مجلة وفاء wafaamagazine
– تراوح سعر الدولار ما بين 4400 و4600 ليلا
– حزب المصارف لديه الأغلبية وهو قادر على فرض مشيئته إن كان الحل داخلياً
– صندوق النقد يحمّل المصارف ومصرف لبنان مسؤولية الخسائر القطاع المالي
الأخبار: عقد اجتماع مالي مسائي في السراي، ظهرت فيه ملامح توافق على حل يقترحه رياض سلامة والمصارف للأزمة المالية، يأخذ من برنامج صندوق النقد الدولي سيّئاته، ويُسقِط من خطة الحكومة حسناتها، مع الاستمرار في السياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار.
في كل مرة تطرح اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة شعبياً وعلى طاولة مجلس الوزراء، يحضر التوافق على سحب الموضوع من التداول، وإغداق الوعود بتثبيت سعر صرف الدولار وخفضه. كأن المشكلة مع المؤتمن على السياسة النقدية في البلد تنحصر بارتفاع سعر الصرف الجنوني دون غيره من الخطايا المرتكبة طيلة سنوات.
هكذا، جرى يوم الجمعة الماضي، على وقع الاحتجاجات الشعبية نتيجة ارتفاع الدولار الى نحو 6 آلاف ليرة. استنفر «حزب المصرف» للدفاع عن سلامة الذي تعهد بضخ دولارات في السوق تصل الى 30 مليون دولار خلال هذا الأسبوع. لكن في اليوم الأول لهذا الضخ المفترض، لا الدولار انخفض الى ما دون الـ4 آلاف ليرة بل تراوح سعره ما بين 4400 و4600 ليلا، ولا اللبنانيون شعروا بتأثير دولارات سلامة في السوق بحيث استمر التجار في بيع السلع على أساس سعر صرف يوازي 4200 ليرة للدولار.
فكانت النتيجة مزيداً من الاجتماعات المالية والأمنية والقضائية والسياسية في السراي الحكومي، لا لمساءلة الحاكم والمصارف والصرافين ومن يدور في فلكهم، بل لإعلان الخضوع لسلامة وجمعية المصارف. فرسمياً، أدخلت الحكومة جمعية المصارف الى دائرة القرار للنقاش في توزيع الخسائر الناتجة عن السياسات المالية والنقدية السابقة.
يريد أصحاب المصارف إبعاد كأس شطب الرساميل عنهم نهائياً
أخطر ما في الاجتماع المالي المسائي الذي عقده رئيس الحكومة حسان دياب في السراي أمس، بحضور وزراء الدفاع والمال والبيئة، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمدير العام لوزارة المال ألان بيفاني، والمستشار الرئاسي شربل قرداحي، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، يكمن في بروز «شبه توافق» على الأخذ بوجهة نظر سلامة والمصارف من ناحية عدم شطب الدين الداخلي أو إعادة هيكلته، بل اعادة جدولته، ما يعني استمرار اللبنانيين في دفع الضرائب لخدمة الدين العام الى ما لا نهاية، من منطلق «حق» المصارف في تكوين الجزء الأكبر من مداخيلها من المال العام، فيما بدأت بشائر الموافقة على خطة سلامة والمصرفيين بعد ان انقلبت الآية بالنسبة إليهم.
كل السعي إلى إقحام صندوق النقد في عملية الخروج من الأزمة المالية والنقدية، انقلب إلى سعي لإفشال الاتفاق مع الصندوق وابتكار «حلّ داخلي». فشروط صندوق النقد الأساسية تمر بتغيير السياسة النقدية وسياسة المالية العامة وانجاز الخصخصة التي يرى فيها سبيلاً وحيداً لتحقيق نمو اقتصادي وإعادة تحسين وضع المالية.
