الخميس 20 حزيران 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
تحرّك لبنان بالأمس، على الايقاعين السعودي والروسي، فعكس وفد مجلس الشورى السعودي انفتاحاً متجدداً تجاه لبنان ورغبة في تطوير العلاقات اكثر بين بيروت والرياض، امّا زيارة الموفد الرئاسي الروسي وتوجيهه دعوة للبنان للمشاركة في مؤتمر استانا حول الموضوع السوري، فقد فرضت على لبنان اعداد أجندته لهذا المؤتمر، وهذا يعني بلورة موقف موحد على مستوى الدولة، يُعَبَّر عنه أمام المشاركين، وعلى وجه الخصوص ما يتصل بالنارحين السوريين. خصوصاً انه على الرغم من العبء الكبير الذي تلقي به أزمة النازحين على لبنان، فإنّ هذا الملف يتجاذبه اختلاف في الموقف اللبناني، ولاسيما على الصعيد الرسمي، حول الحوار المباشر بين لبنان وسوريا لإنهائه.
لبنان قارب الزيارتين بما تطلبانه من اهتمام على المستوى الرسمي وتجاوب مع متطلباتهما، الا انهما على اهميتهما، لم تحجبا المشهد الداخلي المتأرجح من جهة، بين مناقشة مشروع موازنة وسط تباينات نيابية حول مضامينه، وافكار وطروحات من شأنها أن تحرّك نسبة العجز المقدر في مشروع الحكومة بـ7,59 %، الى نسبة اعلى من ذلك، وهو الأمر الذي دفع برئيس الحكومة سعد الحريري الى المشاركة شخصياً في مناقشات اللجنة المالية، وتأكيده انّ الوضع الصعب الذي يمر به لبنان يتطلب اجراءات وقرارات صعبة.
ومن جهة ثانية بين تباينات سياسية حول الاساسيات، وفي مقدمها موضوع التعيينات المعطل لاعتبارات سياسية تتصل بهذا المكون او ذاك. ويفاقم ذلك، بطء واضح في العجلة الحكومية، خلافاً للوعود التي قطعتها “حكومة الى العمل” لحظة نيلها ثقة المجلس النيابي قبل بضعة اشهر.
إرتياح مشترك
زيارة الوفد السعودي عكست ارتياحاً لبنانياً وسعودياً مشتركاً لإتمامها، وقد ابلغت لبنان الرسمي انّ دعم القيادة السعودية للبنان سيستمر وسيتطور اكثر، وانّ السعوديين يرحبون ومرتاحون للمجيء الى لبنان خصوصاً في فصل الصيف، وهو امر يعوّل عليه المسؤولون اللبنانيون في ازدهار موسم السياحة العربية، والخليجية على وجه الخصوص في لبنان خلال الاشهر المقبلة، ما ينعكس عليه بفائدة يحتاجها في ازمته الاقتصادية التي يعانيها. وبالتالي في خلاصة الزيارة، كما تؤكد اوساط الوفد السعودي لـ”الجمهورية” انّ لها تتماتها في القريب العاجل، وخصوصاً بعد اتخاذ المملكة قراراً برفع الحظر عن مجيء المواطنين السعوديين الى لبنان.
وبَدا جلياً من المحادثات التي اجراها الوفد، انّ الموقف اللبناني الرسمي ركّز على العلاقات التاريخية بين بيروت والرياض، وان لا بد من تطويرها وتعزيزها في شتى المجالات، كما كان تشديد على تصليب الموقف العربي، وهو ما عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي حرص على التأكيد امام الوفد على تنقية الاجواء العربية العربية، واهمية المصالحات وعودة السلام والتوافق بين الدول العربية.
لبنان واستانا
واما زيارة الموفد الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف، فإنّ عنوانها الاساس انحصر في موضوع دعوة لبنان الى مؤتمر استانا للتشاور حول الوضع في سوريا، واذا كان لبنان الرسمي قد بَدا مستجيباً لتلبية الدعوة، الّا انّ مصادر معنية بالملف السوري، اكدت ان ما يعني لبنان من هذا المؤتمر، هو ملف النازحين السوريين ومساعدته على إعادتهم الى بلادهم.
وسألت المصادر عن الموقف الاميركي من هذا المؤتمر، وما اذا كانت واشنطن راضية على التحرّك الروسي في هذه المرحلة، خصوصاً انه يتواكب مع استعدادات روسية ميدانية في الشمال السوري. وقالت: انّ حضور لبنان في استانا، إن حصل، لن يكون فاعلاً وأقصى من يمكن ان يقدمه هو اعادة اثارة موضوع العبء الكبير الذي يشكله النازحون عليه، الّا انّ قرار العودة ليس بيده، كما هو ليس بيد اطراف استانا.
