مجلة وفاء wafaamagazine
محمد وهبة
«ميزة» نادي الغولف عن غيره من المعتدين على الأملاك العامة أنه يجمع بين التعدي على العام والخاص، وأن غطاءه السياسي يتيح له «استئجار» أراضي الدولة بالمجان، والتهرب من الضرائب، والتحايل على القوانين، والتفلّت من الاتفاقات، من دون أن يخشى في كل ذلك «لومة لائم»!
يختنق سكان الغبيري في بلدتهم. أكثر من 200 ألف نسمة «يتكدّسون» في مساحة لا تتجاوز 5.5 كيلومترات، غالبيتها طرقات واسمنت. المساحة الخضراء الوحيدة في هذا النطاق تسيطر عليها حفنة من الأثرياء. أقلّ من 2400 شخص، غالبيتهم ليسوا من الغبيري ولا من سكّانها، يشغلون مساحة 410 آلاف متر مربع تحت مسمّى «نادي الغولف». حصّتهم من المساحات الخضراء في الغبيري، إذا احتسبنا عائلاتهم أيضاً، تفوق 40 متراً مربعاً للشخص، بينما حصّة كل فرد آخر من سكان البلدة لا تتعدّى 20 سنتيمتراً مربعاً فقط.
«أوليغارشيون» يتنعّمون بهذه المساحات الخضراء عندما يحلو لهم ذلك، بعدما وضعوا أيديهم على هذه المساحة بنفوذهم ومافياتهم. وإلا، كيف يمكن النادي أن «يستأجر»، من المديرية العامة للطيران المدني، 217 ألف متر مربع مقابل… ليرة واحدة سنوياً للمتر المربع الواحد. وعندما أصبحت الموازنة تصنّف المبالغ التي تقلّ عن 1000 ليرة بالـ«هالكة»، أي إنه يستحيل أن تكون قيمة العقد معها ليرة واحدة، رُفع الإيجار إلى… 1100 ليرة سنوياً، وبقي كذلك حتى نهاية 2017. يومها، طالبت بلدية الغبيري إدارة النادي بدفع مليار ليرة بدل رسوم متراكمة غراماتها، وردّ النادي بأنه «جمعية ذات منفعة عامة»(!)، أي إنه معفى من كل الضرائب. وعندما أخفق في إثبات أنه مشمول بمرسوم الجمعيات المصنّفة ذات منفعة عامة، سلك طريق البلطجة مع بلدية الغبيري التي أقدمت على حجز أملاكه وأصوله في تشرين الثاني 2016 بسبب تمنّعه عن تسديد الرسوم. ويروي أحد المطلعين على الملف أنه بسبب الضغط الناتج عن قرب انتهاء العقد، اضطرت إدارة النادي، برعاية محاميها الوزير السابق زياد بارود ووزير الشباب والرياضة السابق محمد فنيش، الى الاتفاق مع البلدية على تسديد رسم بلدي سنوي بقيمة 300 مليون ليرة.
الخدعة التي اعتمدها النادي كانت باستغلال هذا الاتفاق لتجديد عقده مع المديرية العامة للطيران المدني، وهو التجديد الذي كان يصعب الحصول عليه في ظل الخلافات مع البلدية. هكذا، سدّد النادي 300 مليون ليرة رسوماً بلدية عن سنة واحدة. وطلب، بالتوازي، من مجلس الوزراء – بواسطة وزارة الأشغال العامة والنقل – تجديد العقد. وهو ما حصل في كانون الثاني 2018، عندما أقرّ مجلس الوزراء تجديد العقد بذريعة أن النادي راكم بين 2010 و2017 خسائر بقيمة 1.5 مليون ليرة (!)، وأن لديه نيتا لإنفاق 4.5 مليارات ليرة لاستثمار الأرض وتطويرها. وهكذا، بحجج واهية، نالت «الطبقة الارستقراطية» تجديداً لمدّة سبع سنوات لاستثمار أراضي الطيران المدني بقيمة تأجيرية تصاعدية تبدأ بـ75 مليون ليرة سنوياً وتصل إلى 250 مليون ليرة بعد انتهاء السنوات السبع، أي إن إيجار المتر المربع الواحد يبدأ بـ 345 ليرة سنوياً ويصل الى 1152 ليرة في السنة الأخيرة!
