مجلة وفاء wafaamagazine
ارتفعت دولرة ودائع القطاع الخاص المُقيم بنسبة 9.14% بين آب وأيلول 2020
دَولرة الاقتصاد المحلّي إلى حدّ تحوّل «الليرة» إلى مُجرّد قناعٍ للدولار الأميركي، والنقص في السيولة بالعملة الأجنبية، ضلعان رئيسيان في الأزمة الحالية. تُضاف إلى ذلك، فجوة مصرف لبنان المُقدرة بأكثر من 55 مليار دولار. رغم ذلك، تستمر المصارف بعمليات تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار، بموافقة «المركزي»، من دون أن يدخل إلى حساب الزبون أي دولار أميركي
«تقلّص عدد الودائع بالليرة لتُصبح بحدود 18% من مُجمل الودائع في المصارف، بحيث وفّر المصرف المركزي ولا يزال ما يلزَم المصارف التي حوّلت، بدورها، الكثير من الودائع بالليرة إلى الدولار». التصريح للحاكم رياض سلامة خلال لقائه في 10 الشهر الجاري وفداً من «جمعية المودعين»، وذكر خلاله أنّه «في صدد وضع آلية لضمان القدرة الشرائية للمودعين أصحاب الودائع بالليرة». كلام سلامة «صادمٌ»، ففيه اعتراف واضح بأنّ سياسة «المركزي» تقوم على التخلّص من الودائع بالليرة عبر تحويلها إلى دولارات وهمية، لن تدخل أبداً إلى حسابات الزبائن. مصرف لبنان والمصارف يقومان بـ«تزوير» الدولار عبر اختراع عملة جديدة، وإيهام الناس بأنّ قيمة أموالهم ستكون محفوظة. في حين أنّها عملية لا تصبّ سوى في مصلحة القطاع المصرفي ــــ مرحلياً ــــ ريثما يعترف أولياؤه بأنّ النظام بحاجة إلى «تحديث» جوهري للتمكّن من تعويض الخسائر.
القصة بسيطة: مؤسّسة تُعاني من فجوة بالدولار، ونقص السيولة بالدولار، وتُهدّد يومياً بوقف الدعم لاستيراد الدواء والنفط والقمح لأنّها لم تعد تملك دولارات، من أين ستأتي بالدولارات لتحويل الودائع من الليرة إلى الدولار؟ وبدل أن يكون همّ القطاع المصرفي خفض حجم التزاماته بالدولار، ها هو يفعل العكس. والمُستغرب أن يكون هناك من لا يزال يثق بقدرة المصارف على «حماية» ماله. فبين شهرَي آب وأيلول 2020، ارتفعت نسبة تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار الأميركي للقطاع الخاص المُقيم بنسبة 9.14%، وبنسبة 2.18% للقطاع الخاص غير المُقيم.
عملية تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار لم تتوقّف يوماً (عدد «الأخبار» 16 تموز)، ربّما تقلّصت وتيرتها في الأشهر الماضية و«رُشّدت» ليستفيد منها مودعون محظيّون، لكنّ نسبتها ترتفع، وباتت اليوم تكتسب «شرعية». أولاً، من خلال إعلان المصارف عن العملية رسمياً كمُنتج تغري به الزبائن، وثانياً عبر تبنّي سلامة لها.
يقول أحد مديري المصارف إنّ «من غير المُمكن أن يتمكّن أي مصرف من تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار من دون موافقة المصرف المركزي»، مُستغرباً حديث سلامة، «لأنّ التحويل يتعارض مع مصلحته، وهو يتخذ إجراءات ليحدّ من حصول المصارف على الدولارات، وآخرها تقليص الكوتا التي تحصل عليها شهرياً إلى أكثر من النصف». مثلاً، إذا كان أحد المصارف (تختلف الحصّة حسب محفظة المصرف) يحصل على مليون دولار أميركي في الأسبوع، بات يحصل على 100 ألف دولار في اليوم. لكنّه يعتقد أنّ عبارة سلامة عن «وضع آلية لضمان القدرة الشرائية للمودعين أصحاب الودائع بالليرة»، قد تكون هي «المفتاح»، فالمودع الذي حوّل وديعة من الليرة إلى الدولار سيتمكن من سحبها على سعر المنصة، أي 3900 ليرة للدولار، «وعوض أن يخسر 80% من قيمة وديعته بسبب التفاوت مع سعر السوق السوداء، تكون الخسارة 50%».
