مجلة وفاء wafaamagazine
النقاش الذي أفضت إليه جائحة «كورونا» أوروبياً، كان بمثابة حملٍ ثقيل على الدول الأعضاء، المتضرّرة منها والقيادية أيضاً. الأولى فكّرت في كيفية التحرّر من هذه المنظومة، التي غابت في وقت الشدّة، والثانية لا تزال إلى الآن تنظر في كيفية الحفاظ على التكتّل، بينما يركّز الكثير من الخبراء على ضرورة الخروج بشكل جديد أكثر صلابة
في خضمّ المواجهة مع فيروس «كورونا»، ولاحقاً خلال بداية تخفيف العديد من الدول الأوروبية من إجراءات التباعد الاجتماعي، طُرح سؤال جوهري: هل من المحتمل أن يغيّر هذا الوباء وجه أوروبا؟ فرضيةٌ نتجت من واقع أنّ أزمة «كورونا» كشفت عن نقاط ضعف كبيرة لدى الاقتصادات الأوروبية، الأمر الذي تفرّعت منه تساؤلات كثيرة عن مدى شرعية واستمرارية النموذج الاقتصادي والسياسي القائم. وهو، بالتالي، ما دفع الكثير من الخبراء إلى التكهّن بأنّ المشهد السياسي الأوروبي، في فترة ما بعد «كورونا»، قد يتميّز بمطالبات بعقدٍ اجتماعي واقتصادي جديد، قوامه دفع الحكومات للقيام بالمزيد من أجل المواطن، ومن أجل تحصين نفسها واقتصاداتها، في وجه الصدمات الخارجية المستقبلية.
بالنسبة إلى البعض، منَحَ «كورونا» أوروبا فرصة فريدة من نوعها، من أجل تقييم كفاءتها، على مختلف المستويات، فكان أن تمحور جزءٌ من النقاش حول أيّ نوعٍ من اتحادٍ أوروبي جديد يجب أن يولد. وبينما من المستحيل توقّع الشكل الذي سيكون عليه التكتّل، لكنّ ذلك لا يلغي تبلوره عبر ما أدّت إليه الأزمة من دور أكبر للدولة في الاقتصاد، على الأقل. شكلٌ أجمع عليه العديد من الخبراء، على اعتبار أنّ «كورونا»، وكيفية التعامل معه، أكّدا قوة الدولة، وأثبتا دورها المركزي في تأمين العناية الصحية والمساعدة الاقتصادية الضرورية. بمعنى آخر، كشفت الأزمة أنّ الدولة هي الضامن الأساسي للاقتصاد، كما فتحت المجال أمام رؤية الخيارات المتاحة في حال تدخّلها.
في هذا الحيّز من المسألة، يعكف الكثير من المتخصّصين على المقارنة مع الأزمة المالية العالمية، عامَي 2008 ـــــ 2009. حينها، لجأت العديد من الدول الأوروبية إلى التخفيضات في الإنفاق العام، من أجل معالجة العجز في الموازنة وارتفاع مستويات الدين العام، والذي كان من أسبابه التحفيز المالي رداً على الأزمة. ولكن التأثير السياسي لأزمة «كورونا» يفيد بأنّ مقاربة مشابهة غير ممكنة حالياً. فبحسب معهد «تشاثام» البريطاني، قد تتّبع الحكومات سياسة ضريبية مختلفة، وأكثر تخصّصاً، أي أنّها قد تفرض ضرائب على الثراء، بهدف تصحيح التوازن بين رأس المال والعمّال، ومعالجة المشكلة الأكبر المتمثّلة بعدم المساواة. صحيح أنّ التوترات بسبب هذه المسألة كانت موجودة قبل «كورونا»، ولكنّها تفاقمت، بشكل خاص، في ظلّ تعرّض قطاعات مثل السياحة لخسائر كبيرة. يبقى الأهم من كلّ ذلك، وفق «تشاثام» وغيره، هو أنّ دور الحكومة لن يقتصر على هذا الحد، بل إنها قد تعتمد نهجاً جديداً، وأكثر نشاطاً، في السياسة الصناعية، عبر زيادة إدارة الدولة للقطاع، والتخطيط الاقتصادي.