أين المبادرة الروسية
واوضحت المصادر انّ الروس يتحدثون عن المبادرة الروسية، وكأنها السبيل الأوحد لإعادة النازحين، علماً انّ هذه المبادرة وباعتراف الروس أنفسهم متعثرة، وتنفيذها يتطلب التمويل الذي لم يتأمن، اضافة الى انّ التحفظ الاميركي على المبادرة، وعدم التجاوب معها، يضعفها اكثر، وخصوصاً انّ واشنطن ومعها المجتمع الدولي في المحور الآخر، باتا يربطان إعادة النازحين السوريين بالحل السياسي النهائي للأزمة السورية، ما يعني انّ بقاء السوريين في لبنان مستمر الى مدى طويل، مع ما يترتب عليه من إشكالات في لبنان ربطاً بالنازحين وعلاقتهم باللبنانيين.
الّا انّ اللافت للانتباه، هو انّ المعنيين بملف النازحين في لبنان يؤكدون استمرار مقاربتهم لهذا الملف وفق خطة العودة التي قررها لبنان بالتنسيق مع الجانب السوري، والتي تتولى تنفيذها المديرية العامة للأمن العام. حيث يجري التحضير لدفعة جديدة من العائدين ستنطلق من لبنان الى سوريا في وقت قريب.
الراغبون بالعودة يتناقصون
لكن تَكشّف في الفترة الأخيرة تراجع ملحوظ في تسجيل اعداد السوريين الراغبين في العودة الى سوريا، وهو ما كشفه لـ”الجمهورية” مسؤول ملف النازحين في “حزب الله” النائب السابق نوار الساحلي، الذي قال: نحن ما زلنا مستمرين في عملنا منذ 10 اشهر، ولدينا 11 مكتباً اقليمياً في كل الاراضي اللبنانية تستقبل طلبات النازحين الذين يريدون العودة، ولا شك انّ العدد تقلّص كثيراً نتيجة العام الدراسي ونأمل ان يزداد العدد بعد انتهائه، خصوصاً انّ هناك حوافز للعودة من الحكومة السورية، ولاسيما موضوع تأجيل خدمة العلم وإيجاد مكان لائق للنازحين حيث اكد الرئيس الاسد انه لن يقبل ان يكون هناك اي نازح في خيمة.
اضاف الساحلي: ومع ترحيبنا بالمبادرة الروسية، الّا ان هذا لا يمنع ان يكون هناك تواصل مباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية، وسبق ان قلنا انّ هناك وزيراً معنياً بهذا الملف، فليكلّف رسمياً.
الحكومة… والتفعيل
على الصعيد الحكومي، الانشعال السياسي العام الذي انحصر في الايام الاخيرة في مواكبة ما استجد حول التسوية السياسية الرئاسية بين “التيار الوطني الحر”، لم يحجب الصورة عن ازمة اخرى على مقربة منها، تتجلى في الشكوى المتصاعدة على اكثر من مستوى سياسي من تراجع الحضور الحكومي في هذه المرحلة، والبطء الشديد الذي يطغى على العمل الحكومي بشكل عام، وعلى نحو يبدو انّ الحكومة غير موجودة، وخصوصاً في مواجهة الملفات التي تتراكم على غير صعيد.
واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يصرّ على الغمز بكلام مباشر او غير مباشر من قناة التباطؤ الحكومي وتراجع الانتاجية المطلوبة بأعلى مستوياتها في هذه المرحلة، فقد لاقاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستغرباً ما سمّاه البطء غير المبرر في عمل الحكومة، والذي لا تنفع معه تبريرات بعض وزراء الحكومة بأنّ مرد هذا البطء هو الحجم الكبير للمشكلات الكبيرة المتراكمة في طريق الحكومة، والتي تتناقض مواقف الاطراف السياسية حيالها حيث من شأن هذه التباينات ان تؤدي الى نوع من البطء. علماً انه يجب الّا نستخف بما قامت به الحكومة باتخاذها مجموعة قرارات وخطوات مهمة، ولاسيما موضوع إنجاز موازنة العام 2019، اضافة الى خطة الكهرباء وغيرها، فكل هذه الامور ليست سهلة.
بري: إنزعوا الثقة
واللافت هنا، الانتقادات التي وجّهها بري للمنحى الحكومي، قائلا امام زواره: ما هو مستغرب هو هذا البطء المريع في عمل الحكومة، وجلسة مجلس الوزراء (التي عقدت امس الاول) هي الاولى منذ نحو شهر، فهل هذا يجوز؟
وأكد بري “انّ طريقة السلحفاة لا تجدي نفعاً ولا جدوى منها، ولطالما حذّرت من اعتماد هذه الطريقة”، لافتاً الى انّ “موضوع التعيينات الادارية وملء المواقع الوظيفية الشاغرة يجب ان يوضع على النار، وأنا من جهتي بادرتُ الى اثارة موضوع تعيين اعضاء المجلس الدستوري، وانتخاب حصة مجلس النواب في المجلس الدستوري، وذلك من اجل التسريع في ملف التعيينات، مع التأكيد انني مع اعتماد الآلية التي تم التوافق عليها منذ فترة طويلة في هذا التعيين”.