مُدير تنفيذي آخر في مصرف «ألفا» يرى أنّ البنك لا يقدر أن يرفض طلب زبون يُريد التحويل من الليرة إلى الدولار، «ومنهم الذين لديهم دين بالدولار ويُريدون تسديده بالليرة. يحصل هنا التقاء مصالح، إذا كان المصرف بحاجةٍ إلى سيولة بالليرة، فيوافق على التحويل». ولأنّ مصرف لبنان فَرض على المصارف الراغبة في الحصول على سيولة بالليرة أكثر من الحصّة المُعطاة لها أسبوعياً، أن تفكّ حساباتها المُجمّدة لديه، وتدفع عمولة 2% عن السنوات المُتبقية للوديعة، «وَجدت المصارف أنّ الأوفَر لها تكبّد خسارة 2600 ليرة لكل دولار (فرق سحب الزبون لوديعته حسب سعر المنصة 3900 ليرة) من دفع عمولة 2%، ولا سيّما أنّ الودائع المُحوّلة إلى الدولار تُجمَّد لفترات تراوح بين سنة وثلاث سنوات، ما يعني تأجيل الاستحقاق والتكلفة على المصرف المعني». تحمُّل المصارف لنسبة من الخسارة جرّاء التحويل لا يعني أنّها «مظلومة»، بل مُستفيدة من تحسين «شَكْل» ميزانيتها، والإيحاء بأنّ محفظتها تضم ودائع بالدولار أكثر من الليرة، أي ودائع محمية من تدني القيمة نتيجة التفاوت في سعر الصرف، وودائع مستحقة بعد فترة غير قصيرة، لا فوراً.
إذاً تُريد المصارف الحصول على السيولة بالليرة وتأجيل استحقاق ودائع. لكن ما الفائدة التي يحصّلها مصرف لبنان من التحويل وتوسيع الفجوة بالدولار (الدولارات التي بدّدها) والمُقدّرة على الأقل بـ 55 مليار دولار؟ ينفي أحد أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان أن يكون الأخير «يُشجّع على إعطاء الدولارات، بل نُريد حماية الليرة أولاً، ثمّ القطاع المصرفي والاقتصاد». التبرير يتعارض مع كلام سلامة الواضح بأنّه يوفّر الوسائل اللازمة للتحويل من الدولار إلى الليرة. «أكيد هدفه ليس التحويل، بل نُحاول إيجاد الطريقة الأفضل لدعم الناس». الناس الذين يُحكى عن دعمهم، يتحمّلون الخطر الأكبر بتحويل الودائع من الليرة إلى الدولار، وهم لا ينالون سوى أرقام وهمية تتبدّل على الشاشة.
عملية تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار لم تتوقّف يوماً (عدد «الأخبار» 16 تموز)، ربّما تقلّصت وتيرتها في الأشهر الماضية و«رُشّدت» ليستفيد منها مودعون محظيّون، لكنّ نسبتها ترتفع، وباتت اليوم تكتسب «شرعية». أولاً، من خلال إعلان المصارف عن العملية رسمياً كمُنتج تغري به الزبائن، وثانياً عبر تبنّي سلامة لها.
يقول أحد مديري المصارف إنّ «من غير المُمكن أن يتمكّن أي مصرف من تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار من دون موافقة المصرف المركزي»، مُستغرباً حديث سلامة، «لأنّ التحويل يتعارض مع مصلحته، وهو يتخذ إجراءات ليحدّ من حصول المصارف على الدولارات، وآخرها تقليص الكوتا التي تحصل عليها شهرياً إلى أكثر من النصف». مثلاً، إذا كان أحد المصارف (تختلف الحصّة حسب محفظة المصرف) يحصل على مليون دولار أميركي في الأسبوع، بات يحصل على 100 ألف دولار في اليوم. لكنّه يعتقد أنّ عبارة سلامة عن «وضع آلية لضمان القدرة الشرائية للمودعين أصحاب الودائع بالليرة»، قد تكون هي «المفتاح»، فالمودع الذي حوّل وديعة من الليرة إلى الدولار سيتمكن من سحبها على سعر المنصة، أي 3900 ليرة للدولار، «وعوض أن يخسر 80% من قيمة وديعته بسبب التفاوت مع سعر السوق السوداء، تكون الخسارة 50%».
مُدير تنفيذي آخر في مصرف «ألفا» يرى أنّ البنك لا يقدر أن يرفض طلب زبون يُريد التحويل من الليرة إلى الدولار، «ومنهم الذين لديهم دين بالدولار ويُريدون تسديده بالليرة. يحصل هنا التقاء مصالح، إذا كان المصرف بحاجةٍ إلى سيولة بالليرة، فيوافق على التحويل». ولأنّ مصرف لبنان فَرض على المصارف الراغبة في الحصول على سيولة بالليرة أكثر من الحصّة المُعطاة لها أسبوعياً، أن تفكّ حساباتها المُجمّدة لديه، وتدفع عمولة 2% عن السنوات المُتبقية للوديعة، «وَجدت المصارف أنّ الأوفَر لها تكبّد خسارة 2600 ليرة لكل دولار (فرق سحب الزبون لوديعته حسب سعر المنصة 3900 ليرة) من دفع عمولة 2%، ولا سيّما أنّ الودائع المُحوّلة إلى الدولار تُجمَّد لفترات تراوح بين سنة وثلاث سنوات، ما يعني تأجيل الاستحقاق والتكلفة على المصرف المعني». تحمُّل المصارف لنسبة من الخسارة جرّاء التحويل لا يعني أنّها «مظلومة»، بل مُستفيدة من تحسين «شَكْل» ميزانيتها، والإيحاء بأنّ محفظتها تضم ودائع بالدولار أكثر من الليرة، أي ودائع محمية من تدني القيمة نتيجة التفاوت في سعر الصرف، وودائع مستحقة بعد فترة غير قصيرة، لا فوراً.
إذاً تُريد المصارف الحصول على السيولة بالليرة وتأجيل استحقاق ودائع. لكن ما الفائدة التي يحصّلها مصرف لبنان من التحويل وتوسيع الفجوة بالدولار (الدولارات التي بدّدها) والمُقدّرة على الأقل بـ 55 مليار دولار؟ ينفي أحد أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان أن يكون الأخير «يُشجّع على إعطاء الدولارات، بل نُريد حماية الليرة أولاً، ثمّ القطاع المصرفي والاقتصاد». التبرير يتعارض مع كلام سلامة الواضح بأنّه يوفّر الوسائل اللازمة للتحويل من الدولار إلى الليرة. «أكيد هدفه ليس التحويل، بل نُحاول إيجاد الطريقة الأفضل لدعم الناس». الناس الذين يُحكى عن دعمهم، يتحمّلون الخطر الأكبر بتحويل الودائع من الليرة إلى الدولار، وهم لا ينالون سوى أرقام وهمية تتبدّل على الشاشة.
ارتفعت دولرة ودائع القطاع الخاص المُقيم بنسبة 9.14% بين آب وأيلول 2020
يقول أحد المستشارين الماليين إنّ «التحويل عملية دفترية، لا يدخل إلى حساب الزبون أي دولار أميركي، أما مصرف لبنان فقد حوّل الدولارات من خانة المطلوبات عليه إلى مطلوبات على المصرف المعني». ألم تكبر الفجوة بالدولار؟ «كلّا، لأنّها بقيت ضمن النظام ولم تُحوّل إلى الخارج. ما حصل أنّ التحويل يرفع نسبة الالتزامات بالدولار ورقياً. لن يفرق ذلك لدى من راكم خسائر هائلة طيلة سنوات». حسناً، كيف يستفيد «المركزي» من التحويل؟ يستمر مصرف لبنان في سياسة طبع العملة واستخدامها لتقليص نسبة المطلوبات مقابل الموجودات و«تنظيف» ميزانيته، «بعد الطبع هو بحاجة إلى قنوات توزيع لزيادة النقد بالتداول. تحويل ودائع إلى الدولار، وإعادة سحبها حسب سعر 3900 ليرة، يُساعده في ذلك». ثمة «فائدة» ثانية، تبقى «نظرية» طالما أنّ «المركزي» لم يؤكدها، وهي أنّه في حال «انخفاض نسبة الودائع بالدولارات، تنخفض النسبة المطلوبة لتكوين حساب الاحتياطي الإلزامي، وبالتالي يُصبح بالإمكان الاستمرار بدعم استيراد السلع الأساسية لفترة أطول». مصرف لبنان يُريد التوقّف عن الدعم، «لذلك، تكمن مصلحته في أن تبقى الودائع بالدولار مُرتفعة، حتى يبقى يُجادل بأنّ الاحتياطي القابل للاستخدام لم يعد كافياً».
الأخبار