مجلة وفاء wafaamagazine
على نحو مفاجئ وعكس التوقعات ضمن الأوساط التركية، عادت الليرة التركية إلى خسارة جديدة، حيث تراجعت قيمتها في الساعات الماضية بنسبة 2 في المئة، وتخطت حاجز الـ 8 ليرات أمام الدولار الواحد، في حدثٍ من شأنه أن يضع خطة الإصلاح الاقتصادي التي كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد أعلن عنها على المحك، بعد استقالة محافظ البنك المركزي وتعيين وزير جديد للمالية والاقتصاد خلفا لصهره بيرات ألبيرق.
سعر الفائدة
الإصلاح الذي يسير فيه إردوغان وما يزال حديثه يتركز حوله حتى الآن، كان قد جاء بموازاته خطوة أقدم عليها البنك المركزي التركي، من خلال رفع سعر الفائدة إلى 15% في 19 من تشرين الثاني الحالي، وهو ما انعكس في ذلك الوقت على سعر صرف الليرة التركية، والتي وصلت إلى حاجز 7.5 واستقرت عليه لأيام، لتعود من جديد اليوم إلى الحد الذي كانت قد وصلت إليه ضمن أسابيع الانهيار الأخيرة.
ولا يعد السعر المذكور للفائدة هو الأعلى في أداء السياسة النقدية لتركيا، ففي أيلول 2018، وصل سعر الفائدة إلى 24 بالمئة، وهو ما جعل المدخرين بالعملة المحلية يهربون من أسواق الاستثمار المباشر، ويكدسون أموالهم لدى المصارف.
وبالنظر إلى المسار الذي يمضي فيه سعر صرف الليرة التركية، فإنه يرتبط بشكل أساسي وواضح بالعامل النفسي، والذي لا يتأثر فقط بما يشهده الداخل التركي والمحلي بل تتعلق مؤشراته أيضا بالخارج، وبالتصريحات السياسية سواء الرسمية أو التي تطلقها الدول المناكفة لأنقرة في الوقت الحالي.
كسبب وعامل أول ألقى بظلاله على سعر الصرف، فإن المؤشرات التي تقود إلى نية الحكومة التركية فرض إغلاق كامل على خلفية ارتفاع أعداد الإصابات بـ “كورونا” كان لها أثرا سلبيا وأسهمت في الخسارة الجديدة التي شهدتها الليرة التركية، حسب ما يقول أستاذ الإدارة المالية في جامعة “باشاك شهير”، الدكتور فراس شعبو.
ويضيف شعبو في تصريحات أن “مشكلة الليرة أتعبت من يراقبها، ولاسيما في الوقت الحالي في الذروة الثانية لفيروس كورونا، والتي تؤثر بشكل كبير على سعر الصرف، بسبب خوف المستثمرين والصناعيين والتجار من أي إغلاق جديد كما كان الحال في السابق”.
ولا يرى أستاذ الإدارة المالية، المقيم في إسطنبول أية مؤشرات على تحسن الليرة التركية في الأيام المقبلة، معتبرا أن هبوط قيمتها وارتفاعها بشكل سريع يعطي مؤشرا خطيرا، وأن العملية غير مستقرة، وهناك مشكلة هيكلية فيها.
وتتجه تركيا في الوقت الحالي، وخاصةً ولاية إسطنبول إلى إغلاق كامل مرتقب، وهو أمرٌ ألمح إليه مسؤولون أتراك في اليومين الماضيين، بينهم وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجه، مشيرا إلى أن ارتفاع أعداد الإصابات على نحو غير مسبوق سيدفع الحكومة التركية إلى اتخاذ إجراءات مفاجئة ومشددة.
معدل الإصابات بالفيروس كان قد تجاوز معدل سبعة آلاف إصابة في اليوم الواحد، يوم الثلاثاء في ظل الحديث عن ارتفاع كبير وبالتدريج ستكون عليه الأيام المقبلة، في تبعات تفرضها الذروة الثانية للفيروس، والذي كانت تركيا قد سجلت أولى الإصابات به، منذ ثمانية أشهر مضت.
ورغم خطة الإصلاح الاقتصادي الذي تسير بها الحكومة التركية، يوضح شعبو أن أزمة كورونا الحالية تعمل على تحييدها، وبالعودة إلى رفع سعر الفائدة فهي خطوة لم يكن لها أثرا كبيرا، بل مؤقتا، حسب قوله.
ويضيف أستاذ الإدارة المالية: “تركيا كانت تطمح في عام 2020 إلى نقلة نوعية خاصة مع فتح مطار إسطنبول، وكانت تتوقع حجم صادرات بأرقام خيالية تتجاوز 80 مليار دولار، لكنها لم تحقق ربع هذا المبلغ”،
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن “الليرة التركية تتعرض لضغط شديد جدا من خلال العرض والطلب، والمضاربة. وبالمختصر فإن الحملة التي قامت بها الحكومة التركية ووعود التحسين اصطدمت بكورونا والتي حصدت هذا الموضوع”.
استقالة أرينتش وتوترات شرق المتوسط
إلى جانب ما سبق ووفقا لبعض المحللين الأتراك فقد لعبت استقالة بولنت أرينتش من المجلس الاستشاري الرئاسي الأعلى (YİK) دورا في انخفاض قيمة الليرة التركية.
وكان بولنت أرينتش نائب رئيس الوزراء السابق، ورئيس البرلمان البالغ 72 عاما قد استقال أمس من منصبه في المجلس الاستشاري الأعلى للرئاسة، بعدما تعرض لهجوم عنيف بسبب مطالبته بالإفراج عن معارضين موقوفين، في أعقاب إعلان إردوغان عن إصلاحات قضائية.
وكتب أرينتش، حليف إردوغان التاريخي في بيان نشره على موقع تويتر “قدمت طلب استقالتي إلى الرئيس الذي اعتبرها مقبولة”، ولم يذكر ما إذا كان سيترك أيضا حزب العدالة والتنمية، الذي شارك في تأسيسه إلى جانب إردوغان في العام 2001.
الاستقالة المذكورة كان دورها ثانويا في التأثير على سعر صرف الليرة التركية، فقد لعبت التوترات السياسية بين تركيا وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي دورا في الخسارة الجديدة لقيمة الليرة أيضا.
وكانت آخر التوترات، منذ يومين حيث أقدمت سفينة عسكرية ألمانية مكلفة بمراقبة حظر الأسلحة المفروض على ليبيا بتفتيش “غير مصرح به” لإحدى سفن الشحن التابعة لتركيا في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي أثار استنكارا شديدا من جانب أنقرة