مجلة وفاء wafaamagazine
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحجر القاسي والمستمر، تنخفض معدلات العدوى والاستشفاء في جميع أنحاء البلاد رغم عدد الوفيات الكبير الذي يطال الشباب والمسنّين على حد سواء. وقد بدأت حملة التلقيح بما وَصَلَنا، لكن خبراء الأوبئة في العالم، بمعزل عن تفاؤل البعض، يتحدثون بتسميات رهيبة عما سيحدث إذا دخلت متغيرات الفيروس إلى مجتمعاتنا وتمازجت: موجة رابعة بقوة الإعصار، تسميات ردد احتمالاتها كبار العلماء لحث العالم بأجمعه على القيام بمجابهة ميدانية، في موازاة تسريع حملات التلقيح.
كتبت ماريانا معضاد في الجمهورية
في حديث لـ»الجمهورية»، يقول الأستاذ حميد السبعلي، الخبير في التكنولوجيا البيولوجية في مؤسسة «برايزن» لرصد وتشخيص الأوبئة»: «نحن مدعوون هذه الأيام وفي الأسابيع المقبلة لتحمل مسؤولية عنوانها «الحياة أو الموت»، وممارسة الوقاية الفردية من أجل كلّ منّا ومن أحبائنا. لا شك أنّ المتغير البريطاني مسؤول عن الإصابات القاتلة التي نعيشها، وأن المتغيِّرات الأخرى بدأت تتغلغل عبر الرحلات الدولية من الجنوب الأفريقي المقاوِم للقاحات اليوم، فضلاً عن المتغيِّر البرازيلي وربما التركي والبريطاني الجديد «البريستول» القاتل او «ليفربول»، او المتغير الهجين المتولد من تلاحم البريطاني والاميركي، والتعداد يطول بلائحة متغيرات وسلالات يُضاف عليها يومياً إسماً جديداً من بلد ارتفعت في احدى مناطقه يومياً وبصورة مفاجئة مئات الإصابات والمضاعفات.
المتغيرات تتغلغل إلينا
تدخل المتغيرات على أنواعها البلاد اليوم. ومن المؤكد أننا سنلقى صعوبة في التنبؤ بما سيفعله الفيروس في موجة رابعة. قد تصيب هذه الموجة من لم يصب بالسابق، ومن عانى العدوى وتغلب عليها، ومن تلقوا اللقاح. والأخطر هي العدوى والإصابات لدى شخص واحد بمتغيرات مختلفة وعديدة في سابقة لا نعرف وقعها ومضاعفاتها.
تجعل المتغيرات التقديرات أكثر صعوبة، كما هو الحال مع ارتفاع معدل التطعيم رغم قلة عدد الملقَّحين، ومع تخفيف بعض تدابير الصحة العامة. وإنّ نقص المعلومات الديموغرافية حول من يتم تطعيمه، والمراقبة المحدودة لوقع اللقاح، يجعل من الصعب معرفة بالضبط مدى خطورة الموجة الرابعة وأعراضها ومعدل وفياتها. وقد اجتمعت كل هذه العوامل لجعل الصورة غامضة للغاية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وعلى أرض الواقع، إنّ زيادة كبيرة في جهود التلقيح هي حاجة ملحة، لكن ما باليد حيلة، فالكميات محدودة وأنواع اللقاحات يُشَكُّ بفعاليتها ضد كل السلالات، لكنها تبقى ضرورية، حتى يتوصل العلماء إلى حلول أخرى تحمينا من أكبر عدد ممكن من المتغيرات أو السلالات الجديدة.
معضلة اليوم: «لقاح آمن» أم «لقاح فعال»؟
من المعيب اليوم الحديث عن مضاعفات اللقاحات، إذ إنّ أغلبها خفيف، وأصعبها مقبول طبياً واجتماعياً. السؤال الحقيقي اليوم يدور حول فعالية اللقاحات. فتُعَدُّ استجابة اللقاحات المختلفة لهذه الأشكال الجديدة من فيروس كورونا مصدر قلق. على سبيل المثال، أظهر لقاح جونسن وجونسن فعالية عامة بنسبة 57 % فقط في جنوب إفريقيا ضد العدوى المتوسطة إلى الشديدة. وأبلغت شركة نوفافاكس عن معدل فعالية بلغ 49.4 % من تجربة سريرية أجريت في جنوب إفريقيا.
أما فايزر وموديرنا، فتأكَّدت فعاليتهما بنسبة 95 % على الحالات الحادة، وهي الأهم لتفادي الوفيات، وتعلن أنها بصدد إنتاج لقاح معدَّل لكل الحالات، بعد أن أكّدت دراسة جامعية أميركية أن كميات مضادات الأجسام المتولدة من لقاح فايزر لا تتعدى الثلث، فأين نحن من كمية تحمي من كل الأعراض؟ ناهيك أننا لا نعرف ما إذا كانت اللقاحات ستكافح الطفرات الجديدة، مثل تلك التي تم تحديدها مؤخراً في بريستول، والتي هي جزء من «الإعصار» المحتمل في الأفق.
كيف نواجه الموجات الآتية؟
وفقاً للخبراء، سيتطلب التغلب على موجات الجائحة إدارة تلقيح أسرع بكل الأشكال ومع كل التعديلات، وإلى مراقبة التسلسلات الجينية بشكل أفضل. وسيتطلب الأمر أيضاً استراتيجيات تخفف من انتقال العدوى نفسها التي تمت التوصية بها منذ ظهور الوباء. ويظل استخدام الكمامات بشكل مناسب، والالتزام بالتباعد الجسدي، والحد من تمضية الوقت في أماكن مغلقة بين الأشخاص الذين لا يعيشون معاً، مفاتيح الوقاية. ومع دخول الوباء عامه الثاني، يخشى البعض من أن يؤدي التعب إلى استرخاء عام.
الكمامات استراتيجية قوية لتفادي الكثير على صعيد الفرد. ونلفت إلى أنّ كمامة القماش لم تعد تكفي، لأن كمية الفيروسات الجديدة في القطرات بمئات الآلاف، والقماش ثقوبه أكبر بثلاث مرات من حجم الفيروس. إذاً، يبقى ارتداء كمامتين جراحيتين المعيار الأفضل اليوم، أو أقله كمامة جراحية تحت كمامة القماش… وعلى الجميع الالتزام بوضع الكمامات، حتى للملقحين.
في انتظار لقاح شامل
وبانتظار لقاح أُمَمِي يحمي من جميع متغيرات الفيروس، يبقى المجهول في مقدار «إعادة العدوى» (reinfection)، العامل الأهم لمعرفة قوة اللقاحات الحالية وفعاليتها. كما يجب التمييز بين الإصابات بمتغيرات الفيروس، ومضاعفاتها التي تمتد بين أيام وأسابيع، وحتى أشهر، أي ما يسمى بـ«كوفيد طويل المدى».
إنّ احتمالات موجة عدوى رابعة أكثر خطورة خلال الربيع او الصيف كبيرة. ورغم اننا متأخرين ببرنامج اللقاحات، فمن المرجّح أن تضاف إعادة التطعيم (الحقن المعززة) للمتغيرات الجديدة إلى هذا الجدول الزمني. وعلينا التوجه اليوم إلى لقاح يأتي بالمنافع على الفرد والمجتمع. وما زلنا ليومنا هذا نأمل بإزالة الكمامة عن أفواهنا، لنعود إلى زمن تُعلِّمُنا الطبيعة قيمته الحياتية».