عموماً، الجدل لن يكون متمحوراً حول دور الحكومة من عدمه فقط، فالعوائق كثيرة أمام تطبيق أي خطط إنعاش جماعية، أو فردية، وأساسها منطقة اليورو، التي تعدّ العنصر الأكثر ضعفاً ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، والأكثر إثارة للجدل، منذ تفشي الجائحة. ففي حين غيّرت ألمانيا موقفها لمصلحة دعم التحويلات لمرة واحدة من الشمال إلى الجنوب، عبر آلية صندوق الإنعاش، ظهر خطّ الصدع ـــــ تقريباً بين الشمال والجنوب ــــــ الذي ميّز أزمة اليورو، منذ عام 2010، بشكل أوسع هذه المرة. بل أكثر من ذلك، يمكن القول إنّ التكلفة البشرية، وحجم الركود الاقتصادي المتوقّع، جاءا ليمثّلا تحدياً أساسياً للوحدة الأوروبية. وقد تجلّى ذلك في إيطاليا، حيث شعر كثيرون بالخيانة من قبل الاتحاد الأوروبي. في تلك الفترة، اشتعل النقاش السياسي الحقيقي في منطقة اليورو، عندما طُرحت أسئلة بشأن كيفية تمويل الرد على الأزمة. وبعد أسابيع عدّة من المفاوضات الحامية، جرى التوصل إلى حزمة تسوية تضمّنت قروضاً منخفضة الفوائد لأي دولة عضو تطلبها، وتوسُّعاً غير محدّد في موازنة الاتحاد الأوروبي لتمويل الاستثمار أثناء فترة الانتعاش. ولكن هذه الإجراءات، على رمزيتها، لا تزال بعيدة عن مفهوم التضامن الذي تطالب به العديد من الدول الأوروبية، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً على جدل كبير.
في هذا الحيّز من المسألة، يعكف الكثير من المتخصّصين على المقارنة مع الأزمة المالية العالمية، عامَي 2008 ـــــ 2009. حينها، لجأت العديد من الدول الأوروبية إلى التخفيضات في الإنفاق العام، من أجل معالجة العجز في الموازنة وارتفاع مستويات الدين العام، والذي كان من أسبابه التحفيز المالي رداً على الأزمة. ولكن التأثير السياسي لأزمة «كورونا» يفيد بأنّ مقاربة مشابهة غير ممكنة حالياً. فبحسب معهد «تشاثام» البريطاني، قد تتّبع الحكومات سياسة ضريبية مختلفة، وأكثر تخصّصاً، أي أنّها قد تفرض ضرائب على الثراء، بهدف تصحيح التوازن بين رأس المال والعمّال، ومعالجة المشكلة الأكبر المتمثّلة بعدم المساواة. صحيح أنّ التوترات بسبب هذه المسألة كانت موجودة قبل «كورونا»، ولكنّها تفاقمت، بشكل خاص، في ظلّ تعرّض قطاعات مثل السياحة لخسائر كبيرة. يبقى الأهم من كلّ ذلك، وفق «تشاثام» وغيره، هو أنّ دور الحكومة لن يقتصر على هذا الحد، بل إنها قد تعتمد نهجاً جديداً، وأكثر نشاطاً، في السياسة الصناعية، عبر زيادة إدارة الدولة للقطاع، والتخطيط الاقتصادي.