وعندما استتبّت الأمور لإدارة النادي، انقلبت على الاتفاق مع البلدية، وعادت إلى نغمة الامتناع عن الدفع. هذه المرّة، كان الرفض أقوى بعدما عُين على رأس النادي كريم سليم سلام، وهو سليل عائلة إقطاعية، ولديه علاقات واسعة مع عائلات تمثّل «الأوليغارشية» المنتسبة إلى النادي. وهذا النوع من العلاقات هو ما سمح له بأن يعمل مديراً للتسويق في شركة الاتصالات المتنقلة (ليبانسيل) التي أدارتها لاحقاً شركة تديرها «تاتش». وعندما قرّرت بلدية الغبيري تنفيذ الحجز، جنّد سلام عمال النادي وموظفيه لمواجهة عناصر الشرطة البلدية. يومها، وردت تقارير أمنية إلى البلدية بأن «رجال سلام» يحملون أسلحة رشاشة وسكاكين. وسرعان ما دار سجال سياسي في المجلس البلدي أدّى الى انكفاء عدد من الأعضاء عن حضور الجلسات.
في الوقت نفسه، كان سلام يعمل على خطّ مواز. خطّ لا يمكن تفسيره إلا بما يحصل في شركة «تاتش»، إذ تقدّم بطلب اعتراض أمام اللجنة التي تنظر في الاعتراضات على الرسوم والعلاوات البلدية في بعبدا، بواسطة محاميه عماد حمدان. والأخير كان متعاقداً مع «تاتش» قبل أن يلغي مديرها السابق عقده. فجأة فُتحت تحقيقات بمناقصات وعقود في «تاتش»، وأغلقت بعد تحصيل المحامي تعويضاً سدّد من المال العام بقيمة تفوق مليون دولار، وأغلقت الملفات ثم تعاقدت معه شركة «زين» التي تدير «تاتش»… (راجع «الأخبار»، 16 أيار 2020، «الخلوي في أحضان الدولة: المحاصصة ممنوعة»)، علماً بأن زوجة المحامي قاضية معروفة.
تبنّت اللجنة الاعتراض الذي قدّمه المحامي حمدان بالكامل، حتى من دون أن تتكلّف عناء تصحيح الأخطاء القانونية الواردة فيه. فقد طلب المحامي اعتبار قيمة الإشغال السنوية 1100 ليرة عن عام 2017، و5.250 ملايين ليرة عن عام 2018، و7 ملايين ليرة عن عام 2019، على أساس رسم بلدي نسبته 7%. وقد وافقت اللجنة من دون أن تلاحظ أن الرسم البلدي ينقسم إلى أقسام عديدة، أبرزها رسم القيمة التأجيرية المنصوص عايه في المادة 12 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية بمعدل 7% لغير السكن، ورسم صيانة المجارير والأرصفة المنصوص عليه في المادة 79 بمعدل 1.5%. ويبدو أن اللجنة كانت «محترفة» في عملها إلى درجة إصدارها قراراً لا تستند فيه إلى أي من القوانين المرعية، بل اكتفت بالأخذ بادعاءات النادي ومزاعمه، مستندة إلى قيمة العقد المجدّد مع الدولة. كما تغاضت عن المادة السابعة من القانون نفسه التي تتيح لبلدية الغبيري تحديد القيمة التأجيرية بطريقة التخمين المباشر في عدد من الحالات، بينها «صورية العقد المسجّل أو الشكّ في صحته، سواء أكان ذلك بقصد التهرب من الرسم أم بتأثير عامل القرابة أم الصداقة أم المجاملة أم لأي سبب آخر»، وهو ما ينطبق بالتأكيد على العقد الصوري للنادي مع الدولة.
