الرئيسية / آخر الأخبار / الحكومة أقرّت «خطّتها الإنقاذية» وتبدأ ورشة تحصــينها.. والمعارضة تدرسها

الحكومة أقرّت «خطّتها الإنقاذية» وتبدأ ورشة تحصــينها.. والمعارضة تدرسها

مجلة وفاء wafaamagazine 

ما ان أعلنت الحكومة «خطتها الانقاذية» عشية عيد العمال الذي يصادف اليوم، حتى صعّد معارضوها حملتهم عليها وعلى رئيسها والعهد عموماً، ما دلّ الى أنّ الآتي من الايام سيكون حافلاً بعراك سياسي حاد يتزامن مع الحراك الشعبي المندلع في الشارع والذي تحاول قوى سياسية ركوب موجته مجدداً، متسلّحة بشعاراته للنيل من الحكومة، وسط مؤشرات توحي بإرادة دولية لدعمها ومساعدتها على تحقيق انفراجات في الأزمة.

وينتظر ان تتفاعل هذه الخطة بنصوصها ومندرجاتها في مختلف الاوساط المحلية والاقليمية والدولية، في الوقت الذي ستنشط الحكومة لتسويقها وتحصينها سياسياً من خلال شن هجوم مضاد على المعارضين الذين أعدّوا العدة للاستمرار في حملتهم عليها.

 

وعلى تعبير «اليوم التاريخي» تقاطَع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب في تسمية يوم إقرار الخطة الاقتصادية والمالية، وبَدا من المواقف التي صدرت بعد اعلان الخطة انّ عراقيل كبيرة قد تعترضها، خصوصاً انها التفّت على تحرير سعر الصرف بتركه مَرناً حسب المفاوضات والتطورات، لكنها بَنت كل ارقامها على اساس انّ سعر الدولار سيصل تدريجاً الى 3500 ليرة. واذا كان رئيس الحكومة قد امتصّ اعتراضات مكوناتها عليها عبر الاخذ بملاحظاتهم، لا سيما في موضوع عدم التدرج في تحرير الليرة وادخال تعديل على إجراء الاكتتاب من اصحاب الودائع الكبيرة داخل المصارف عبر تركه اختيارياً، الّا انّ الملاحظات بقيت والخوف تقدم على الانجاز لأّن عدداً كبيراً من الوزراء تَهيّبوا التنفيذ مع تصاعد الازمة المعيشية.

 

لقاء وطني – نيابي

 

وفي خطوة تلت إعلان الخطة الاقتصادية، دعا عون مساء امس رؤساء الكتل النيابية الـ 14 في مجلس النواب الى «لقاء وطني» يعقد الحادية عشرة قبل ظهر الاربعاء المقبل في القصر الجمهوري، لعرض برنامج الحكومة الاصلاحي.

 

وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» انّ عون رغب في أن يناقش مع المدعوّين الى هذا اللقاء، والذين سيتقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الخطوات اللاحقة المقترحة بعد اقرار الخطة ودعوتهم الى المشاركة في ما يمكن اعتباره «ورشة عمل وطنية» كبرى لا بد من خوضها للخروج من الأزمة القائمة بوجوهها المتعددة، خصوصاً انها تؤسّس لمرحلة جديدة تحدثت عنها الخطة بما فرضته من تعديلات كثيرة على اكثر من مستوى اقتصادي ونقدي ومالي وادراي.

 

مجلس الوزراء

 

وكان مجلس الوزراء أقرّ في الجلسة التي عقدها أمس في القصر الجمهوري الخطة الاقتصادية – المالية بالإجماع، بعد إدخال تعديلات عليها لم تشمل موضوع تحرير سعر صرف الليرة.

 

ولفت عون، خلال الجلسة، الى «أهمية إقرار الخطة التي أعدّت لأول مرة، محذّراً من أنّ «أي تطورات سلبية تقع حالياً، تنعكس على الوضع العام ويصبح أسوأ»، فيما أوضح دياب أنّ «الخطة التي أقرّت ليست تاريخية فحسب، بل تحدّد مسار الدولة اللبنانية لإصلاح الواقع الحالي».

 

ولاحقاً، قال دياب في كلمة وجّهها الى اللبنانيين «أنّ الدولة أصبحت تملك، للمرة الأولى في تاريخها، خطة مالية مكتملة ومتكاملة، تنتهي بها وعبرها مرحلة التخبّط في سياسات مالية أوصلت البلد إلى حالة الانهيار الحالية»، موضحاً: «سنمضي في طلب برنامج مع صندوق النقد الدولي وإضفاء الطابع الرسمي على مفاوضاتنا مع الدائنين لسندات «اليوروبوندز» والمضي قدماً فيها، وبالتالي تخفيض عبء الدين عن مواطنينا، وتقديم رؤيتنا لطريقة التعافي الاقتصادي إلى أصدقائنا الدوليين وشركائنا والمستثمرين في الداخل والخارج».

 

وكشف دياب أنّ «الخطة المالية للحكومة تعتمد على 6 مكونات رئيسية متداخلة: المالية، الاقتصادية، المصرفية والنقدية، والحماية الاجتماعية والتنموية»، لافتاً الى أنها «حدّدت أهدافاً على مدى 5 سنوات».

 

وزير المال

 

وقال وزير المال غازي وزنة لـ»الجمهورية» انّ «الخطة المالية – الاقتصادية تاريخية»، لافتاً الى انها «تتحلى بالصدقية وتفتح باب المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كذلك تشكّل فرصة لتحريك نتائج مؤتمر «سيدر» وتحصيل الدعم من الدول المانحة، وهي تتضمن للمرة الأولى ارقاماً حقيقية وشفّافة حول الواقع المالي والمصرفي في لبنان».

 

وأكد وزنة «انّ الخطة ستكون أرضية صالحة للنقاش مع صندوق النقد»، لافتاً الى انها «تنطوي على رسالة إيجابية إلى المجتمع الدولي لأنها تتضمّن خطوات واضحة وعملية لتحقيق الإصلاحات التي رَكّز عليها وزير المال الفرنسي خلال الاتصال الهاتفي بيني وبينه، وبالتالي من المتوقع ان تكون أصداء الخطة في الخارج إيجابية وان تحظى بثقته».

 

وقال وزنة: «انّ الحكومة كانت حريصة أيضاً على اكتساب ثقة الداخل في الخطة، وهذا ما يفسّر انها تشاورت في شأنها، قبل إقرارها، مع الهيئات الاقتصادية والنقابات العمالية والخبراء ورؤساء الجامعات وغيرهم بغية تأمين أوسع احتضان وطني ممكن لها». وأوضح «انّ هناك جانباً في الخطة يحتاج إلى قوانين تصدر عن مجلس النواب، وهناك جانب آخر يتطلب قرارات من مجلس الوزراء»، مؤكداً «انّ الحكومة ستستعجل قدر الإمكان في تنفيذ الشق المتعلّق بها، وهي بدأت منذ فترة بإصدار قرارات اصلاحية».

 

وأشار الى انه سيتم مستقبلاً اعتماد سياسة مَرنة في تحديد سعر الصرف، لافتاً الى «انّ مباشرة التحول نحو هذه المرونة مرتبطة بتحسن الأوضاع الاقتصادية وبدء إصلاح القطاع العام والتواصل مع صندوق النقد الدولي».

 

سلاسة وسرعة

 

وقالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية» انّ إقرار الخطة في مجلس الوزراء «تمّ بسلاسة وبسرعة ومن دون أي اعتراضات». ولفتت إلى «أنّ السلاسة مفادها أنّ عملاً حثيثاً استمرّ حتى ساعة متقدمة من ليل الأربعاء الخميس لوضع تعديلات على مضمون الخطة، وخصوصاً بعدما برزت تحفظات لدى وزيري حركة «امل» غازي وزنة وعباس مرتضى على تحرير سعر صرف الليرة وعلى الـ baill in».

 

واشارت المصادر الى «أنّ وزير المال عمل على وضع تعديلين، تم الأخذ بهما:

 

ـ الأول، تَبنٍ مَرن لسعر صرف الليرة في انتظار تحسن الوضع الاقتصادي والمالي وإجراء إصلاح القطاع المصرفي وإقرار الخطة الإصلاحية ونيل ثقة المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

– الثاني، اعتبار الـ baill in خياراً للمودعين، وليس إلزامياً.

 

الرؤساء السابقون للحكومات

 

في التزامن مع جلسة مجلس الوزراء رأى الرؤساء السابقون للحكومات سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، أنّ «الأوضاع تُنذر ببلوغ أزمة وطنية خطيرة بلا قعر، ما لم يبادر العهد وحكومته إلى تغيير سياساتهما فوراً، والعودة إلى احترام الدستور والقوانين، وما تقتضيه مصلحة الدولة».

 

وقالوا في بيان، بعد اجتماع عقدوه أمس في «بيت الوسط»، إنّ «الحكومة الحالية، التي اختارها العهد وحلفاؤه السياسيون، تحوّلت أداة لتصفية الحسابات السياسية والممارسات الانتقامية، ومتراساً تختبئ خلفه كيديات شخصية وأجندات طموحات رئاسية».

 

الحريري يهاجم

 

وبعد هذا اللقاء، علّق الحريري على الخطة الإقتصادية التي أقرّتها الحكومة أمس قائلاً: «سنقرأ الخطة وإذا كانت جيدة فسنتعاون بالعمل على إنجاحها، وإذا فشلت الحكومة فأنا طبعاً مع إسقاطها»، مؤكّداً في دردشة مع الصحافيين «انّنا مستمرون في المعارضة، ونحن مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في مواقفه».

 

وأشار الحريري إلى أنّ «دياب حاطِط حْطَاطو تحميلنا مسؤولية 30 سنة»، سائلاً: «لماذا استخدام خطاب الوزير جبران باسيل؟»، لافتاً إلى أنّه «إن كانت الامور هكذا فنسلّم الأمور لجبران باسيل، ولكن فَشر على رَقبتو، فقد تسلّم الكهرباء ورتّب علينا 11 مليار دولار». وأشار إلى أنّ «حزب الله غير موافق على أعمال جبران باسيل، لكنّ المشكلة في النهاية أنّه يتحمّل مسؤولية حمايته».

 

«الوفاء للمقاومة»

 

وأكّدت كتلة «الوفاء للمقاومة» أنّ «حزب الله» ليس من يُتّهم بالانقلاب، ولا هو من يطعن بحرصه على الشراكة الوطنية، ولكن أيضاً ليس هو من يقبل أن يبقى البلد بلا حكومة، وأن يترك الناس للفوضى تَنهش بمجتمعهم».

 

وأشارت، في بيان، بعد اجتماعها الدوري في مقرّها في حارة حريك برئاسة النائب محمد رعد، الى «الغموض الذي يلفّ مصير ودائع الناس في المصارف»، مشيرة الى أنّ «ما يعنيها هو ضمان حصول المودعين على أموالهم، ووضع حدّ للتطاول على المال العام».

 

كوبيتش

 

وفي أول موقف دولي من الخطة رأى المنسّق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، أنّ «الحكومة خَطَت خطوة مهمة نحو الإصلاحات ومعالجة الأزمة المصيرية الراهنة عبر إقرار خطتها الإصلاحية». وقال في «تغريدة»: «الآن على القوى السياسية والمجتمع المدني إبداء رأيهم بالخطة، الأمر الذي يمهّد الطريق للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسائر الشركاء الدوليين».

 

من محضر الجلسة

 

وخلال نقاش البند الاول من جدول اعمال مجلس الوزراء احتدّ النقاش بين رئيس الحكومة ووزراء «حزب الله» بعدما اعترض وزير الصناعة عماد حب الله على هذا البند واعتبره غير قانوني، فسانَده الوزير حمد حسن وكذلك الوزير عباس مرتضى. وقال: «انّ هناك قانوناً هو قانون الاثراء غير المشروع، وهذا البند يدخل في إطار هذا القانون ولا داعي لأن يذهب كمشروع قانون مستقلّ الى المجلس النيابي». ولمّا أصرّ رئيس الحكومة عليه، عاد حب الله وعارَضه بقوة طالباً الامتناع عن احالة هذا القانون الى المجلس النيابي. لكنّ رئيس الحكومة أصر مجدداً عليه، فأقرّ البند، علماً انّ اقتراح القانون هذا مقدّم من كتلة «التيار الوطني الحر».

 

نقاش آخر ساخن شهده مجلس الوزراء بين حب الله ووزير الاقتصاد راوول نعمة عندما طرح الاخير من خارج جدول الاعمال التجديد لعقود الـ UNDP التي تدعم الموظفين في وزارة الاقتصاد، فاعترض حب الله على تجديد هذه العقود ووجد فيها «الكثير من التجاوزات ولا ضرورة لها». فحصل تَشاجر كلامي بينه وبين نعمة الذي خاطبه بحدّة، فسأله حب الله عن المدير العام لوزارة الاقتصاد عليا عباس التي بلغت سن التقاعد، وعن عقد الـ UNDP الذي ينوي نعمة إجراءه وقال: «لماذا ما زالت عباس في الوزارة، علماً انكم عيّنتم موسى كريّم بالوكالة مكانها؟» فأجابه بحدة: «هيدا شغلي ومش رح تعلّمني شغلي». فتدخّل رئيس الحكومة ودعم موقف نعمة، واتخذ القرارات بإعادة تجديد الاتفاقية مع UNDP مع اعادة النظر ببعض بنودها.

 

وقرر مجلس الوزراء شراء فيول بقيمة 150 مليون دولار لتخزين فيول بالسعر المنخفض لمدة سنة، ودفع DEPOSIT لحجز البضاعة وسيتم تقسيطها على مدى 5 فصول.

 

خطة الانقاذ

 

وكان إقرار الخطة الاصلاحية الحكومية شكّل الحدث الابرز امس، حيث تمحورت التعليقات وردود الفعل حوله. وتداخل ما هو سياسي بالتقني.

 

وفي قراءة هادئة للخطة، ومقارنتها بالمسودة الاولى التي سرّبتها الحكومة، يمكن استنتاج الحقائق التالية:

 

اولاً – فتحت الخطة بطبعتها الجديدة الباب رسمياً امام بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي في اطار طلب مساعدته، للتوافق على الخطة، وتأمين التمويل لها على هذا الاساس. ويتراوح التمويل المطلوب بين 10 و15 مليار دولار.

 

ثانياً – تغيير الجزء المتعلق بالمصارف، بحيث اصبحت المقاربة اكثر واقعية وتدعو الى تقوية المصارف لتمكينها من المحافظة على ودائع الناس، من خلال خطة اعادة رسملة، تبدو المصارف من الاساس متحمسة لإنجازها.

 

ثالثاً – مقاربة اكثر توازناً لمسألة اعادة رسملة المصرف المركزي. وفي هذا السياق، يقول المصرفي نديم القصار لـ»الجمهورية»، انّ اصحاب المصارف جاهزون لتحمّل مسؤولية اعادة رسملة مصارفهم، لكن على الدولة ان تتحمّل بدورها مسؤولية إعادة رسملة مصرف لبنان.

 

رابعاً – تأجيل مسألة تحرير سعر صرف الليرة الرسمي الى ما بعد 2020. وهذا الامر اعتبره الخبير الاقتصادي مروان مخايل ايجابياً، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن، ولأنه لا يجوز الإقدام على تحرير سعر الصرف قبل البدء في تنفيذ خطة الانقاذ، وضَخ صندوق النقد الاموال في الاسواق.

 

خامساً – تعديل جوهري في مقاربة مسألة الهيركات (الاقتطاع من الودائع)، بحيث تعتمد الخطة مبدأ الهيركات الاختياري للمودعين الكبار (فوق الـ500 الف دولار)، على ان يحصل من يوافق على الاقتطاع على اسهم مصرفية توازي قيمة المال المقتطع من وديعته.

 

ورغم انّ ردود الفعل الاولية، وخارج اطار المعارضة السياسية، جاءت مقبولة ومرحّبة بالخطة، إلّا أنّ التركيز كان على التطبيق، بحيث انّ نقطة القلق الاساسية تتعلق بقدرة الحكومة على تطبيق ما رَسمته على الورق.

 

 

 

 

الجمهورية