عموماً، الجدل لن يكون متمحوراً حول دور الحكومة من عدمه فقط، فالعوائق كثيرة أمام تطبيق أي خطط إنعاش جماعية، أو فردية، وأساسها منطقة اليورو، التي تعدّ العنصر الأكثر ضعفاً ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، والأكثر إثارة للجدل، منذ تفشي الجائحة. ففي حين غيّرت ألمانيا موقفها لمصلحة دعم التحويلات لمرة واحدة من الشمال إلى الجنوب، عبر آلية صندوق الإنعاش، ظهر خطّ الصدع ـــــ تقريباً بين الشمال والجنوب ــــــ الذي ميّز أزمة اليورو، منذ عام 2010، بشكل أوسع هذه المرة. بل أكثر من ذلك، يمكن القول إنّ التكلفة البشرية، وحجم الركود الاقتصادي المتوقّع، جاءا ليمثّلا تحدياً أساسياً للوحدة الأوروبية. وقد تجلّى ذلك في إيطاليا، حيث شعر كثيرون بالخيانة من قبل الاتحاد الأوروبي. في تلك الفترة، اشتعل النقاش السياسي الحقيقي في منطقة اليورو، عندما طُرحت أسئلة بشأن كيفية تمويل الرد على الأزمة. وبعد أسابيع عدّة من المفاوضات الحامية، جرى التوصل إلى حزمة تسوية تضمّنت قروضاً منخفضة الفوائد لأي دولة عضو تطلبها، وتوسُّعاً غير محدّد في موازنة الاتحاد الأوروبي لتمويل الاستثمار أثناء فترة الانتعاش. ولكن هذه الإجراءات، على رمزيتها، لا تزال بعيدة عن مفهوم التضامن الذي تطالب به العديد من الدول الأوروبية، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً على جدل كبير.
وزير الاقتصاد: «ألمانيا القاطرة الاقتصادية التي ستسحب أوروبا والعالم من أزمة كورونا»
بناءً عليه، فإنّ هذا النقص في التكامل المالي، وما ينتج عنه من نقصٍ في مساحة المناورة للدول الأعضاء الضعيفة مالياً، لهما العديد من العواقب المحتملة على منطقة اليورو، في الفترة المقبلة. أوّلاً، يعني ذلك أنّ الدول مثل إيطاليا واليونان ستنمو وتشفى من الأزمة، بشكل أبطأ من تلك مثل ألمانيا، التي يمكنها أن تتكفّل تأمين المزيد من المساعدات الحكومية المؤقتة. ثانياً، يعني ذلك أيضاً أن الاقتصادات الأكثر ضعفاً مالياً، ستكون لديها قدرة أقلّ على دعم الاستثمار، بالطريقة التي قد يطالب بها المواطن، بعد الأزمة. بمعنى آخر، فإنّ الركود المطوّل في هذه البلدان، إلى جانب رؤية الاقتصادات الأوروبية الأخرى التي تحقّق أداءً أفضل نسبياً، والشعور بأنّ استجابة الاتحاد الأوروبي ناقصة، يمكن أن تعزّز المطالب الشعبية بترك العملة الموحّدة ــــــ وخصوصاً في إيطاليا ـــــ كما يمكن أن تخلق مخاطر سياسية أوسع للاتحاد.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ يمكن للتحوّل في النموذج السياسي، باتجاه تدخّل أكبر من قبل عدد من الحكومات، أن يتعارض مع متطلّبات العضوية في السوق الموحّدة. وفي هذا المجال، يشير «تشاثام» إلى احتمال أن تتأثر الحريات الأربع التي تؤطّر السوق الموحّدة، وهي: حرية تحرّك البضائع، رأس المال، الخدمات والأشخاص. والمثال الأقرب، إمكانية تأثّر حركة البضائع بمحاولات زيادة الأولوية الوطنية، الأمر الذي حصل، بالفعل، في وقت مبكر من أزمة «كورونا»، عندما طبّقت دول أعضاء ضوابط التصدير على المعدّات الطبية.
وسط كلّ ما تقدّم، تبقى ألمانيا، اللاعب الأقوى في هذه المعادلة، ولكنّها مثل غالبية جيرانها، تأثّرت بحالة الطوارئ العالمية التي تركت أثراً مدمّراً. فهي تواجه أسوأ ركود في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بفعل ارتفاع معدّل البطالة وانهيار الصادرات والإنتاج الصناعي. إلّا أنّ تجربة العديد من شركاتها تفيد بإمكانية تعافي اقتصاد هذه البلاد، أسرع بكثير من جيرانها. وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، لخّص الثقة الحذرة في برلين، بالقول: «نرى اتجاهاً إيجابياً واضحاً في مزاج الناس»، مشيراً إلى الاستثمارات التي لا تزال متوقّعة هذه السنة، إضافة إلى التحفيز الذي قدّمته الحكومة. وهو يذهب أبعد من ذلك، مستشرفاً بأنّ بلاده ستكون «القاطرة الاقتصادية»، التي ستسحب أوروبا والعالم من أزمة فيروس «كورونا».
