الثلاثاء 11 حزيران 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
نظر الإمام الصدر إلى لبنان كضرورة حضارية، ورسالة إلهيه، لخلق الحوار والتواصل بين أعضاء الجسم الإنساني الكبير، على مستوى العالم وليس على المستوى اللبناني فحسب، معتقداً بإمكانية أن يلعب هذا النموذج دوراً مميزاً في تلاقي الحضارات والثقافات العالمية. إضافة الى ذلك، إعتبر الإمام أن النموذج اللبناني في تعدد الطوائف والمذاهب والتعايش فيما بينها، يشكل التناقض التام مع النموذج القومي الإسرائيلي الصهيوني والعنصري، كمـا يشكل تحدياً كبيراً في إستمراريته و تطوره وخطراً فعلياً عليه، إنطلاقاً من موقع لبنان الجغرافي في قلب العالم العربي والإسلامي
وأهمية دوره كرسالة في التعايش الاسلامي ـ المسيحي، وما يتضمن من مساحات الحرية والديمقراطية ضمن نطاقه السياسي والدستوري، تمكنه من لعب دورٍ كبيرٍ في نشر هذه القيم الموجودة فيه على المستوى العربي والإسلامي والدولي، ما وضع لبنان في قلب الصراع العربي – الإسرائيلي وجعل منه خط الدفاع الأول عن القضية الفلسطينية. كما أن الفكر الإسلامي النيِر والمنفتح الذي يحمله الإمام موسى الصدر، من خلال نظرته لدور رجل الدين في مجتمعه الواسع، وإيمانه برسالة لبنان “سأبقى إن شاء الله في خدمة لبنان، وفي صيانة هذا الوطن لأن هذا الوطن ليس ملكاً لأحد. الوطن للجميع، نموت ونحافظ على وطننا”.
قام الإمام موسى الصدر بدور كبير محلياً وخارجياً لشرح وتوضيح ما آمن به على مستوى أهمية إستمرار النموذج اللبناني، ولصرة القضية الفلسطينية والتحذير من الخطر الصهيوني على الإنسانية بشكل عام، وعلى لبنان والعالمين العربي والإسلامي بشكل خاص، حيث كان يتنقل من دولة الى أخرى للقاء المسؤولين، ومن لقاء الى لقاء، ومن مؤتمر الى آخر، برز الإمام كرسول للبنان يحمل همومه وقضيته وشجونه، ولم يبرز كشخصية دينية طائفية تطرح هموماً طائفية أو شخصية، مما جعل حركته كونية أممية من أجل الإنسان، غير مقيدة بزمان أو بمكان. وقد نتج عن هذه الحركة ومن خلال تلك اللقاءات والزيارات مكانةً مهمةً لعلاقات لبنان الخارجية على المستويين العربي والدولي.
ولقد أثارت رحلات الامام الصدر الخارجية إشكالية متعددة الأبعاد فيما يتعلق بمبادئ العلاقات الخارجية بين الدول، وبدور الفاعلين الآخرين في هذه العلاقات وبخاصة دور الفرد ورجل الدين تحديداً في صياغة ونسج العلاقات الخارجية .
ففي لبنان، وفي ظل إذكاء الصراع الطائفي على أرضه، إستشرف الإمام الصدر أبعاد المؤامرة ورفع شعار الحوار بين الأديان والثقافات، بإعتباره أساس العيش المشترك على المستوى الداخلي، وأساس قيام علاقات بين الدول، إذ بدون الحوار لا يمكن لهذه الدولة أو تلك أن تعبّر عن مصالحها أو أن تتعرّف على مصالح وأهداف الدول الأخرى، لأن العلاقات الدولية تقوم على التوفيق بين المصالح المتضاربة ومراعاة المصالح المشتركة وتبادل المنافع والخبرات، وهذا لا يمكن أن يتم في أجواء التصادم والحرب أو القطيعة.
أهمية الخارج
وإيماناً من الإمام الصدر بأن لبنان الرسالة والنموذج، بلد العيش المشترك والحوار بين الأديان والثقافات، يتمَيز بدور فاعل في تخفيف حدة التوتر في العلاقات الدولية، في زمن يكثر فيه التنظير عن صدام الحضارات وصراعها الحتمي وفق تعبير الكاتب الاميركي )صامويل هنتنجتون(، فقد رأى أن الواجب يقضي إنقاذ لبنان كمقدمة لإنقاذ الوضع العربي وتصويب السياسة الدولية، فكان دوره المميز في مجال السياسة الخارجية.
إن الواقع اللبناني وتعدد الطوائف فيه، شرًع الأبواب أمام التدخلات العربية والدولية، وعلى حد تعبير الإمام الصدر “من دون شك إن العوامل الخارجية ليست بعيدة عن الأحداث اللبنانية” لذا، فأن غالبية الدول التي زارها الإمام كان لها تأثيرها في المجتمع السياسي اللبناني، سواء من خلال الطوائف أو من خلال الأحزاب والقوى السياسية أو من خلال الوجود الفلسطيني في لبنان والصراع مع العدو الإسرائيلي، لذا كانت زيارات الإمام تهدف إلى توجيه تدخل هذه الدول في لبنان لكي يكون إيجابياً وليس سلبياً لما فيه مصلحة لبنان العليا.
والمتتبع للأوضاع اللبنانية ولدور الإمام الصدر في مرحلة الحرب الأهلية، يلاحظ بأن ما قام به الإمام الصدر في زياراته الخارجية كان يصب تماماً في سياق السياسات الرسمية للدولة اللبنانية حيال الوضعين الدولي والعربي، وهي السياسة التي عبَر عنها الميثاق الوطني ودستور الدولة اللبنانية ومساعي المخلصين لإنهاء الحرب واستعادة دور لبنان في العالم العربي. ولعل أفضل تعبير عن هذا الإتفاق أو التطابق يتمثل في التنسيق التام بين الإمام الصدر وحكومة لبنان ومندوبها في الأمم المتحدة خلال الإجتياح الإسرائيلي في آذار 1978، مما جعل الإمام الصدر شخصية لبنانية عالمية بإمتياز.
دكتورعلي عبدالله سيّد / باحث في العلاقات الدولية*