ويركز الصندوق على مسألة التقشف وخفض حجم القطاع العام، على أن يترافق مع مجموعة شروط سياسية لم يعلن عنها بعد. لكن في حسابات مصرف لبنان والمصارف، برنامج الصندوق يمسّ بأموالهم ويحمّلهم مسؤوليتهم عن الخسائر المسجلة في القطاع المالي.
اما برنامج سلامة – المصارف والائتلاف السياسي الداعم لهم، فيريد كل سيئات برنامج صندوق النقد، مع الاستمرار في السياسات ذاتها التي أوصلت البلد إلى الانهيار. حزب المصارف لديه الأغلبية، وهو قادر على فرض مشيئته إن كان الحل داخلياً.
هذا يعني بلغة المصارف التخلص من عبء إلزامها بالمساهمة في إطفاء الخسائر. فصندوق النقد أبلغ سلامة أكثر من مرة عدم امكانية الاستمرار في السياسات النقدية نفسها، ويحمّل المصارف ومصرف لبنان مسؤولية الخسائر الواقعة في القطاع المالي. الخسائر من منظار الصندوق تفوق حتى ما تتضمنه الخطة الحكومية، وتتجاوز عتبة الـ103 مليارات دولار. تلك المقاربة لا تناسب المصارف التي تقدم أرقاماً مخفضة، ولا تريد أي مس برساميلها لإطفاء جزء من الخسائر، بل تتبنى حصراً طرح الصندوق لجهة التقشف وخفض حجم القطاع العام، والخصخصة بدافع سدّ خسائر القطاع المالي من أملاك اللبنانيين العامة.
يطالب سلامة الحكومة بالاعتراف بالديون التي سجّلها على الدولة
أما الخطة البديلة للفريق السياسي والمالي لمصرف لبنان والمصارف، والتي ظهرت ملامحها سابقاً وجرى تكرارها في اجتماع السراي أمس، فتعتمد على إعادة هيكلة الدين الخارجي، وإعادة جدولة الدين الداخلي، أي إطالة أمده مع تعديل في الفوائد، وإلزام اللبنانيين بدفع ضريبة مؤبدة للاستمرار في تسديد خدمة الدين هذه إلى المصارف.
وتشير الخطة الى ضرورة اعتراف الدولة اللبنانية بديونها لصالح مصرف لبنان بالدولار. ليس الحديث هنا عن سندات اليوروبوندز، بل عن حساب اخترعه سلامة ويعمد الى تسجيل كل الأموال المسددة له من الدولة بالليرة اللبنانية ليتولى هو دفعها بالدولار. عملياً، وبلغة أوضح، لما كانت الدولة تشتري الدولارات من مصرف لبنان وتسدد ثمنها بالليرة، كان سلامة يسجلها على أنها دين على الدولة بالعملة الأجنبية. يريد للدولة أن تعترف بهذا الدين الذي سبق أن سدّدته!
من جهة أخرى، تطرح الخطة إنشاء صندوق سيادي لوضع أصول الدولة فيه من أجل استخدام عائداته ونتائج فوائد استثمارها أو بيعها، لإطفاء خسائر القطاع المالي، وتحديداً الخسائر المترتبة على مصرف لبنان والمصارف. أما ودائع اللبنانيين المحتجزة، فتسدد بالعملة اللبنانية، وبحسب سعر صرف يتحدد لاحقاً، ما يعني عمليا الطلب الى المودعين اعتبار أموالهم المودعة بالدولار وكأنها لم تكن، وجرّهم الى خيار وحيد هو الحصول عليها بالليرة ووفق شروط المصرف المركزي وجمعية المصارف، الراغبين في إعفاء أنفسهم من مسؤولية الخسارة التي شاركوا في تسجيلها… وطبعاً إبعاد كأس شطب الرساميل عنهم نهائياً، ما يعني أيضاً أن لا «هيركات» على أصحاب الـ1% من رؤوس الأموال، وأن أحداً لا يملك توجّهاً بشأن إصلاح الموازنة العامة للدولة.