ربّما يبني ألتماير إيجابيته هذه على توقّعات مستقبلية تبدو أقلّ «كآبة» ممّا كانت عليه قبل أشهر. لكنّ آفاق ألمانيا ليست مشجّعة للغاية على المدى الطويل. فبالنسبة إلى بعض الاقتصاديين، يخفي اعتمادها الكبير على الصادرات فخّاً محتملاً: يمكن لعالم ما بعد «كورونا» أن يثبت عداءه للاقتصادات المنفتحة التي تعتمد على التجارة الحرّة، وسلاسل التوريد الدولية، والمؤسسات المتعدّدة الأطراف، وذلك وسط ردّ فعل متصاعد ضد العولمة. «النمو الألماني بين عامَي 2010 و2019 كان ناتجاً بشكل كبير عن التجارة الخارجية، ولكن لن ترى ذلك في السنوات المقبلة»، على ما يقوله رئيس معهد «كييل» للاقتصاد العالمي، غابرييل فيلبرماير، لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.
بنحوٍ أكثر تفصيلاً، تشير هذه الصحيفة إلى أنّ صعود الصين، وطلبها الذي لا ينضب على السيارات والآلات الألمانية، يُعدّان أحد المحرّكات الكبيرة للازدهار الاقتصادي الألماني، الذي دام 10 سنوات، أي الأطول في تاريخها بعد الحرب. إلّا أنّ العقبة الحالية تتمثّل في أنّ الاقتصاد الصيني انكمش، للمرة الأولى خلال الربع الأول من العام، و«الآن، هناك شكوك حول ما إذا كان سينمو في عام 2020»، وفق فلبرماير.
انطلاقاً من التجربة الألمانية، يمكن القول إن أزمة فيروس «كورونا»، أدّت، بالفعل، إلى تعزيز دور الدولة كحامية وواضعة لاستراتيجيات وطنية. وهو ما عبّر عنه الاقتصادي كريستيان سان ــــ إتيان، خلال مشاركته في لقاءات «آيكس أن سين»، في باريس، إذ قال إنّ «الإنفاق العام ومسألة فعّالية الدولة باعتبارها دولة سيادية ودولة راعية وواضعة استراتيجية، (سيكونان) المسألة المركزية في الأعوام المقبلة».
لكن على المستوى السياسي الأوروبي ككلّ رأى، هو وغيره من الخبراء، أنّ هذه الأزمة قد تخوّل الاتحاد الأوروبي اكتساب قدرات دولة فدرالية، بناءً على أنّ دوله ومؤسّساته المشتركة أدركت خطر تفكّك التكتّل، وتحرّكت لتعزيزه. وهو ما قدّر المصرفيّ جان ــــــ لوي غيرودول من بنك «لازار»، حصوله، عند إشارته إلى أنّه عند إقرار خطة التعافي التي تبلغ قيمتها 750 مليار يورو، «سوف نستذكر هذه اللحظة ربما باعتبارها بداية لأوروبا فدرالية».
أساساً، يجب على الدول الأوروبية الاتفاق على تفاصيل هذه الحزمة، الأمر الذي يبدو صعباً جداً إلى الآن. فبينما تقترح المفوضية أن يجري توزيع المال على شكل هبات، تعارضها مجموعة من الدول الأعضاء ــــــ وهي النمسا وهولندا والسويد والدنمارك ــــــ التي تفضّل تقديمها على شكل قروض. بالمختصر، إن توصّلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، في الـ17 من الشهر الحالي، فذلك سيكون بمثابة إغاثة مرحّب بها من قبل دولٍ مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان، التي تعتمد، أكثر من غيرها، على السياحة، والتي تضرّرت بشكل خاص من تداعيات فيروس «كورونا». ولكن الأبلغ تعبيراً، والأكثر غموضاً، هو أنّ هذا «الإنعاش سيمثّل فصلاً جديداً في تاريخنا، نفساً جديداً، دفعاً جديداً، وحدة أوروبية جديدة»، بحسب ما جاء على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين.
لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ يمكن للتحوّل في النموذج السياسي، باتجاه تدخّل أكبر من قبل عدد من الحكومات، أن يتعارض مع متطلّبات العضوية في السوق الموحّدة. وفي هذا المجال، يشير «تشاثام» إلى احتمال أن تتأثر الحريات الأربع التي تؤطّر السوق الموحّدة، وهي: حرية تحرّك البضائع، رأس المال، الخدمات والأشخاص. والمثال الأقرب، إمكانية تأثّر حركة البضائع بمحاولات زيادة الأولوية الوطنية، الأمر الذي حصل، بالفعل، في وقت مبكر من أزمة «كورونا»، عندما طبّقت دول أعضاء ضوابط التصدير على المعدّات الطبية.
وسط كلّ ما تقدّم، تبقى ألمانيا، اللاعب الأقوى في هذه المعادلة، ولكنّها مثل غالبية جيرانها، تأثّرت بحالة الطوارئ العالمية التي تركت أثراً مدمّراً. فهي تواجه أسوأ ركود في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، بفعل ارتفاع معدّل البطالة وانهيار الصادرات والإنتاج الصناعي. إلّا أنّ تجربة العديد من شركاتها تفيد بإمكانية تعافي اقتصاد هذه البلاد، أسرع بكثير من جيرانها. وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير، لخّص الثقة الحذرة في برلين، بالقول: «نرى اتجاهاً إيجابياً واضحاً في مزاج الناس»، مشيراً إلى الاستثمارات التي لا تزال متوقّعة هذه السنة، إضافة إلى التحفيز الذي قدّمته الحكومة. وهو يذهب أبعد من ذلك، مستشرفاً بأنّ بلاده ستكون «القاطرة الاقتصادية»، التي ستسحب أوروبا والعالم من أزمة فيروس «كورونا».
ربّما يبني ألتماير إيجابيته هذه على توقّعات مستقبلية تبدو أقلّ «كآبة» ممّا كانت عليه قبل أشهر. لكنّ آفاق ألمانيا ليست مشجّعة للغاية على المدى الطويل. فبالنسبة إلى بعض الاقتصاديين، يخفي اعتمادها الكبير على الصادرات فخّاً محتملاً: يمكن لعالم ما بعد «كورونا» أن يثبت عداءه للاقتصادات المنفتحة التي تعتمد على التجارة الحرّة، وسلاسل التوريد الدولية، والمؤسسات المتعدّدة الأطراف، وذلك وسط ردّ فعل متصاعد ضد العولمة. «النمو الألماني بين عامَي 2010 و2019 كان ناتجاً بشكل كبير عن التجارة الخارجية، ولكن لن ترى ذلك في السنوات المقبلة»، على ما يقوله رئيس معهد «كييل» للاقتصاد العالمي، غابرييل فيلبرماير، لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.
بنحوٍ أكثر تفصيلاً، تشير هذه الصحيفة إلى أنّ صعود الصين، وطلبها الذي لا ينضب على السيارات والآلات الألمانية، يُعدّان أحد المحرّكات الكبيرة للازدهار الاقتصادي الألماني، الذي دام 10 سنوات، أي الأطول في تاريخها بعد الحرب. إلّا أنّ العقبة الحالية تتمثّل في أنّ الاقتصاد الصيني انكمش، للمرة الأولى خلال الربع الأول من العام، و«الآن، هناك شكوك حول ما إذا كان سينمو في عام 2020»، وفق فلبرماير.
انطلاقاً من التجربة الألمانية، يمكن القول إن أزمة فيروس «كورونا»، أدّت، بالفعل، إلى تعزيز دور الدولة كحامية وواضعة لاستراتيجيات وطنية. وهو ما عبّر عنه الاقتصادي كريستيان سان ــــ إتيان، خلال مشاركته في لقاءات «آيكس أن سين»، في باريس، إذ قال إنّ «الإنفاق العام ومسألة فعّالية الدولة باعتبارها دولة سيادية ودولة راعية وواضعة استراتيجية، (سيكونان) المسألة المركزية في الأعوام المقبلة».
