مجلة وفاء wafaamagazine
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة جماعة في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة وقال فيها: “من المسلمات الدينية العقائدية الايمان بيوم القيامة الذي لا يختلف فيه اهل الاديان جميعا وانه اليوم الذي تختتم به الحياة الدنيا وتبدأ به حياة جديدة وحياة اخرى هي انعكاس لطبيعة الاعمال التي قام بها ولطبيعة الحياة التي عاشها من تحمله للمسؤولية الالهية وقيامه بالتكاليف التي ألقيت على عاتقه وتطبيقه لها وملاحظتها عند كل تصرف من التصرفات ومراقبته وحرصه على امتثالها، كما سمي يوم القيامة بيوم الفصل ويوم الدين او الدينونة الذي يعني ان الله تعالى يفصل فيه بين الناس ويقضي بينهم بالحق، ويحمل فيه المسؤوليات للذين يدانون ويقضي عليهم بالحق”.
أضاف: “الثقافة الدينية قائمة على اساس ان الانسان مسؤول امام الله سبحانه وتعالى، وهي اهم المفاهيم التي تعنى بها هذه الثقافة وخصوصا الاسلام، وان يوم القيامة هو مظهر العدالة الالهية التي يجزي الله بها الناس على اعمالهم (ان خيرا فخير وان شرا فشر) (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )، تعبيرا عن العدالة الالهية التي تحكم هذه المحاسبة، وهي تعني انه لا عبثية في صنع الله تعالى (افحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون) فعدم المسؤولية تعني عدم وجود حكمة من هذا الخلق وعدم وجود عدالة وتعني الفوضى والاحتكام الى القوة لا الى مبادىء الحق لأنه مع عدم وجود حكمة ومع العبث وعدم الحساب يعني لا يوجد مبادىء حقة يحتكم اليها ويدافع عنها، والذي يعني أن الانسان مجرد مخلوق لا فرق بينه وبين سائر المخلوقات سوى الفرق الذي بينها كالفرق بين الاسد وبين سائر الحيوانات، فكما ان الاسد قيمته انه اقوى منها، كذلك الانسان فإن الفرق بينه وبين سائر المخلوقات بأنه الأقوى وله قدرة السيطرة على غيره. فلا معنى للظلم وللعدوان ولا للعدالة ولا للانسانية بناء على ذلك، وهذا هو المبدأ الذي تستند اليه الحضارة المادية اليوم، بل الذي حكم علاقات المجتمعات والافراد على مر التاريخ المليء بالصراعات والمظالم مدفوعة بالغريزة الى ذلك، لا إلى العقل أو المبادىء والقيم التي جاءت بها الاديان من اجل ارساء هذه المبادىء كقواعد ترتكز عليها العلاقات بين البشر افرادا وجماعات، والتي معها يمكن فقط ان يكون للعدالة والانسانية معنى وان يكون للنضال والمقاومة والشرف والاخلاق اثر في الحياة وشرف المقاومة والنضال والشهادة من اجل الحق، ومقاومة الظالم والانتصار للمظلوم وتحمل المسؤولية واحقاق الحق. تحقيق العدالة تنطلق من الاعتقاد و الثقافة التي يحملها الفرد اولا والمجتمعات البشرية ثانيا، والتي تدفع بها الى التعاون ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) من اجل خير البشرية والانسان في الحياة الدنيا وفي الاخرة، والنجاة يوم الحساب الذي هو الغاية”.
وتابع: “ان هذا الغنى الفكري الذي يجعل للانسانية معنى وللحياة معنى أعلى، معنى العبادة وهدفا اسمى وهو الانقياد لله تعالى والفوز برضوانه ما يغني الحياة ويجعلها اكثر سعادة حتى مع الشقاء المادي لانه يتعب ويشقى قاصدا أن يصبح أكثر قربا من الله تعالى واكثر سموا في نفسه، وكلما قدم اكثر واعطى اكثر كلما شعر في نفسه انه ارقى واسمى من كل الكائنات وانه ارتقى اكثر في عالم القيم والمعاني الروحية، فيكون اكثر سعادة رغم كل التضحيات، فالمبادى والقيم تجعل من الانسان عنصرا ايجابيا اكثر عطاء واقل اخذا يعيش في نفسه السلام والراحة والاطمئنان ( يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية ) فهي لا يمكن ان تعيش الهامشية في حياتها ابدا وانما تنبض دائما بالامل، ولذلك فهي حية لا تعرف الاستسلام للواقع وانما تبحث عن التغيير باستمرار حتى في اقصى حالات الضغط ولا ترى في التحديات الا ساحة للابداع وابتكارا لاساليب المواجهة ثم ما تلبث ان تتخلص من واقعها المأزوم وتخرج منتصرة من جديد”.
