الرئيسية / محليات / الخطيب: ما نعانيه اليوم في لبنان من أزمات ومشاكل يهدف بالدرجة الأولى إلى تفكيك الجماعة والوحدة

الخطيب: ما نعانيه اليوم في لبنان من أزمات ومشاكل يهدف بالدرجة الأولى إلى تفكيك الجماعة والوحدة

مجلة وفاء wafaamagazine

أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب، الصلاة جماعة في مقر المجلس، والقى خطبة الجمعة قال فيها: “إننا ونحن نودع عاما مليئا بالمصاعب والأزمات المتعددة الجوانب ونستقبل عاما جديدا يملؤنا الأمل بالله تعالى بتخطي هذه الصعوبات وأن تتبدل هذه المأساة التي سادت هذه المرحلة الزمنية من حياة اللبنانيين إلى حالة أفضل تيمنا بهذا الميلاد المجيد للسيد المسيح عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام كلمة الله التي بشرت الملائكة مريم سلام الله عليها بها (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح بن مريم وجيها في الدنيا والأخرة ومن المقربين)”.

اضاف: “هذه البشارة التي لم تكن بشارة لمريم فقط بأنها ستكون حاملة لكلمة الله تعالى ومعجزته إلى العالم إنما هي بشارة للعالم أجمع بأن الله تعالى قد نظر إليهم نظرة رحيمة، فخصهم بهذه الشخصية التي حباها بهذه المواصفات وأولاها هذه العناية ليوفوها قدرها ويتمسكوا بهداها لما لها من وجاهة وشأن عند الله تعالى وقرب منه سبحانه إن أرادوا القرب منه والهداية إليه. فهو الآخذ بأيديهم إلى الصواب والرشاد والمخلص لهم من أيدي مدعي القرب من أهل الدجل والشيطنة الذين يتلبسون لباس التقوى والهدى والرشاد ولكنهم في حقيقة أنفسهم من أهل الضلال المستغلين للدين وباسم الهدى والحق، وهذه الفئة كانت دائما العدو الأساسي للأنبياء ورسالاتهم بما فيهم السيد المسيح سلام الله عليه حيث حاولوا قتله ولكن الله تعالى حفظه وادخره لآخر الزمان ليخرج مع الإمام المهدي، وليكون حجة له على العالم ومخلصا لهم من أعداء الحق والهدى وينشر العدل ويعم السلام العالم (وقولهم إنا قتلنا المسيح بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)”.

وتابع: “أيها الإخوة المؤمنون، على هذا الأمل وعلى هدى أنبياء الله تعالى ورسله وبالأخص هدى سيدنا المسيح وسيدنا رسول الله وآله الذين يمثلون امتدادا وتتويجا لهذا الخط الإلهي، نبدأ هذا العام بالتصميم والإستعداد للقيام بما يتوجب علينا كمجتمع أهلي وبما يقتضيه إيماننا وديننا وأخلاقنا من التضامن والتكامل والتعاضد لتجاوز هذه المرحلة التي يمتحن الله فيها إيماننا ومدى فعالية هذا الإيمان وأثره في سلوكنا، كما جاء في قوله تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).

واكد “ان المؤمن هو ولي للمؤمن الآخر يقوم بما من شأنه إصلاح أمره ودفع ما يتسبب بفساد إجتماعه، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحصن المجتمع والأمة بالقيم الإيمانية ويربطها بمصدر الخير، ما يجعلها منيعة عن الإختراق بما يفسد هذا التعلق والربط فحصانتها مرتبطة بمدى عمق هذا الإرتباط بالقيم الإلهية. وبهذا نفهم ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، فكل واحد منهم مسؤول عن هذه المهمة والعمل على تقوية هذا البنيان وسد الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها الوهن أو الضعف. يعبرون عن عبوديتهم ومسؤوليتهم عن ذلك بإقامة الصلاة وبمظاهر العبودية لله سبحانه وتعالى التي تعتبر الصلاة أهم هذه المظاهر وبإيتاء الزكاة الذي يعبر عن ممارسة عملية للإيمان بالتخلي عن ما يحب (وتحبون المال حبا جما) وهو تعبير عملي أيضا عن إيمانه بأن الله تعالى هو المالك الحقيقي وأنه ليس إلا عبدا أؤتمن على هذا المال ليؤديه للمستحقين فلا يبخل ولا يحرص عليه فيتخلص من البخل والحرص الذي هو نوع من الشرك لأنه نوع من التعلق بالمال، يأبى التخلي عن شيء منه وهي صفة من صفات اليهود التي استحقوا تقبيح الله تعالى لإتصافهم بها. وكانوا إذا طلب منهم الإنفاق على الفقراء أجابوا بأنهم لو استحقوا لأغناهم الله وقد إستحلوا أكل الربا قال تعالى (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا)، وقال تعالى (وأكلهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) وقال تعالى (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني) تصويبا لهذه الفكرة الطاغية بين الذين كانت لديهم سعة وغنى، فأوجب ذلك انحرافهم لطغيان حب المال على أنفسهم وأثر على سلوكهم بالبخل والكبر فأراد الله تعالى تصحيح هذا الإنحراف الفكري وبالتالي السلوكي وتذكيرهم بأنهم وما يملكون ملك لله تعالى، وأنه هو الرزاق وأن هذا المال هو من عنده وأنه القادر على أخذه منهم وأن بقاءه مرهون بإرادته تعالى، ومما تقتضيه هذه الولاية ولاية المؤمنين بعضهم لبعض، بالإضافة إلى ما تقدم طاعة الله ورسوله والمحافظة على هذه المرجعية وإنطوائهم تحت إمرتها وهي أهم عوامل حفظ المجتمع الي تتحقق أهداف الخلق ، فبالولاية يعبد الله تعالى وتقام الحدود وتتحقق العدالة ويتكامل الخلق بإشاعة الأخلاق الكريمة والترقي في عوالم الإنسانية”.

وقال: “إن أهم ما يمكن أن نخلص إليه في هذه الظروف أن نستعيد هذه المعاني وهذه القيم على مستوى الفكرة وعلى مستوى السلوك العملي، وربما ابتعدنا كثيرا عن هذا الخط، ونحن بحاجة ماسة إلى أن نتعلم ونصحح مفاهيمنا عن الحياة التي تيسر لنا العيش وتجعل لها معنى. كما تستدعي منا هذه الظروف التي فرضت على شعبنا وتسببت بإحتياج الكثيرين إلى المساعدة على مختلف المستويات الغذائية والدوائية والإستشفائية أن يشمر القادرون منا عن سواعدهم ويقدموا ما يستطيعون إلى المحتاجين من العائلات الكريمة والعفيفة التي يمنعها شعورها بالكرامة وترفعها عن مد أيديها إلى الناس. إننا بذلك نستطيع أن نعبر هذه المرحلة ونفوت على عدونا ما يهدف إليه من إذلالنا واستسلامنا عن هذا الطريق بعد أن أفشلتم كل محاولاته الأخرى. كما ينبغي على أهلنا الكرام في ظل جائحة كورونا الحرص على حياتهم باتخاذ التدابير الإحترازية وعدم التساهل في ذلك مما يؤدي إلى خسارة أحد من أحبائنا والوهن في إرادتنا”.

وتابع: “أيها الإخوة، فرق كبير بين الشعور بالإنتماء إلى مجموعة، إلى مجتمع، إلى شعب بحكم علاقة الدم ويدافع عن هذا الإنتماء بشكل غريزي حينما تتعرض لخطر ما وبين الإنتماء بحكم الإعتقاد خصوصا إذا كان انتماء دينيا. وفي الحالين يرى أن الخطر المحدق بالجماعة محدق به أيضا فهو في الوقت الذي يدافع فيه عن الجماعة ويدفع عنها الخطر، يدافع عن نفسه ويدفع عنها أيضا. ولكنه حينما يكون الدافع عقائديا ودينيا سيكون الدفاع أقوى وأشرس بمقدار ما يكون هذا الإعتقاد عميقا، ولذلك كان العمل حثيثا على إضعاف هذا الرابط الإيماني الذي يجمع بين أبناء مجتمعنا لتسهل السيطرة عليه. لذلك فإن علينا الإنتباه إلى ان انتماءنا الذي يجمع بيننا هو انتماء إيماني وإنتماء وطني وإنساني، إحدى روافد هذا الإيمان المحكوم به. لذلك فإنا ما نعانيه اليوم في لبنان من أزمات ومشاكل يهدف بالدرجة الأولى إلى تفكيك هذه الجماعة وهذه الوحدة. فالخطر لا يستهدف بعض مكونات هذا المجتمع دون غيرها. ولقد مررنا بتجارب متعددة كانت كافية لفهم ذلك”.

واشار الى انه “في كل هذه التجارب أريد إيجاد جروح عميقة بين هذه المكونات وأحقاد يستحيل إندمالها ونسيانها مع الزمن”. وقال: “لقد آن لنا جميعا أن نفهم أن المقصود هو الجميع، وأن المقصود في النهاية هو الوطن بكل مكوناته لصالح عدو واحد هو الكيان الإسرائيلي الغاصب الذي يحتاج إلى زرع الشقاق والفتن بين أبناء هذه المنطقة ليتسنى له أن يبني فيها دولته المهيمنة والمقتدرة على حساب أبنائها”.

اضاف: “كما آن لنا جميعا أن نعلم أنه لن يكون لأي مكون وجود وبقاء على حساب أي مكون آخر، وأن وجودنا جميعا مرهون بهذا الشعور وهذا الإنتماء الذي يجب أن يدفعنا إلى تعميق هذا الإرتباط، وأن نشكل معا وبوحدتنا جدارا صلبا أمام أي إختبار وإمتحان، لا أن يتصرف بعضنا بهذا الشكل الذي يعبر عن ضعف الإيمان بالوطن وبوحدة شعبه المتنوع الإنتماء الديني والطائفي والهروب من الأزمات إلى المشاريع التقسيمية والتفتيتية والإستسلام لإرادة العدو والعمل على تنفيذ مخططاته بدل مواجهتها والوقوف أمامها”.

وأكد “ان المقاومة انطلقت من هذا الإيمان بوحدة الوطن ووحدة شعبه وأثبتت سواء في مواجهة العدو الإسرائيلي أو العدو التكفيري ذلك بقوة فدافعت عن الوطن وعن شعبه بكل إنتماءاته دون تفريق ودون حسابات للأثمان الباهظة، آخذة بعين الإعتبار معيارا واحدا وهي الوحدة الوطنية ووحدة الوطن ولم يصدر منها أي فعل يوجب الشك بنواياها”.

ودعا الجميع الى “الإرتقاء إلى مستوى هذا الإنتماء والخروج عن المراهنات على المشاريع لتجديد الوظيفة التاريخية لبعض الطوائف في لبنان لمشاريع خارجية، فإن الظروف التي أملت ذلك قد انقضت وانتهت لصالح خريطة جديدة ووظيفة جديدة وطنية بالدرجة الأولى يقوم بها اللبنانييون جميعا وتفرضها قوة المقاومة التي أصبحت حقيقة قائمة عصية على القهر والإنهزام ولن تستطيع كل محاولات العزل والحصار والتجويع إخضاعها. لقد بدت علائم هزيمة معسكر التجويع والحصار بادية وواضحة بثبات محور المقاومة العظيم بعد تعرضه لإمتحانات قاسية ومؤلمة ذكرتنا بما تعرض له المسلمون الاوائل من قوى الكفر والشرك من استفزاز أثبت فيه المسلمون ثباتا لا حدود له مما اضطر قوى الشر للرضوخ وتوقيع صلح الحديبية الذي كان بشر رسول الله (ص) به فيه بالفتح بإنزال سورة الفتح عليه قائلا (إنا فتحنا لك فتحا مبينا)”.

وختم: “لقد استفزت الجمهورية الإسلامية ومعها قوى المقاومة ومحورها باستقدام الجيش الأميركي لحاملات الطائرات والبوارج والغواصات وبإستهداف القائدين الكبيرين الشهيدين سليماني والمهندس بطريقة غير أخلاقية ومخالفة للقانون الدولي ثم باغتيال العالم الشهيد محسن فخري زادة، كل ذلك بهدف إخافة هذا المحور وعلى رأسه طهران وإجباره على التنازل والتراجع. ولكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقفت بكل عزة وقوة وثبات وجرأة أمام كل ذلك فخيبت هذه السياسة وخاب معها المراهنون على ضرب محور المقاومة كما خابت من قبل مشاريعها في العراق وسوريا ولبنان”.