لكن على المستوى السياسي الأوروبي ككلّ رأى، هو وغيره من الخبراء، أنّ هذه الأزمة قد تخوّل الاتحاد الأوروبي اكتساب قدرات دولة فدرالية، بناءً على أنّ دوله ومؤسّساته المشتركة أدركت خطر تفكّك التكتّل، وتحرّكت لتعزيزه. وهو ما قدّر المصرفيّ جان ــــــ لوي غيرودول من بنك «لازار»، حصوله، عند إشارته إلى أنّه عند إقرار خطة التعافي التي تبلغ قيمتها 750 مليار يورو، «سوف نستذكر هذه اللحظة ربما باعتبارها بداية لأوروبا فدرالية».
أساساً، يجب على الدول الأوروبية الاتفاق على تفاصيل هذه الحزمة، الأمر الذي يبدو صعباً جداً إلى الآن. فبينما تقترح المفوضية أن يجري توزيع المال على شكل هبات، تعارضها مجموعة من الدول الأعضاء ــــــ وهي النمسا وهولندا والسويد والدنمارك ــــــ التي تفضّل تقديمها على شكل قروض. بالمختصر، إن توصّلت دول الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق، في الـ17 من الشهر الحالي، فذلك سيكون بمثابة إغاثة مرحّب بها من قبل دولٍ مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان، التي تعتمد، أكثر من غيرها، على السياحة، والتي تضرّرت بشكل خاص من تداعيات فيروس «كورونا». ولكن الأبلغ تعبيراً، والأكثر غموضاً، هو أنّ هذا «الإنعاش سيمثّل فصلاً جديداً في تاريخنا، نفساً جديداً، دفعاً جديداً، وحدة أوروبية جديدة»، بحسب ما جاء على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين.
انكماشٌ بنسبة 8.3%
ظهرت أولى نتائج أزمة «كورونا» في الاقتصاد الذي سينكمش بشكل أكثر حدّة هذه السنة، وسيتطلّب وقتاً أطول ممّا كان متوقعاً للتعافي، الأمر الذي يخلق ضغوطاً أكبر على قادة الاتحاد الأوروبي، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على خطط حزمة الإنعاش الضخمة، التي يتفاوضون عليها. المفوضية الأوروبية كانت قد أعلنت، قبل أيام، أنّها تتوقّع أن ينكمش الاقتصاد الأوروبي بنسبة 8.3%، أي ما يُعدّ أسوأ من الـ7.4% التي كانت متوقّعة قبل شهرين. بل إنّ من المتوقّع أن يكون النمو، خلال العام المقبل، «أقلّ قليلاً» ممّا كان يُعتقد سابقاً، مع ارتفاع الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 5.8%. ففي إيطاليا، حيث بلغت أعداد الوفيات أرقاماً قياسية، من المتوقّع أن تشهد انكماشاً بنحو 11.2% هذه السنة، وهو أسوأ انخفاض في منطقة اليورو. كذلك، فإنّ اقتصادَي فرنسا وإسبانيا سينكمشان بحوالى 10%.
(الأخبار)
ظهرت أولى نتائج أزمة «كورونا» في الاقتصاد الذي سينكمش بشكل أكثر حدّة هذه السنة، وسيتطلّب وقتاً أطول ممّا كان متوقعاً للتعافي، الأمر الذي يخلق ضغوطاً أكبر على قادة الاتحاد الأوروبي، من أجل وضع اللمسات الأخيرة على خطط حزمة الإنعاش الضخمة، التي يتفاوضون عليها. المفوضية الأوروبية كانت قد أعلنت، قبل أيام، أنّها تتوقّع أن ينكمش الاقتصاد الأوروبي بنسبة 8.3%، أي ما يُعدّ أسوأ من الـ7.4% التي كانت متوقّعة قبل شهرين. بل إنّ من المتوقّع أن يكون النمو، خلال العام المقبل، «أقلّ قليلاً» ممّا كان يُعتقد سابقاً، مع ارتفاع الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة 5.8%. ففي إيطاليا، حيث بلغت أعداد الوفيات أرقاماً قياسية، من المتوقّع أن تشهد انكماشاً بنحو 11.2% هذه السنة، وهو أسوأ انخفاض في منطقة اليورو. كذلك، فإنّ اقتصادَي فرنسا وإسبانيا سينكمشان بحوالى 10%.
(الأخبار)