مجلة وفاء wafaamagazine
تنتهي غداً 3 تشرين الثاني المهلة التي أعطتها شركة التدقيق الجنائي «الفاريز اند مارسال» للمصرف المركزي للإجابة عن نحو 100 سؤال طلبتها منه، لتنطلق على أساسها في عملية التدقيق. لكن كل المؤشرات تدلّ حتى الآن الى انّ عملية التدقيق دونها عقبات كان يمكن تذليلها ومعالجتها بسهولة لو توفّرت فعلاً النية للسير في مسار الإصلاح، وما تعثّر هذه الخطوة سوى نموذج واقعي لأيّ مشروع إصلاحي قد تفكّر أي حكومة في سلوكه مستقبلاً.
ايفا ابي حيدر
أكد المصرف المركزي انه سلّم مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان المستندات والمعلومات كافة التي تسمح بها القوانين اللبنانية النافذة الى شركة التدقيق الجنائي، مُستغلّاً بذلك الثغرة القانونية التي لم تتم معالجتها، والتي كان الكل يعلم بها، والمتمثّلة خصوصاً بسرية المعلومات والسرية المصرفية التي يغطيها قانون النقد والتسليف، لتنكشف بذلك النوايا السياسية المخفية الرافضة علناً وخفية للتدقيق الجنائي. فهل لا يزال الوقت يسمح بأيّ تعديل؟ وهل من خطوات أخرى على الأطراف السياسية المؤيدة للتدقيق أن تتخذها؟
يؤكد أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة Johns Hopkins مايك عازار «انّ الثغرات التي تعرقل التدقيق الجنائي، والتي اكتشفها البعض اليوم، كانت معروفة منذ البدء حتى قبل تعيين شركة «الفاريز اند مارسال»، لذا لا يمكن لأحد ان يتظاهر انه تفاجأ بما آلت اليه الامور».
ويقول لـ«الجمهورية»: «الكل يحاول اليوم إلقاء اللوم على الطرف الآخر، فكما هو معروف انّ هناك جهة ترفض التدقيق، وجهة أخرى ربما تريده إنما لسبب واحد ومحدّد هو توجيه أصابع الاتهام الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحده، وإنّ داعمي هذا التوجّه أظهروا قلة خبرة في تركيب هذه التهمة، ففشلوا. وبالتالي، انّ من طالبَ بالتدقيق الجنائي علناً ولم يُحسن إعداده وتسهيله يتساوى بالخطأ مع من رفضه منذ البدء وعَمل على عرقلته».
ورأى عازار انّ الذهاب الى مجلس النواب لإقرار التعديلات على قانون النقد والتسليف والسرية المصرفية لن يكفي، ففي السابق كان يسود اعتقاد انّ مصرف لبنان يتعاون مع التدقيق اذا كانت القوانين اللبنانية تسمح بذلك، إنما الاسئلة التي وُجّهت الى المركزي من قبل شركة التدقيق ولم يجب عنها لا علاقة لها بالسرية المصرفية إنما تتعلق بالشؤون الداخلية للمركزي، مثل كيف يعمل المصرف؟ من هم الموظفون المسؤولون؟… وهذا يشير الى انّ تعاون المركزي مع شركة التدقيق كان تَطوّعياً، ولا شيء، ولا أحد يجبره على الإجابة عن أيّ من الأسئلة المطروحة.
واعتبر عازار انّ المطلوب اليوم السَير بخطوتين: أولاً، إقرار قانون جديد يفرض على مصرف لبنان التعاون مع شركة التدقيق الجنائي. ثانياً، تعديل قانون النقد والتسليف، وتحديداً البند 151 المتعلق بسرية المعلومات والسرية المصرفية، بما من شأنه ان يسهّل عمل هذه الشركة اذا توفّرت النوايا الصادقة من قبل كل الأطراف السياسية للسير قُدماً في خطوة التدقيق الجنائي. كما يمكن إصدار قانون او امر قضائي يعطي بموجبه الحق لشركة «الفاريز اند مارسال» باستحداث مكتب في مصرف لبنان يُجيز لها استخراج المعلومات التي تحتاجها واستجواب من تراه مناسباً من دون العودة الى المركزي بشكل لا يعرقل عملها، او يبقى الحل الأخير بتغيير القيادة في المركزي واستبدالها بأشخاص يتعاونون مع التدقيق لأنهم غير متورّطين بما حصل في الحقبة الماضية.
وعمّا اذا كان رفض مصرف لبنان الإجابة عن بعض الأسئلة يمكن ان يكَوّن صورة عمّا يحاول إخفاءه؟ قال: انّ الأسئلة لا تكشف ما يحاول مصرف لبنان إخفاءه، لكن لا شك انّ المعلومات التي قد تحصل عليها Alvaris&Marsal ستفتح الابواب على مزيد من المعلومات. على سبيل المثال، لم يُجب المركزي عن الأسئلة المتعلقة باكتتابات مصرف لبنان في سندات الخزينة، وهو بذلك ربما يحاول حماية بعض المدراء والموظفين المسؤولين عن قرارات اتخذت في هذا الشأن. كذلك لم يُعط المركزي أي معلومات تتعلق بالهندسات المالية، ربما هو يحاول ان يغطّي على المصارف التي استفادت كثيراً من الهندسات المالية او عن الطريقة التي اتّبعت في الهندسات.
وعن انعكاس انسحاب شركة «الفاريز اند مارسال» من لبنان، قال: نلاحظ انّ مصرف لبنان متعاون في التدقيق المحاسبي مع شركتي kpmg وoliver wayman، لكنّ تعاونه الجزئي مع شركة التدقيق الجنائي يعكس عدم جهوزية الدولة اللبنانية بعد للشروع في الإصلاحات والمحاسبة.
تابع: لا مبرّر اليوم لعدم السير بالتدقيق الجنائي، وإنّ الهدف من أي عرقلة لهذا المشروع هو إخفاء أمر ما، لافتاً الى انّ المسار الذي سلكه التدقيق يظهر انه حتى من يريد لهذا التدقيق ان ينجح هو غير قادر على ذلك. وأكد عازار انّ التدقيق الجنائي ليس بالامر الصعب، إنما الصعوبة تكمن في تمريره سياسياً. فهل يعقل انّ توقيع قرار التدقيق الجنائي استغرق بضعة اشهر، وخلال هذه الفترة لم ينتبه أحد من المسؤولين السياسيين حتى الذين يؤيّدون المشروع الى انه يجب تذليل عقبة السرية المصرفية وسرية المعلومات؟ وما السبيل في حال رفض المركزي التجاوب مع التدقيق؟ أمّا الآن، وبعدما تبيّن انّ المسؤولين لم يكونوا على استعداد لتنفيذ هذه الخطوة السهلة، كيف سيتعاطون لاحقاً مع إعادة هيكلة المصارف وديون الدولة واصلاحات الكهرباء الاكثر تعقيداً؟
خطة الانقاذ
وعن مصير خطة الإنقاذ الحكومية، يقول عازار: منذ إعداد الخطة الى اليوم تفاقمت الخسائر بشكل كبير، صحيح انه لا يزال بالامكان السير بخطة الحكومة إنما بعد تعديل الأرقام الواردة فيها حيث الوجع سيكون أكبر للبلد وللمجتمع.
تابع: في حال تغيرت الخطة جذرياً، فإنّ في ذلك إعلاناً اننا لم نعد نريد صندوق النقد الدولي ولا مساعدات المجتمع الدولي، وان الاتجاه نحو استعمال الذهب وما تبقّى من الاحتياطي الالزامي. واللافت انه بدأ الترويج لهذه الفكرة مؤخراً، والتي تعني في باطنها ان لا توجّه للإصلاح وان لا شيء سيتغير في السياسة المعتمدة.
الجمهورية