مجلة وفاء wafaamagazine
تحدّث سماحة العلامة السيّد علي فضل الله في حديث الجمعة عن نعمة الدّعاء والآفاق التي يفتحها أمام الإنسان، بعد أن يقوم بكلّ ما تتطلّبه مسؤوليّاته في معالجة شؤون الحياة وقضاياها.
ورأى سماحته أنّ التراجع في إصابات الكورونا لا يعني انتهاء هذا الفيروس والقضاء عليه، ما يتطلّب استمرار إجراءات الوقاية، وعدم التهاون فيها، حتى لا تتسبّب هذه العودة في انتكاسة أو كارثة، مطالباً الدولة بالاستمرار في تنفيذ الإجراءات المشدَّدة التي اتخذتها، ولا سيَّما مع اللّبنانيّين العائدين من الخارج مع تزايد الإصابات بينهم.
واعتبر سماحته أن لا قدرة للمواطنين على تحمّل ثقل تفاقم الأزمة المعيشيّة بكلّ انعكاساتها، بفعل استمرار التّلاعب بسعر صرف الدّولار مقابل اللّيرة اللّبنانيّة في السوق السوداء، والارتفاع الحادّ في أسعار سلع البضائع، محذِّراً من مضاعفات اجتماعيّة خطيرة لهذه الأزمة، منها ازدياد ظواهر العنف، وما ينعكس على الوضع الأمني واستقرار البلد.
ودعا الحكومة إلى أن تكون الأزمة المعيشيّة من أولى أولويّاتها، وأن تتحرَّك بكلّ فاعليّة لضبط سعر صرف الدّولار في السّوق السّوداء، وإلى تشديد الرقابة على أسعار السّلع والموادّ الغذائيّة، لمنع الاحتكار والمتلاعبين بلقمة عيش المواطنين، منوّهاً بما اتخذ من إجراءات في هذا المحال.
وتناول سماحته الخطّة الاقتصاديّة التي أقرّتها الحكومة أخيراً، والتي تعتبر واحدة من أهمّ إنجازاتها، متسائلاً عن قدرة هذه الخطة في تحقيق النهوض الاقتصاديّ الذي يصبو إليه اللبنانيون، وذلك بالاعتماد في تمويلها على صندوق النقد الدولي، منبّهاً إلى مدى المخاطر التي تترتّب على الأخذ بشروط هذا الصّندوق وتبعاته على المستوى الاجتماعي، مما لا طاقة للّبنانيّين على تحمّل أعبائه، أو على مستوى الشروط السياسيّة التي تختفي وراء الشروط الاقتصاديّة.
وأبدى سماحته تفهّماً للمأزق الاقتصادي والمالي الذي اضطرّ الحكومة إلى الأخذ بخيار الاستدانة من صندوق النقد كسبيلٍ للإنقاذ، داعياً الحكومة لامتلاك خيارات أخرى لكيفيّة تأمين تمويلٍ لهذه الخطّة، وذلك بهدف تعزيز الموقع التفاوضي للحكومة مع صندوق النقد الدولي، وتحريرها من أن تكون رهينة شروطه وتبعات الاستدانة.
واعتبر سماحته أنّ سياسات الفريق الحاكم على مدى عقود، استسهلت أسلوب الاستدانة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والمالية، ما أوصل لبنان إلى ما وصل إليه، مطالباً اللّبنانيّين بالاعتماد في شكل أساس على قدراتهم الذاتيّة للإنقاذ، لافتاً إلى أنّ هذا الخيار الذي يعتمد على الذات للنهوض، لن ينجح إلا عندما يؤخذ القرار الجريء والجدّي بمكافحة الفساد والهدر، وتحقيق إصلاحات في أجهزة الدّولة، والسعي لاقتصاد منفتح، واستقلاليَّة القضاء، واستعادة الدولة أموالها المنهوبة.. وعندما تقرّر القوى السياسية أن تبتعد عن كلّ حساباتها الطائفيّة والمذهبيّة وأنانياتها الشخصية، وتصفية الحسابات الخاصّة لحساب الوطن كلّه.
ونبّه سماحته من خطورة ما يقوم به العدوّ الصّهيوني من استباحة متواصلة للسّماء اللّبنانيّة لشنّ الغارات الجويّة على سوريا، واستمرار الطلعات الجويّة الإسرائيليّة، التي باتت تقوم بمهمّات يوميّة للمراقبة، محذِّراً من أنّ ذلك يأتي في سياق سعي العدوّ لتوفير إمكانات وظروف نجاح أيّ اعتداء قادم، ما يتطلّب التنديد السياسي والدبلوماسي بكلّ هذه التوجهات الإسرائيلية، وأخذ الاحتياطات المناسبة لمواجهتها.
وأمل سماحته أن تساهم الحكومة العراقيّة الجديدة التي نالت ثقة المجلس النيابي العراقيّ، في التخفيف من توتّر المناخ السياسي الداخليّ، وتعزيز الوحدة الوطنيّة العراقيّة، وتوحيد جهود جميع القوى السياسيّة لمواجهة داعش التي أعادت تحرّكها من جديد، مستغلة التجاذبات السياسية والأمنية الداخلية والخارجية، داعياً الشعب العراقي إلى التكاتف فيما بينه للوقوف في وجه هذه الهجمة التي تصيب كلّ العراق.
وضمّ سماحته صوته إلى الدّعوة التي أطلقتها “اللّجنة العليا للإخوّة الإنسانيّة”، والتي انطلقت برعاية البابا فرنسيس وسماحة إمام الأزهر أحمد الطيّب، ليتوجّه الجميع في كلّ أنحاء العالم، وكلّ فرد من مكانه، وحسب دينه ومعتقده، إلى الله بالصّلاة والصّوم والدّعاء من أجل أن يرفع عنّا وباء الكورونا.
وختم بالقول: إنّنا نتطلَّع إلى عالم يتوحَّد فيه الجميع بمواجهة كلّ الأوبئة، وكلّ أعمال الظّلم والاحتلال والعدوان؛ عالم يُعيد إنتاج العلاقات الإنسانيَّة وفق مناهج السَّماح التي سارت عليها الرّسالات السماويَّة، وقيم الخير التي أقرّتها القوانين الوضعيّة وكلّ دعاة السّلام في العالم