الرئيسية / سياسة / وفاء بيضون : الداخل اللبناني وارتباطاته الخارجية ..

وفاء بيضون : الداخل اللبناني وارتباطاته الخارجية ..

مجلة وفاء wafaamagazine

وفاء بيضون

بعد أن وصل حراك 17 تشرين 2019 الى أفق مسدود دون أن يتمكن من تغيير شيئٍ في الواقع اللبناني، حيث أخذه إلى مزيد من التأزم داخليًا، فضلًا عن محاولات الخطط الغربية التي أثبتت عجزها في استغلاله والدخول إليه وتحويله عن مراميه..

حصل انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020؛ حدثٌ مرتبط بكل ما يجري، بغض النظر عن التحقيقات حول أسبابه ودوافعه، هل هي مفتعلة أو ناتجة عن إهمال وتقصير؟
الغرب، بطبيعة الحال، لن يفوِّت فرصة التقاط اللحظة والنفاذ منها إلى الواقع اللبناني، فنرصد تباينًا في وجهات النظر، بين الثلاثي الخارجي الممسك بالقرار اللبناني حاليا (السعودية، الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا)، حيث التقطت كل جهة لحظتها من الزاوية التي تريدها..
السعودية، دخلت مباشرة على خط اتهام حزب الله، الأميركيون صوّبوا على “العهد”، الفرنسيون ذهبوا للحديث عن إعادة تأسيس لبنان الجديد بالتزامن مع المئوية الأولى لإنشاء دولة لبنان الكبير- فعادة الاتفاقيات الدولية تنتهي بعد مرور مئة عام على إبرامها- فالفرنسي دخل بشكل واضح على الملف اللبناني،وطبعًا بناء على توجيهات ومباركة أميركية

جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان ومارس دور الدولة الراعية للشعب اللبناني، نظّر وحاضر في ضرورة إعادة تركيب المشهد اللبناني الداخلي، بعد التيقن بأن اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1990 صار مكبلًا لا يفي بالهدف المرتجى منه.

بالعودة قليلًا إلى الوراء نرصد في المشهد اللبناني، بالحد الأدنى بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 إلى حرب تموز عام 2006، أحداثًا لم تستطع أن تغير الواقع السياسي المترنح، حزب الله بعد اغتيال الحريري أصبح جزءًا من الحكومة، وبالتالي كل هذه المصائب التي حلّت على لبنان، كانت بالإستراتيجية لمصلحة محور المقاومة ولمصلحة وجود حزب الله في الحكومة. وعليه، كانت الأولوية حاليًا في الذهاب لقلب هذه المعادلة، والعمل على تأسيس نظام جديد مع لحاظ آليات التوزيع الجديدة، ومن هنا انطلق شعار “الدولة المدنية”
ماذا تعني الدولة المدنية؟
وكيف تُفهم؟ وماذا يراد منها؟
وهل الدولة المدنية تعني العلمانية؟

عند الحديث عن الدولة المدنية تختلف التفسيرات، الدولة المدنية هي مصطلح سياسي ينادي بفصل الدولة أي فصل الحكم عن ثلاثة أمور :
أولًا- الدين : أي أن لا يكون الدين جزءًا من دستور البلد، سواء الدين الإسلامي أو المسيحي … وبالتالي يمنع رجال الدين من التدخل في أمور الدولة والحكم، ويستبعدون حتى عن المشاركة، فقط لهم مواقع روحية عليهم الاهتمام بها والتزامها.
ثانيًا- العائلة : في الدولة المدنية ليست العائلة مَن تحكم، تمامًا كما يحصل في حكم بعض الدول (الملك أو العائلة ) على سبيل المثال آل سعود في السعودية، الحكم للعائلة وهذا ما ترفضه الدولة المدنية.
ثالثًا- الدولة العسكرية: ويحكمها ضباط في الجيش، أو ضباط متقاعدون دون تدخل المؤسسة العسكرية، مثال: نظام الحكم في مصر ، الجيش له حصة وازنة داخل الحكومة، وكل الذين حكموا مصر هم ضباط وقادة في الجيش ووزراء دفاع وإلى ما هنالك..

