الرئيسية / مقالات / ما وراء «غارة» دوريل؟ ولماذا الآن؟!

ما وراء «غارة» دوريل؟ ولماذا الآن؟!

مجلة وفاء wafaamagazine

وإن غادر الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل بيروت، وانهمكَ في الساعات القليلة الماضية بتقويم نتائج «غارَته» اللبنانية مع فريق الأزمة الفرنسي المكلّف متابعة مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون قبل وضعها على طاولته الخاصة وتلك التي سيُشارك فيها وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، فإنّ عدداً من المراقبين ما زال يبحث عن الأسباب التي قادت إليها، فلا الظروف المحلية ولا الاقليمة ولا الدولية تغيّرت. وعليه، ما الذي قصده؟

لا يُخفي عدد من المراقبين المطلعين على كثير من تفاصيل الازمة الحكومية شكوكهم وملاحظاتهم حول إمكان الخروج من الازمة المعقدة في وقت قريب ولا تقليص العوائق التي تحول دون ولادة الحكومة العتيدة. وعلى رغم من اعتبارها مدخلاً إجباريّاً الى بقية المراحل المقترحة وفق خريطة الطريق التي قالت بها المبادرة الفرنسية، فإنّ أيّاً من المعنيين لم يُبدّل من استراتيجيته وأسلوبه في العمل. ومَردّ ذلك الى المواقف المتصلبة التي اتخذها أركان السلطة بحثاً عن أدوارهم التي تحددها حصصهم وأحجامهم عند توزيع الحقائب الدسمة السيادية منها والخدماتية أيّاً كانت النتائج المترتبة على المُماطلة في عملية التأليف والحؤول دون ولادتها في أدقّ المراحل التي تعيشها البلاد وأخطرها.

 

هذا فضلاً عن عدم احتساب هؤلاء المسؤولين المكلفين المهمات القيادية، ما يمكن أن تأتي به التطورات المقبلة والمآزق المُتناسلة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والنقدية والخدماتية، والتي تجاوزت كل السقوف التقليدية بآثارها السلبية. فرفعت من نسبة المآسي التي يعيشها اللبنانيون، بما فيها النتائج المترتبة على الفشل في مواجهة الازمة النقدية وبدء التقنين بالليرة اللبنانية بعد فقدان العملات الصعبة إلّا في حالات نادرة، والتقصير الفاضح في مواجهة الموجة الجديدة من جائحة كورونا وما فرضته من إغلاق قد يقضي على ما تبقّى من الحركة الاقتصادية والشلل في المؤسسات الحكومية وما يُلاقيه سكان المناطق المنكوبة جرّاء انفجار المرفأ من مصير لم يتوقعه أحد حتى في عزّ الازمات التي عاشتها البلاد، عدا عن إقفال آلاف المؤسسات الخاصة وقيادتها الى الافلاس المحتّم.



لا تقف الامور عند هذا الحد ـ يعترف المراقبون ـ ويضيفون انّ أيّاً من المسؤولين لم يهتزّ على وَقع التقارير التي رفعتها المراجع المالية والنقدية والامنية والإستخبارية بما حملته من تحذيرات تُنذر بما هو اخطر مما هو قائم اليوم دون جدوى. فلم ينظر اي من المسؤولين بعد بعَين القلق لِما يمكن ان تؤدي اليه الضائقة شبه الشاملة وما قادت اليه من حال الشلل في البلاد. فمواقع النفوذ التي ارتَجّت على وقع المتغيّرات الدولية والتحالفات الداخلية التي اهتزّت على اكثر من مستوى قبل ان تزيد من حدّتها العقوبات الأميركية التي طاولت من طاولته من مواقع النفوذ والمقرّبين منهم.

 

والأخطر في كل ما يجري ان هذه العوامل التي قادت اليها سياسات البعض الاحتكارية للسلطة باتت أولوية تتقدم على شؤون الناس ومطالبهم وتحوّلت أوراقاً للاستثمار في الأزمات الداخلية وعملية تشكيل الحكومة واحدة منها. فلا يتجاهل المراقبون الاشارة الى وقف كل اشكال البحث عن الخطوات التي يجب القيام بها لملاقاة المجتمع الدولي في منتصف الطريق وهو الذي ما زال يعطي شيئاً من عنايته للوضع الانساني والاقتصادي المتردّي في لبنان بمعزل عما تقوم به السلطة من إجراءات تزيد الامور تعقيداً.

 

ويضيف المراقبون انّ تحذير الموفد الفرنسي كان كبيراً ولافتاً عندما قدّم عرضاً شاملاً للمواقف الدولية التي وضعت لبنان في أدنى اهتماماتها، ناصحاً بالاسراع في عملية التأليف وفق المواصفات التي يتطلّبها المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي والدول والمؤسسات المانحة. فقد كان دوريل صريحاً عندما لَفتهم الى «إدارة الظهر العربية» لكل ما يجري في لبنان. وما إشارته الى «الإهمال الديبلوماسي» للدول الخليجية الغنية والمُقتدرة سوى مؤشّر واضح على تَرك اللبنانيين لوحدهم. كما دعاهم الى الإفادة من الفترة التي تنشغل فيها الادارة الاميركية بالمرحلة الانتقالية من ولاية رئيس جمهوري الى ديمقراطي، وانهماك الروس بملفات سوريا والحرب الأذرية ـ الارمينية والوضع في جزيرة القرم والعقوبات الاميركية على موسكو، فيما تنشغل إسرائيل بأزمات رئيسها المتعددة الوجوه، وتركيا بتورّطها في البحث عن النفط في المياه الاقليمية اليونانية والقبرصية الشمالية عدا عن أزمات ناغورنو كاراباخ وليبيا والشمال السوري، معتبراً انّ كل هذه المعطيات تسمح للبنانيين بالتفاهم على تشكيلة حكومية موثوقة حيادية ومستقلة تعيد بناء الثقة المفقودة داخلياً وخارجياً.



ويروي أحد المطّلعين انّ أحد المسؤولين استخَفّ بكل هذه المعطيات، معتبراً انه يمكن تجاوزها بفَرض أمر واقع جديد في لبنان للرَد على العقوبات الاميركية من خلال فَرض شروطه الحكومية. فسأله الموفد الفرنسي إذا كانت هذه المعادلة تُعدّ ضرباً للاهداف الاميركية في المنطقة، او استهدافاً مباشراً للمبادرة الفرنسية التي طالما شَدّدوا على الالتزام بها من دون القيام بأي خطوة تشترطها قبل الانتقال الى المراحل اللاحقة، أم انها إمعان في تعميق جروح اللبنانيين ومأساتهم بعدما باتوا على مسافة قصيرة من فقدان لقمة العيش وعدم القدرة على شرائها وتقنين العملة الوطنية وفقدان نور الكهرباء قريباً وتَعثّر شراء المشتقات النفطية والأدوية ورغيف الخبز إن أُجبر مصرف لبنان على رفع الدعم جزئيّاً او كليّاً عنها ؟.

 

ليس في ما سَبق إعادة تأريخ لمظاهر الازمة اللبنانية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، إنما لفَهم ما دفعَ بالموفد الفرنسي الى القيام بزيارته المفاجئة لبيروت، والتي لم تكن محسوبة سابقاً. والسؤال: هل من إنجاز تحقّق يفوق أهمية الإتصال الهاتفي القصير بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري؟ وهل إن زيارة الحريري الى بعبدا بتشكيلة جديدة من الصعب التوافق في شأنها هي إنجاز آخر؟ أم انّ هناك مفاجأة ما يمكن أن تطرأ بين لحظة وأخرى ولا يتوقعها أحد؟

 

كلّ ذلك يدفع الى القول انّ «الزيارة ـ الغارة» جاءت شكلاً وتوقيتاً في غير موعدها الذي يمكن ان يقدّم خطوة الى الامام. ليبقى هناك سؤال واحد تكفي الإجابة عنه لفهم ما قد تحقّق: ألم يكن الرئيس الفرنسي مطّلعاً على ما يجري في لبنان ليكلّف موفده مهمة عاجلة في بيروت؟ وهل يمكن ان يكون قد وقع ضحية مستشار غَبي لم يفهم انّ القادة اللبنانيين قادرون على تطويع ولَبننة أيّ مبادرة خارجية وإحباطها اذا جاءت على حساب ومصلحة أيّ منهم. فهم أرباب الفرص الكبرى الضائعة، والتاريخ يشهد على ذلك؟

 

 

 

 

 

 

الجمهورية