أضاف: “إن المؤمن الحقيقي لا يحزن لنفسه عند الشدائد والمصائب لأنه قد أعد لنفسه السلاح الذي يكفيه ويرى في مصائبه امتحانا لصبره واقتداره النفسي وسعيه الدائم للحصول على أدوات النصر وإخراج أمته من الواقع الذي هي فيه، ولكنه يحزن لأمته التي تركت الدرع الحصين الذي كان يقيها الشرور والانهزام والشعور بالانكسار واليأس ويرى في ذلك السبب الرئيسي للهزيمة والتراجع، ويرى في سعيه لاخراجها من واقعها الذي اودت نفسها فيه جهادا في سبيل الله تعالى.ونحن اليوم نرى الواقع المأسوي الذي تعيشه أمتنا عندما تخلت عن قيمها ومبادئها، وبعد أن كانت رائدة للحياة من بين الامم صارت تابعة بعد أن شرفها الله بقيادة الدنيا والاخذ بيد البشرية نحو النجاة والسعادة، وذليلة بعد أن كانت عزيزة تفخر بانجازاتها التي ما زالت البشرية الى اليوم تعترف لها بذلك. لكننا نفخر على الرغم من كل هذا الواقع المأسوي بما تختزنه هذه الأمة من طاقات هائلة فجرتها المقاومة في وجه اعدائها الذين يتمثلون في العدو الاسرائيلي، مسجلة الانتصارات رغم عدم تكافؤ القوى ووقوف قوى الشر الدولية الى جانب هذا العدو بكل الدعم والامكانات الهائلة التي يحصل عليها، ووقوف بعض من ينتسب الى هذه الامة الى جانبه الذين فقدوا مناعة المقاومة والمواجهة والصمود وارادة التحدي، والذي زاد الواقع سوءا هو تبوؤ هؤلاء مراكز المسؤولية وامتلاكهم القرار، وهذا هو ما يعانيه اليوم اللبنانيون الذين انقادوا لغرائزهم ولمتزعميهم وانقسموا على أنفسهم تعصبا وعنادا مع اعترافهم بمسؤوليتهم عن هذا الواقع المتردي”.
وقال: “إن الأيام الصعبة التي يشهدها لبنان والظروف المعيشية المؤلمة التي تلقي بتبعات ثقيلة على كواهل اللبنانيين، في ظل تفشي الاحتكار في الدواء والغذاء والمشتقات النفطية، يكشف انعدام المسؤولية الأخلاقية والوطنية في التعاطي مع الأزمات الحادة التي تودي بالوطن الى منزلقات خطيرة لا تحمد عقباها، ما يجعل من بلدنا بؤرة فساد وإفساد على مستوى الطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى أسوأ حالة في حياتنا، حتى بات بلدنا في مصاف الدول الفاشلة التي ينخرها الفساد على مختلف المستويات، فلو لم يخن السياسي الفاسد وطنه وشعبه بتكديس الثروات من المال الحرام لما وجدنا فقراء ومحتاجين تتزايد اعدادهم بشكل كبير. ولو تحلى الموظف والمسؤول بمناقبية وطنية وادى واجباته الوظيفية بمسؤولية، لما شهدنا إدارة فاسدة موسومة بالرشى والسمسرة والإهمال الوظيفي، ولو كان لدينا قضاء نزيه وحازم ومستقل لا يخضع للأهواء ويتوخى العدالة لما شهدنا تفشيا للإهمال والفساد وارتفاعا للجرائم وأعمال النهب المنظم المحظي برعاية سياسية رسمية”.
وتابع: “هنا نتوجه بالسؤال الى أجهزة الرقابة والقضاء عن مسؤوليتها في كشف المتلاعبين بأسعار النقد الوطني وبسلامة الغذاء والمحتكرين لحاجات الناس الضرورية. ونسأل عن مفاعيل قانون الاثراء غير المشروع في معاقبة ناهبي المال العام من موظفي القطاع العام الذين تشهد ثرواتهم الطائلة عن سرقاتهم. في المقابل فإننا نحمّل المواطنين مسؤولية تخليهم عن واجباتهم في التستر على سارقيهم وعدم التشهير بالفاسدين والابلاغ عن المحتكرين فضلا عن مساهمات الكثيرين منهم في انتهاك القوانين، فالمواطن المسؤول يحافظ على النظام العام للمجتمع ويكون نواة صالحة تعمل لحفظ الوطن وشعبه، ولا يفرط بحقوقه ولا يتخلف عن أداء واجباته، وعندما يتخلى المواطن عن المسؤولية فانه يصبح شريكا للفاسد والمرتشي ويسهم في تخريب وطنه ومجتمعه”.
وأكد أن “من مظاهر اللامسؤولية، ما نشهده من تفلت أمني واستهتار بحياة الأمنيين، ونحن اذ نستنكر بشدة اطلاق النار العشوائي الذي يروع المواطنين ويلحق الأذى بهم، فإننا نطالب الأجهزة الأمنية بمعاقبة مطلقي الرصاص ليكونوا عبرة لغيرهم، فلا يجوز التهاون مع معرضي حياة الناس للخطر. بالإجمال، نعتبر أن الدولة تخلت عن مسؤولياتها في رعاية مواطنيها، وعليها تقع المسؤولية كاملة في مكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد الوطني ولجم المحتكرين والافراج عن ودائع الناس في المصارف وتوفير الاستقرار الاجتماعي للمواطنين. ونحن إذ نحذر من المساس بلقمة الناس ودوائها وفرص عملها ومدخراتها في المصارف، فإننا نطالب الرئيس المكلف بالإسراع في تشكيل حكومة إنقاذية من أصحاب الكفاءات المشهود لهم بالنزاهة وتحمل المسؤولية الوطنية، فنحن نريد حكومة متضامنة وقادرة تملك الحزم والجراءة على اطلاق إصلاحات جذرية تنقذ لبنان من الانهيار الاقتصادي والتردي المعيشي، وتتخذ خطوات ملموسة في مكافحة الفساد واستعادة المال العام المنهوب والافراج عن أموال المودعين حتى تستعيد ثقة المواطنين بدولتهم، وتوفر لهم رعاية كريمة تجنبهم الجوع والفقر والحاجة”.
وقال: “نتمنى للرئيس المكلف التوفيق في مهامه الوطنية الانقاذية وندعو القوى السياسية الى التعاون في تشكيل هذه الحكومة لاخراج لبنان من الأزمات المتفاقمة، ونشدد على ضرورة تكثيف التشاور وتعزيز التعاون لانجاز تفاهمات وطنية تحقق الاستقرار السياسي وتوفر الامن الاجتماعي. ومن منطلق ضرورة التزام المسؤولية في الحفاظ على النفس ودفع الضرر عن المجتمع وصون الوطن، فإننا نكرر تحذيرنا للمواطنين والمسؤولين وكل الجهات المعنية من التفشي الكبير لجائحة كورونا التي أدخلت بلادنا في دائرة الخطر الذي يصعب معه تحمل تداعياته الكارثية، مع تزايد اعداد المصابين وتحذير الجهات الطبية من عدم قدرة المستشقيات على استقبال المرضى، مما يستدعي اتخاذ إجراءات وتدابير اكثر حزما لتجنب الكارثة، فالمواطن مسؤول كما الوافد والمقيم ، وعليه تقع المسؤولية الشرعية والأخلاقية في حفظ نفسه وأهله واخوانه في الوطن من خلال التزام الإجراءات الوقائية وعدم الاستهتار بخطورة هذا الوباء”.
وختم: “نستنكر جريمة اغتيال مفتي دمشق وريفها الشيخ عدنان أفيوني في عمل ارهابي يهدف الى زعزعة الامن ومنع الاستقرار بعد ان مني المشروع الصهيو اميركي في تقسيم سوريا بالفشل، ونحن اذ نعزي سوريا قيادة وشعبا بهذه الجريمة ونسأل الله ان يتغمد الشهيد برحمته الواسعة ، ولنا ملء الثقة ان سوريا ستبقى عصية على المؤمرات التي لن تثنيها عن مواقفها الثابتة تجاه شعبها واحتضانها لقضية الامة المتمثلة بالقضية الفلسطينية”.