتهاء من الموازنة: 600 مليار ليرة لإقفال «المهجرين»! 
في كل من المحطات الثلاث تلك، في السنوات الثلاث الاولى من العهد، لم يكن غريباً كذلك ان الكتل الرئيسية الممثلة في حكومة الرئيس سعد الحريري تظاهرت بالتأثر بعامل الوقت وضغوطه، وافتعلت ذرائع ارباكها بتقديم تنازلات. بيد ان الهدف الفعلي كان في مرمى آخر، هو سبل احراز افضل توافق على تلاقي مصالحها. فلا يخرج خاسر من بينها. في قانون الانتخاب وتأليف الحكومة، توخّت الكتل هذه المحافظة على توازن القوى نفسه، المنبثق من التسوية السياسية المبرمة في تشرين الاول 2016، على نحو يجعلها تمسك بزمام السلطة. مع هامش تقليدي دعائي اكثر منه جدياً، هو اظهار اكثر من تباين في الاراء وحيال الملفات في ما بين افرقائها.


في مشروع موازنة 2019، لم يكن المطلوب سوى تأكيد المؤكد: ادارة خزينة الدولة وضائقتها المعيشية والاقتصادية والنقدية بما لا يفلت الزمام من ايدي الكتل الرئيسية تلك التي يمثّل تضافرها مقدرة السلطة على الصمود والبقاء. جراء ذلك امكن الوصول الى الحلول السهلة، القليلة الكلفة على الكتل نفسها، من خلال فرض رسوم وضرائب واقتطاعات في القطاع العام، دونما مسّ القطاعات الأساسية المؤثرة في خفض العجز، لاسيما منها المرتبطة بالمرافق الاكثر اهداراً، والاكثر تعششاً للفساد فيها، والاكثر تظللاً بحماية المرجعيات النافذة في الحكم. من هذه ما يصحّ تسميته دويلات الاتصالات والنفط والجمارك والمرافئ والاملاك البحرية والنهرية، ناهيك بخدمة الدين العام والاجور الخيالية وايجارات المباني الرسمية، اضف فضيحة توظيف آلاف في الادارة. واللائحة لا تنتهي. للسبب نفسه الذي تمثّله مرجعياتها المختفية وراء تلك المنشآت، بقيت هذه المرافق في منأى عن الإصلاحات الجذرية والبنيوية.


ليست كل القطاعات هذه سوى المظهر الرئيسي لتولي الكتل الحاكمة، في السلطتين الاشتراعية والاجرائية، تمويل احزابها وعناصرها ونشاطاتها وامكاناتها من خلال مقدرات الدولة اللبنانية. ليست مفارقة ان وراء كل من الكتل الرئيسية الست احزاباً وتيارات هي التي تشكل المرجعية السياسية الفعلية للكتل تلك.