
مجلة وفاء wafaamagazine
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه عندما قال: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}..
حذر الله سبحانه وتعالى من أولئك الذين عندما تردهم الأخبار التي تتعلق بالسلم أو الحرب، سرعان ما ينشرونها من دون بحث وتدقيق..
فيما لو رجعوا إلى رسول الله أو إلى الذين يملكون معرفة حقائق الأمور وخفاياها، لما وقعوا فيما وقعوا فيه من أخطاء أو من مواقف تركت تأثيراتها عليهم أو على مجتمعهم.. فالله يريد من المجتمع المؤمن أن يكون متأنيا ومتثبتا قبل أن يتحدث بأي خبر أو يكتبه، وبذلك يكون أكثر وعيا وقدرة على مواجهة كل من يبث الأخبار الكاذبة أو الإشاعات المغرضة وأكثر قدرة على مواجهة التحديات.
والبداية من لبنان الذي أنهى مئويته الأولى وهي مناسبة تكون عادة لتعداد الإنجازات التي تمت طوال هذا التاريخ وإظهار التميز الذي عبر عنه أبناؤه، ولكن ما يؤسف له أن يأتي الاحتفال بهذه المئوية ولبنان على ما هو عليه من التردي على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي ومن الفساد على المستوى الإداري والسياسي ومن الانقسام بين طوائفه ومذاهبه والذي تسبب في كل الكوارث التي يعاني منها اللبنانيون وليس آخرها ما جرى في المرفأ ما جعله مشرعا على تدخلات الخارج وأرضا خصبة لطموحاته وصراعاته.
إننا لا نريد لهذه المحطة الزمنية أن تكون مناسبة احتفالية كما يتعامل مع كل محطات الزمن بل مناسبة لإعادة النظر في كل المسار الذي أوصل البلد إلى حال الانهيار هذه، وهو ما لا يكون بإعادة النظر في النظام السياسي فقط كما يتم الحديث الآن عنه، بل بتغيير عقلية الحاكمين الذين عليهم ألا يحولوا الدولة إلى بقرة حلوب لهم.
إن هناك مسؤولية على اللبنانيين في أن يبقوا هذا البلد رسالة وأنموذجا يحتذى في قدرة الأديان على التعاون والتكافل في ما بينها، وألا يكونوا سببا في إفشال هذه التجربة الفريدة بتطييف الدين وإفراغه من مضمونه القيمي والأخلاقي وتوظيفه في الصراعات الداخلية والخارجية.
وفي كل هذه الأجواء القاتمة التي يعيشها اللبنانيون جاء تكليف رئيس للحكومة والطروحات التي صدرت بعد ذلك من الرئيس الفرنسي في زيارته الأخيرة للبنان بضرورة الإسراع بتأليف حكومة والقيام بإصلاحات وإحداث تغيير في الأداء السياسي والتعامل مع الملفات الكثيرة العالقة والأسلوب الذي قارب فيه الواقع السياسي اللبناني.. كل ذلك يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة يأمل اللبنانيون أن تخرجهم من النفق المظلم الذي أدخلتهم فيه المنظومة السياسية القائمة.
ونحن أمام ما جرى نقدر أي جهد لمساعدة لبنان على تجاوز محنه ومعالجة أزماته، وإن كنا واعين جيدا أن للخارج مصالحه، فهو ليس جميعه خيرية، ولا يقدم شيئا بالمجان.. وهنا نأسف أشد الأسف أن المعالجات لم تأت من خلال القوى السياسية التي كان بإمكانها أن تقوم هي بذلك لو تجاوزت قدرا من أنانياتها، ولكانت تجنبت كل الإذلال الذي تعرضت له من الرئيس الفرنسي والإملاءات التي مارسها عليها.
أما الآن وبعدما وضعت الكرة في ملعب القوى السياسية.. فإننا ندعوها إلى الإسراع في تشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤوليتها سواء لجهة تركيبتها أو لجهة نوعية الوزراء وكفاءاتهم بحيث تراعي الأولويات ومصالح مواطنيها.. فلا يعمل على إفراغها من مضمونها الإصلاحي أو أن تغرق في لعبة المحاصصة أو التناحر بين مكوناتها.
إننا نرى أن الأجواء الدولية الحالية تشكل عاملا مساعدا للبنانيين، إن لم يكن للحل الكامل، فعلى الأقل للدخول في مرحلة من مراحل التبريد التي قد تقود إلى الحلول.. وهنا لا بد من العمل لقطع الطريق على كل من يعمل للدخول على خط التخريب ممن يضيرهم استقرار البلد، أو بعض المتضررين من الإصلاح أو العاملين لحساباتهم الفئوية ممن قد يعمل لتعطيل أي إصلاح لا يتناسب مع مصالحه وغاياته”.
وختم السيد فضل الله: ونبقى في ملف المرفأ لندعو إلى الإسراع في التحقيقات لكشف غموض الملف والذي يخشى في هذا البلد ألا يقف عند حدود الانفجار وذلك بعد اكتشاف مواد جديدة قابلة للانفجار، كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة جديدة.. فاللبنانيون يخشون أن تميع القضية وألا تصل التحقيقات إلى نتيجة”.