إذًا، الفئات الثلاث المذكورة أعلاه (الدين، العائلة، والعسكر ) لا ينبغي أن تتدخل في القرار السياسي اللبناني بناءً على عنوان “الدولة المدنية”

بعضهم يتوسع بمفهوم الدولة المدنية إلى الأحوال الشخصية، وينادي بفصل موضوع الأحوال الشخصية عن موضوع الدولة أي سن قانون موحد للأحوال الشخصية، للسني والشيعي والمسيحي والدرزي واليهودي وكل من له وجود على هذه الأرض، ليخضعوا للقانون الموحد للأحوال الشخصية في معاملات الزواج والطلاق والميراث ووو… بالتالي يصار إلى حذف كل انتماء عن الهوية فلا وجود لشيء اسمه شيعي، سني، درزي، ماروني … إلى ما هناك

في لبنان، لم ترفض كل الأطراف السياسية الدولة المدنية، وكل الأحزاب أيدت الدولة المدنية كعنوان مع طلبات تفسير واضح حول مفهوم الدولة المدنية، بعض القوى السياسية اقترحت أن تكون الدولة المدنية في العنوان السياسي فقط ورفضت فكرة القانون الموحد للأحوال الشخصية، ووافقت عليها إذا ضمنت وصول الأكفاء إلى السلطة، مع المحافظة على التوزيع الحالي للرئاسات الثلاث كضمانة للطوائف، ثم إن قوى أخرى اقترحت ربطها باللامركزية الإدارية الموسعة ..

في المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020
طرح قيام عقد سياسي جديد، حرفيًا لم يذكر “الدولة المدنية”، لكن خلال لقائه مع الأطراف السياسية في لبنان في قصر بعبدا، أوحى بما يفيد (نحن نريد دولة مدنية بعيدة عن كل هذه الأجواء)، وقد أيدت جميع الأطراف طرحه ولكنهم أرادوا معرفة ماهية الدولة المدنية ومضمونها وتفاصيلها.

في ما خص تشكيل الحكومة في لبنان برئاسة الرئيس سعد الحريري فقد مرّت بأكثر من طور ومن مرحلة:

المرحلة الأولى: أنه قادم لتشكيل حكومة طابعها مدني يعني من الاختصاصيين، تكنوقراط من 12 ل 14 وزيرًا وأنه هو من يسمي الوزراء..
بالطبع، يستطيع تسمية 14 وزيرًا، ولكن هل الوزير الشيعي يمثّل “الثنائي الشيعي”، هل يمثل الشعبية والحيثية النيابية؟ فهذه الحكومة في نهاية المطاف لا بد أن تحصل على ثقة مجلس النواب، ومجلس النواب يشكل مجموع هذه الأطراف السياسية الحاصلة على أصوات الناخبين؛ تكتسب الحكومة شرعيتها من مجلس النواب.
الحصول على الثقة “بالقوة” لا يعطيها له دولة الرئيس نبيه بري وباقي الفرقاء السياسيين في المجلس النيابي.. هذه كانت المحاولة الأولى

أما المحاولة الثانية فكانت عقلانية وإيجابية أكثر وتجلت بالحديث مع كل الأطراف السياسية في لبنان بموضوع تشكيل الحكومة، ولكنه لا يريدها حكومة موسعة، بل يريدها حكومة مصغرة أو وسطى ما بين 14 إلى 18 وزيرًا أو 14 إلى 16 وزيرًا، وبعد تدخلات أطراف سياسية رسا التفاهم على تشكيل حكومة من 18 وزيرًا..

والمطلب الأميركي الواضح بالطبع كان عدم مشاركة “حزب الله” في الحكومة، مع أن الفرنسي في البداية تعاون مع الحزب واعتبره جزءًا من الحياة السياسية، ثم لاحقًا انقلب على موقفه!

الرئيس الحريري يرغب في تعاون الأقطاب السياسية معه في تشكيل الحكومة ولكن بشروطه دون تقديم أية ضمانات تتعلق بالمقاومة، أو بالتطبيع أو ضمانات تتعلق بترسيم الحدود البحرية..

حاليًا موضوع الحكومة عالق في مكانين:
لبنانيًا نحن ذاهبون إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية والنيابية سنة 2022، أي أن سنة 2021 هي سنة قانون الانتخاب لعام 2022، وهنا تكمن أهمية توزيع الحقائب وتأمين الخدمات الانتخابية، فالعائق بتشكيل الحكومة داخليًا هو الاتفاق على الحقائب!!