أياً يكن، فإن المحاججة التي قدّمتها بلدية الغبيري كانت في المساحات التي يشغلها النادي، حيث إن مجلس الوزراء عندما جدّد العقد، لم يناقش تعدّي النادي على الأملاك العامة والخاصة، إذ تبلغ المساحة المستأجرة من الطيران المدني نحو 53% فقط من المساحة الفعلية التي يشغلها النادي (نحو 59 ألف متر مربع) من العقار الذي يحمل الرقم 1878. وهو عقار كبير مملوك من الدولة اللبنانية ويشغل حيّزاً منه الجيش اللبناني، وقد أقام النادي على الجزء الأكبر مجموعة منشآت، من بينها مطعم ومسبح وغيرها، «كلها أُنشئت من دون ترخيص»، بحسب مصادر في البلدية. كذلك يشغل النادي نحو 133 ألف متر مربع من العقار الرقم 3908 بذريعة أنه يحمل 170 سهماً فيه، علماً بأن المساحة الإجمالية للعقار تفوق مليون متر مربع، وبالتالي فإن مجموع الأسهم التي يحملها النادي لا تتيح له إشغال أكثر من 72 ألف متر مربع، وعلماً أيضاً أنها مساحة غير محدّدة الموقع.
2400 مشترك يتمتع كل منهم بـ40 متراً مربعاً من المساحات الخضراء مقابل 20 سنتيمراً للفرد من سكان الغبيري!
لذا، يتوقع أن تطالب بلدية الغبيري بالرسوم الواجبة على المساحات المعتدى عليها، انطلاقاً من كون لجنة الاعتراضات أشارت إلى «حفظ حقّ البلدية المذكورة باستدراك بعض الرسوم إذا ما توجبت لها»، علماً بأن هذا لن يكون التوجّه الوحيد لبلدية الغبيري واتحاد بلديات الضاحية. لا مانع لدى رئيس بلدية الغبيري معن الخليل من استثمار 4.5 مليارات ليرة لتشجير المساحات وريها وصيانتها لتكون حديقة عامة لفقراء الضاحية، إذ لا يمكن أن تأتي رفاهية «أوليغارشيي» الغولف على حساب فقراء المنطقة الأحقّ بالمساحات الخضراء، فيما يمكن لـ«عشاق الغولف» أن يمارسوا هوايتهم في مكان آخر إذا كانوا يريدون ذلك من دون مقابل، علماً بأن «زعيمهم»، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كانت لديه خطط لتشييد ملعب للغولف وفندق ونادي ومنشآت أخرى على أملاك شركة «انترا» في منطقة رومية بعد قطع أشجار الصنوبر المعمّرة من أجل رفاهية حفنة من أصحاب الرساميل. الأوليغارشية تفكر بالطريقة نفسها أينما كان.
تهرّب ضريبي
تلقّت إدارة نادي الغولف، أخيراً، إشعاراً من وزارة المال بوجوب تسديد الضرائب المترتبة عليها. لكن الملف سرعان ما «نام» في الأدراج بعدما «نطّ» رئيس النادي كريم سلام إلى قصر أحد النافذين. وتترتب على النادي ضرائب إجمالية تفوق قيمتها 9 مليارات ليرة، إذ إنه معفى من ضريبة الدخل كونه «جمعية لا تبغي الربح»، لكنه ليس مدرجاً ضمن مرسوم الجمعيات التي تعدّ ذات منفعة عامة وتكون معفاة من الضرائب والرسوم كافة، وبالتالي فإنه ليس معفى من الضريبة على القيمة المضافة وضريبة الأملاك المبنية وغيرهما.
مندوب الضمان مع من؟
يشكو أجراء نادي الغولف الذين تستعملهم الإدارة لغاياتها الخاصة من تأخر في تسديد فواتير ضمان المرض والأمومة لأكثر من ثلاث سنوات. المشكلة تكمن في رئيس نقابة الأجراء ي. ف. الذي «يصدف» أنه يعمل مندوباً للنادي في الضمان الاجتماعي، أي إنه الموظّف الذي يهتم بمعاملات الأجراء والنادي في الضمان، كما «يصدف» أنه يشغل موقعاً في المكتب العمالي لحركة أمل.
الاخبار