مجلة وفاء wafaamagazine
تحركت عجلة التأليف الحكومي الراكدة أمس بفعل مبادرة الرئيس سعد الحريري، غير المغضوب عليها هنا والمتحفظ عنها هناك، فكان لقاء بين الرئيس المكلف مصطفى اديب و«خليلَي» حركة «أمل» و«حزب الله» وُصفت أجواؤه بالايجابية وانتهى الى اتفاق على لقاء آخر خلال الـ 24 ساعة المقبلة، وأعقبه اتصال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأديب ودعاه الى لقاء يعقد بينهما ظهر اليوم في القصر الجمهوري من دون ان يعرف ما اذا كان الاجتماع الثاني بين الخليلين وبين الرئيس المكلف سيسبق هذا اللقاء، في وقت تضاربت المعلومات عمّا دار في اللقاء الأول بين قائلة إنه بحث في اسماء حملها الخليلان الى اديب، وأخرى تحدثت عن انّ البحث تناول المبادئ العامة لطريقة اختيار اسماء الوزراء ومن يطرحها في ظل إصرار الثنائي الشيعي على ان يسمّي هو الوزراء الشيعة عبر لوائح يقدمها لأديب ليختار من بينها لوزارة المال وللوزارتين الأخريين المخصصتين للطائفة الشيعية في حال تقرر اعتماد صيغة حكومة الـ 14 وزيراً.
في غضون ذلك، برزت فضيحة جديدة في مصرف لبنان دلّت الى أنّ المسؤولين فيه يعيشون في عالم آخر، إذ بينما يدور البحث في إلغاء الدعم عن بعض السلع الاساسية للمواطنين، أقرّ المجلس المركزي لمصرف لبنان علاوة 4 اشهر (bonus) للحاكم رياض سلامة ونوابه المعيّنين حديثاً وكذلك لأعضاء لجنة الرقابة على المصارف (المعيّنين حديثاً ايضاً) اضافة الى جميع موظفي مصرف لبنان.
واللافت في هذا الصدد انّ مفوّض الحكومة لدى مصرف لبنان كريستيل واكيم (المعينة حديثاً) لم تعترض على هذا القرار، علماً أنّ قانون النقد والتسليف يمنحها هذا الحق، في وقت تساءل المراقبون عن الداعي لهذه العلاوة في هذه الظروف الحرجة مالياً، متسائلين هل انّ في الامر رشوة يُراد منها إسكات اي اعتراض على خطوات موجِعة سيتخذها المصرف المركزي في حق اموال اللبنانيين؟ وكذلك تساءلوا كيف لمصرف لبنان ان يتخذ إجراء من هذا النوع من دون ان يلتفت الى ودائع المواطنين التي لا يزال مصيرها مجهولاً؟.
وكان اللقاء بين اديب والخليلين قد دام ساعة، وجرى خلاله البحث في مصير الاستحقاق الحكومي في ضوء مبادرة الحريري. وبحسب احد المشاركين فيه كانت اجواؤه متابعة للبحث في افكار جديدة الى جانب استكمال البحث في افكار كانت قد طرحت في لقاءات سابقة بين الطرفين.
وعلمت «الجمهورية» انّ الاجواء كانت ايجابية لناحية انّ إسناد الحقيبة للثنائي الشيعي بات خارج النقاش، اما ما يتم البحث فيه حالياً فهو مَن هي الجهة التي ستسمّي الوزراء؟ الخليلان أبلغا الى اديب انهما سيقدمان له لائحة بالاسماء المرشحة للوزراء الثلاثة من الطائفة الشيعية ضمن حكومة الـ 14 وزيراً، وخصوصاً اسم لوزير المال من ضمن لائحة اسماء. فأجاب اديب: «انا حاضر اذا كان لديكم اسماء للاطلاع عليها، ويمكن ان اختار من ضمن اللائحة او من خارجها». فأعاده الحاج حسين الخليل الى المبدأ قائلاً: «فلنتفق على المبدأ، نحن من نسمّي وانت سيكون لك حق «الفيتو» على الاسم».
وهنا اعتبر اديب انّ المقاربة الآن اصبحت مختلفة عن المقاربة السابقة. فطلب الخليلان منه التفكير والتشاور مع من يريد، وعندما يصبح لديه جواب يُعلمهما ليكون هناك لقاء آخر.
امّا مصادر المجتمعين فقالت «انّ الجو لا يمكن إدراجه في الخانة الايجابية البحتة ولا السلبية، ففي المضمون الأجواء لا تزال على حالها كالسابق لأنّ المشكلة هي نفسها: من سيسمّي. أما في الشكل فيمكن القول انه جرى تنفيس الاحتقان الذي كان سائداً، وبالتالي يمكن ان يُبنى على هذا الجو الايجابي من اجل الاتفاق في الايام المقبلة».
وعلمت «الجمهورية» أنّ الرئيس ميشال عون هو من اتصل بأديب ودعاه الى لقاء في القصر الجمهوري ظهر اليوم، من اجل التشاور في ملف تشكيل الحكومة.
عون واديب
وكانت مصادر القصر الجمهوري قد كشفت انّ اديب إتصل بعون ليل أمس الاول، وأبلغ اليه نيّته التواصل مع الثنائي الشيعي لترجمة مبادرة الحريري في ما يتعلق بوزارة المال، وأنه في حال حصول تقدم سيزوره للتشاور معه. وادرجت المصادر هذا الإتصال «في اطار التشاور المستمر بينهما، وقد يتكرر في اي وقت. فالتواصل بينهما امر طبيعي خصوصاً انهما شريكان في تأليف الحكومة».
وقالت هذه المصادر لـ«الجمهورية» انّ جديد المواقف التي اعقبت مبادرة رئيس الجمهورية ومن بعدها مبادرة الرئيس سعد الحريري دلّت الى انّ هناك توجهاً الى مزيد من الحلحلة، في انتظار ترجمتها على ارض الواقع خطوات ومواقف ملموسة لا بد انها ستظهر تباعاً في ضوء حجم الاهتمام الفرنسي والدولي وما يبذله وسطاء كثر من اصدقاء مختلف الاطراف على اكثر من مستوى.
ولفتت المصادر الى انّ «بيان رئيس الجمهورية الاثنين الماضي حرّك المساعي ورسم اطاراً للمواقف بغية تصويب المناقشات وحصرها بما هو مطروح من عقد، مخافة من ان تبرز عقدٌ أخرى فتتضاعف السلبيات وتنشأ مشكلات أخرى لم تكن في الحسبان». ورأت انّ مبادرة الحريري وردة الفعل الهادئة وغير السلبية تجاهها والترحيب الفرنسي بتوقيتها ومضمونها أفسحا المجال لوقت اضافي لعملية التأليف، ذلك ان الرئيس المكلف «لم يطرح بعد على رئيس الجمهورية اي تشكيلة حكومية، وعندما يفعل ذلك سيتم النقاش في شكلها ومضمونها وتفاصيلها».
وأكدت المصادر «انّ رئيس الجمهورية اجرى توصيفاً دقيقاً للمواقف التي صَبّت عنده كشريك مؤثر في تشكيل الحكومة الى جانب الرئيس المكلف، فالمهمة مناطة بهما ولكن ذلك لا يحول دون إجراء مزيد من الاتصالات لتأتي الخطوات منسجمة مع اصحاب المطالب المحقة، فليس ضرورياً أنّ كل المشكلات القائمة ستحلّ قبل تشكيل الحكومة، فالجميع باق في البلد والايام المقبلة يمكن ان تنتج تفاهمات أعمق، وانّ الاهم اليوم هو تشكيل الحكومة لتقوم بما يُناط بـ»حكومة المهمة» المحددة شكلاً ومضموناً. فالتفاهمات على الادوار والمهمات سبقت التكليف كما التأليف، وهو ما فرضته تطورات الوضع الداخلي وما يجري في المنطقة من تحولات لا يمكن تجاهلها البتة، فهي كثيرة ومعقدة تنعكس على لبنان الذي عليه التفرّغ لمواجهتها بموقف داخلي صَلب بعد تشكيل الحكومة تشكل إطلالتها عهداً جديداً من التفاهم مع المجتمع الدولي، فلا تبقى الامور رهناً بما هو قائم من حصار اقتصادي ومالي ونقدي. ومن دون فكفكته لا يمكن مواجهة الملفات الداخلية، فكيف بالنسبة الى الخارجية منها؟».
وذكّرت المصادر بما شَدّد عليه رئيس الجمهورية عندما قال انّ «الامد ليس مفتوحاً الى ما شاء الله امام التأليف، وانّ تطورات كثيرة طرأت، ومن هنا لا يمكن التنبؤ بطول فترة التأليف». كذلك ذكّرت المصادر بـ «انّ الشراكة بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية في عملية التأليف امر دستوري وليس اجتهاداً»، وسيكون للرئيس «رأيه في كل التشكيلة الحكومية وليس بفئة محددة او مكوّن محدد، وهو لا يدخل في المحاصصة». وقالت: «انّ رئيس الجمهورية ليس له مطلب شخصي لنفسه، ورأيه سيكون في كل التشكيلة وليس مع فئة او مكوّن معين».
ورداً على سؤال اكدت المصادر انّ مبادرة عون «تهدف الى ايجاد حل لعقدة بَدت مستعصية، واذا توافر حل بالتفاهم بين جميع الاطراف يؤدي الى تشكيل الحكومة فإنّ رئيس الجمهورية حاضر لتسهيل اي عمل لتشكيل الحكومة، وكما قال في بيانه الرئاسي انه معني مباشرة بتأليف الحكومة وفق المادة 53 من الدستور».
خليل في دار الفتوى
وكان النائب علي حسن خليل قد زار أمس مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد من كتلة «التنمية والتحرير»، وأكد التزام الكتلة «بما أكد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث شدد على التزامنا ودعمنا إنجاح المبادرة الفرنسية بكل مندرجاتها، بدءاً بتشكيل حكومة سريعاً، وصولاً لعقد مؤتمر للبنان لإطلاق الإصلاحات»، مشيراً الى أنه «خلال الأيام الماضية حصل حراك ايجابي على مستوى تشكيل الحكومة، وسنتعاطى معه بأعلى درجات المسؤولية».
وأضاف انّ «الحراك الايجابي فتح أكثر من ثغرة يتم العمل عليها بنحو حثيث خلال هذه الأيام، ومصلحة الجميع ان يكونوا متفائلين، وهو تفاؤل مبني على بعض المعطيات»، مؤكداً التزام «العمل بالدستور والاعراف التي حَمت تركيبة البلد وتوازناته، وأسّست للنظام الذي نعيش بظله. نحن متمسكون بالميثاق والدستور وحريصون على الوحدة الوطنية وكل الآليات التي تطمئن اللبنانيين». وقال «انّ الرئيس بري لم يتخلَّ للحظة عن دوره، وهو على تواصل مع الجميع، ويبحث عن تأمين مخارج تحفظ دور كل القوى، وتؤمن حماية نيابية وسياسية تضمن نجاح الحكومة المرتقبة بالمهمة الاستثنائية المقبلة عليها. ونحن حريصون على إنجاح رئيس الحكومة المكلف مصطفى اديب وتأمين كل الدعم له بالمرحلة المقبلة».
فرنجية والحكومة الفعّالة
في غضون ذلك قال رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في حديث متلفز أمس «لم نتفق مع ماكرون على حكومة مستقلة بل على حكومة فعّالة، وكان شرط الرئيس الفرنسي ان تكون الكفاءة في اختيار الوزراء على حساب الولاء السياسي». واعتبر «انّ مطلب رئيس مجلس النواب نبيه بري الحصول على وزارة المال ليس جديداً، وسبق أن طلبه منّي حين كنت مرشّحاً للرئاسة. فلماذا كان هذا المطلب مقبولاً في السابق وأصبح مرفوضاً اليوم؟». واضاف: «رؤساء الحكومات السابقين اختاروا رئيس الحكومة ووافقنا على خيارهم، ولكنّهم يقومون أيضاً باختيار الوزراء وهذا مرفوض». واعتبر «ان ّما قاله الرئيس عون عن «جهنّم» كان زلّة لسان، فلا الظروف ساعدت عون، ولا الحظّ، ولا عرف كيف يحوط نفسه بالشخصيّات المناسبة»
وقال فرنجية «انّ العقوبات الأميركيّة تنفصل بالنسبة إلينا عن ملف الحكومة الذي نتخذ فيه موقف المتفرّج بينما العقوبات سياسيّة، وقد تواصل معنا الأميركيّون وأبلغونا أن لا رسالة إلينا».
الموقف الاميركي
وفي جديد الموقف الاميركي قال مساعد وزير الخارجية ديفيد هيل «إنّ الولايات المتحدة مستعدة لتقديم المساعدات إلى لبنان عندما يلتزم القادة السياسيون بالتغيير».
وأعلن هيل، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أنّ «إيران تقدم 70 مليون دولار من واردتها من النفط لـ«حزب الله» الذي يهدد أمن لبنان».
وأكّد المسؤول الأميركي أنّ «الولايات المتحدة ستستخدم نفوذها لمعاقبة من يعاونون «حزب الله»، وأنها مستمرة في سياسة العقوبات على إيران، إلى أن تغيّر طهران سلوكها».
صندوق النقد
وقال المتحدث بإسم صندوق النقد الدولي جيري رايس أمس انّ الصندوق حاضر للتواصل مع الحكومة اللبنانية عندما تتشكّل. وأضاف: «يجب المضي في الاصلاحات المطلوبة لاستعادة الثقة بلبنان ومواجهة التحديات».
الجمهورية