الرئيسية / آخر الأخبار / برسم الشرفاء في هذا البلد

برسم الشرفاء في هذا البلد

مجلة وفاء wafaamagazine

كتبت د. ليلى شمس الدين

أين الشرفاءُ في هذا البلد؟ سؤال ليس وليد لحظة انفعال، بل هو السؤال السرمدي الذي لا ينفك يلاحقني منذ زمن. لن أفشي سراً إذا ما قلت إنّنا في ظل كل الظروف التي نعيش، نحن لسنا في دولة على الإطلاق، كلام قد لا يروق للبعض ربما. أعترف بصراحةٍ ندر أن نلمسها ممّن أولينا ثقتنا بهم، وعقدنا آمالنا عليهم، هذه الفترة أكثر من أي فترة سبقت، أراهم يستخفون ويستهزؤون بنا، فيطلقون أبواقهم القاتلة، ويصمون آذانهم عن سماع ارتداداتها في كل آه صدحت بفضلهم ومع كل أنين هزّ السماوات والأرضين بجهودهم.
لا أعرف من أين أبدأ، أمِن لقمة الخبز التي قد تسد رمق كُثُر منّا، أو من ارتفاع جنوني لأسعار لا تصطدم حتى ببكاء طفل هنا أو شيخ عاجز هناك، وبينهما عائلات يسمّيها البعض مستورة، كونها تعض على جراحها وآلامها وأوجاعها، وتحبس دموعها كي لا تستجدي رحمة من بشر لم يمروا يوماً ربما من تحت أقواس الإنسانية.
“الله يعين .. من مين أو من مين بدنا نلاقيها”، أمِن الحاكم بأمرنا بموافقة وغطاء من الجميع، اليوم والبارحة وغداً ربما، أو من تصريحات لا مسؤولة من أشخاص يُفترض أن يحملوا مسؤولية وجودهم بإدارة الدولة .. أو من جعجعة لا تتوقّف عن طحن كل شيء في حياتنا، فتُغدِقَ علينا تعاميم مجحفة هنا وبيانات فارغة هناك.
لمن نلجأ نحن الذين لا حول لنا ولا قوّة، عندما يطيح وزراؤنا بأمننا الغذائي والصحي والبيئي والاجتماعي والاقتصادي وكلِ أمنٍ قد يستر عوراتنا التي كشفوها بمحض إرادتهم وبطشهم وجبروتهم. لقد سلبوا منّا كل شيء، فما بقي أمامنا إلاّ دعاء نتضرّع به إلى الخالق ليطيح بهذه الطبقة المستبدة بحياتنا، ويبدو أنّ أملنا بالخلاص لن يتحقّقَ إلاّ من خلال صاعقة أو زوبعة أو زلزال يزلزل عروشهم التي بنوها بالجريمة والسرقة والعهر والمخادعة.
أدرك جيداً أنّه كلام مؤلم ولكنها الحقيقة القاسية والمرّة، أين مسؤوليات الجميع ممّن يفترض بهم ان ينقلوا البلد إلى بر الأمان ولو تدريجياً.. قد يتّهمنا أحدهم بالتهرّب من تحمّل مسؤولياتنا، بفم ملآن وعقل واع أقول، المبكي والمستفز في الأمر أنّهم يتخلّون عن أبسط المسؤوليات الملقاة على عاتقهم. اعتقد جازمة أنّه حان الوقت ليقف كل مسؤول علناً أمام الشعب، ويصارحَ الناس بحقيقة ما يجري وعلى كل الصعد، بحقيقة أفعالهم ومشاريعهم السياسية والاقتصادية والبيئية والتربوية والتعليمية وووووو القائمة لا تنتهي.
أعرف أَنها صرخة للضمائر الحية إذا وجدت، ولكن الصمت مدوٍ ويصم اذاننا كما قلوبَهم. كفى كذباً ومراوغة، وكفى تلاعباً وعبثاً بقوتنا وبمصيرنا. أخشى أن يكون الشرفاء قد اندحروا، عندها نقول بلا تردّد على الدنيا السلام. لقد بتنا في زمن التحوّلات فشرُّ البلية اليوم يبكي ولا يُضحك، أراهم يطحنون احلامنا ويدوسونها بأقدامهم دون أن يرف لهم جفن، يبدو أننا نعيش في زمن ندر فيه الشرفاء.
د. ليلى شمس الدين
باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام