مجلة وفاء wafaamagazine
كتب الزميل حسن عليق في “الأخبار” : على بُعد أقل من شهر من اليوم، يُحال مدير المخابرات في الجيش، العميد طوني منصور، على التقاعد. وحتى الآن، لم يستسلم قائد الجيش، العماد جوزف عون، للفكرة. هو يطالب بالتمديد لمنصور، بأي صيغة قانونية ممكنة (استدعاء من الاحتياط، تأجيل التسريح….). يصطدم مسعى قائد الجيش ومدير المخابرات برفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتمديد، لأسباب ثلاثة:
الاول، أنه ضد التمديد في المراكز الأمنية والعسكرية.
الثاني، لا داعي للتمديد لمنصور، في ظل وجود ضباط آخرين قادرين على تسلّم مديرية المخابرات. وأي تمديد يعني تلاعباً بالتراتبية العسكرية.
الثالث، التمديد لمنصور نفسه غير مستحب، سياسياً، لما يراه عونيون «انقلاباً» منه على الفريق السياسي الذي رعى وصوله إلى مديرية المخابرات، بصرف النظر عن مدى دقة هذه القراءة.
في جميع الأحوال، يحتاج قائد الجيش، قانوناً، إلى توقيع وزير الدفاع لقرار التمديد، وإلى رأي رئيس الجمهورية، عُرفاً. ويستند «القائد» إلى دعم أميركي غير محدود لمنصور. والدعم يأتي من الجهتين الأميركيتين اللتين ترعيان «العهد الحالي» في الجيش: القيادة المركزية في الجيش الأميركي، ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه».
في عهد الثنائي جوزف عون – طوني منصور، وصل النفوذ الأميركي في المؤسسة العسكرية إلى مستوى لم يصله يوماً:
– الهبات تصل إلى الجيش من دون المرور بمجلس الوزراء.
– على الحدود الشرقية والشمالية، تنفّذ شركة «parsons» مشروعاً شديد الخطورة، من دون علم مجلس الوزراء ووزارة الدفاع (راجع «الأخبار» يومي 20 آذار 2020، و15 نيسان 2020) – وهو المشروع الذي تريد الولايات المتحدة الأميركية تنفيذه لمصلحة العدو الإسرائيلي.
– تتعاون المؤسسة العسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية، من دون أي اتفاقية صادق عليها مجلس النواب.
العلاقة الموبوءة بين الجيش والولايات المتحدة الأميركية منحت السفيرة الأميركية دوروثي شيا من الوقاحة ما سمح لها بأن تتصل بالعميد بسام ياسين، رئيس الوفد اللبناني في مفاوضات ترسيم الحدود في الناقورة، قبل بدء عملية التفاوض، لتملي عليه أوامر بضرورة إجراء مفاوضات مباشرة، وبوجوب التقاط صورة تجمع الوفد اللبناني بوفد العدو الاسرائيلي. رفض ياسين الأوامر، لكن أحداً لم يحتجّ على ما جرى، رغم أن رئيس الوفد أعلم قائده بالأمر. لم تُطرد السفيرة من لبنان، ولم توبّخ، ولم يقل لها أحد إن ما فعلته خطيئة لا تجرؤ على ارتكاب مثلها مع ضباط جيش بلادها حتى.
المشكلة أن مسألة التمديد لمنصور من عدمه، تُبحث اليوم بصفتها أمراً إدارياً عسكرياً أمنياً سياسياً، وحسب. لكن أحداً لا يقاربها من زاوية النفوذ الأميركي في الجيش، وضرورة «تلقيح» المؤسسة العسكرية ضد الوباء الذي يفتك بها. وللأسف، فإن منصور هو أحد رموز هذه العلاقة الموبوءة بين الجيش اللبناني من جهة، والجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية من الجهة الأخرى. وعدم التمديد له ينبغي أن يكون باباً لإعادة التوازن إلى هذه العلاقة. وللأسف أيضاً، فإن من بأيديهم الأمر يكتفون بنظم الزجل في حب الجيش، وكأن الحرص عليه هو برميه في أحضان دولة أعلنت الحرب على جزء كبير من اللبنانيين، ولا همّ لها في بلادنا سوى أمن العدو الإسرائيلي.