واشار بري الى انه يتفق مع رئيس الجمهورية في تخوّفه من الوضع الاقتصادي، وقال: هذا الموضوع يتطلب من الحكومة ان تبادر وبلا اي إبطاء الى اعلان حالة طوارىء للتصدي الى هذا الوضع ودرس سبل مواجهة مخاطره.
ورأى بري انه لم يعد من الجائز ابقاء مجموعة من القوانين النافذة معطّلة بعدم إصدار مراسيمها التطبيقية، لافتاً الى انّ هذا الامر سيكون محل متابعة من قبل مجلس النواب، لا بل ستكون هناك ورشة كبرى حول هذا الأمر في المجلس.
وكشف بري انه بصدد التحضير لجلسة نيابية مخصصة بالمخالفات التي تمّت من خلال التعيينات العشوائية التي جرت خلافاً للقانون، لآلاف التوظيفات في بعض المؤسسات، وقال: ليس ما يمنع ابداً ان تطرح الثقة بوزير مخالف وتُنزع منه، وكذلك المحاسبة بشكل رادع لأي مسؤول في ادارة او مدير عام خالف القانون.
التضامن الوزاري
الى ذلك، وفيما توقعت مصادر وزارية ان ينسحب إنعاش التسوية السياسية بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، على وضع الحكومة، قال مرجع سياسي لـ”الجمهورية” انّ وضع الحكومة لا تحسد عليه جرّاء التباينات الحادة بين مكوناتها، واذا كان لقاء الخمس ساعات بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل قد أوحى بأنّ الجسور عادت وفتحت بين الجانبين وتحت مظلة التسوية السياسية المشتركة بينهما، ففي تجربتنا اللبنانية لا يمكن القول انّ الامور ثابتة بشكل نهائي، فالتسوية منذ انعقادها بَدت انها صلبة لا تمس، لكنها سرعان ما تعرضت للتشظي، والآن بعد لقاء الحريري – باسيل يمكن القول انّ التسوية دخلت في هدنة، ولا نعرف كم سيستمر وقف إطلاق النار، ويمكن ان نشهد تبدلاً في هذا الوضع عندما يطرح موضوع التعيينات على بساط البحث الجدي. يعني انّ الاختبار الحقيقي للتسوية هو عندما يطرح ملف التعيينات.
واذ اكدت اوساط رئيس الحكومة لـ”الجمهورية” ان “تفعيل العمل الحكومي في هذه المرحلة هو الهدف الاساس للرئيس الحريري، وصولاً الى معالجة كل الملفات التي تمكّن لبنان من الخروج من أزمته والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعانيه”، اكدت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ المهمة الاساس امام الحكومة، ورئيسها على وجه الخصوص، هي استعادة التضامن بين الوزراء، الذي فقد في الآونة الاخيرة، وهو الشرط الاساس ليس فقط لاستمرار الحكومة واستعادة ثقة اللبنانيين بها، بل لاستعادة ثقة المؤسسات الدولية بها وبتوجهها، علماً انّ بعض المؤسسات الدولية بدأت تثير شكوكاً حول الحكومة وقدرتها على العمل الجدي ومعالجة المشكلات، وخصوصاً التعهدات التي أطلقتها في مؤتمر سيدر، والاصلاحات التي تعهدت بها، والتي لم تدخل اي منها حيّز التطبيق والايفاء بها.
“القوات”
الى ذلك، دعت “القوات اللبنانية” الى وقف المزايدات التي ليس من شأنها سوى مفاقمة التباينات والخلافات في وجهات النظر.
وغمزت مصادر “القوات” من قناة “التيار الوطني الحر” ورئيسه، وقالت لـ”الجمهورية”: هذا النمط من التعاطي السياسي القائم على المواجهات المتنقلة إن بالتحامل على القوى السياسية، او بمقاربة الملفات بطريقة استفزازية، سيؤدي حتماً إلى تجميد الحياة السياسية وفرملة الإنتاجية والغرق في متاهة خلافات مفتعلة لأسباب شعبوية، وتيئيس الناس من الوضع القائم، فلا الوضع الاقتصادي بخير، ولا الحكومة قادرة على تحقيق الانفراجات المطلوبة لأنّ فريقاً مصرّ على مواجهة طواحين الهواء ليقول انه موجود.
المصدر: الجمهورية