الأخبار
الرئيسية / آخر الأخبار / الراعي: مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان

الراعي: مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان

مجلة وفاء wafaamagazine

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد البشارة لمناسبة الذكرى السنوية العاشرة على توليه السدة البطريركية في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان بولس روحانا ويوسف سويف، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور جوزيف سبيتاري، ولفيف من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال طلال الحواط، رئيس الرابطة المارونية النائب السابق نعمة الله ابي نصر، رئيس تجمع “موارنة من أجل لبنان” المحامي بول يوسف كنعان، السفير خليل كرم، رابطة قنوبين للرسالة والتراث، والأسرة البطريركية.

بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “في الشهر السادس، أرسل الملاك جبرائيل من عند الله” (لو 1: 26)، قال فيها: “التحديد التاريخي بالشهر السادس لا يرتبط فقط بالبشارتين، الأولى لزكريا وعدا بابن اسمه يوحنا، والثانية بعد ستة أشهر لمريم بأنها ستكون أم إبن الله بقوة الروح القدس، بل يرتبط أيضا بعمل الله الذي يواكب تاريخ البشر، ويحقق فيه تدبيره الخلاصي بموآزرتهم، مختارا أشخاصا لهذه الغاية. إنه لاهوت الزمن الذي تقدمه لنا الليتورجيا، وتعتبره إنفتاحا دائما على تجليات الله، وانتظارا لها في مسيرة الرجاء.

أمنا وسيدتنا مريم العذراء تشكل لنا المثال في دعوتها ودورها في التدبير الخلاصي. كلنا بالمعمودية اُشركنا بدعوة عامة في هذا التدبير، ونحن الذين دعينا بالدرجة المقدسة إلى الكهنوت والأسقفية، أنعم علينا الله بدعوة خاصة. نسأله بشفاعة الكلية القداسة مريم العذراء سيدة البشارة، أن ينعم علينا بنعمة الجهوزية التي ميزتها، والطاعة الدائمة لإرادته القدوسة كيفما تجلت، على مثالها.

يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية في الذكرى السنوية العاشرة لإنتخابي من آباء السينودس المقدس، بإلهام من الروح القدس، وتوليتي “أبا ورأسا” لكنيستنا السريانية الأنطاكية المارونية. إننا نرفعها ذبيحة شكر لله على هذه السنوات العشر، وعلى ما أفاض من جودته على كنيستنا من نعم وبركات. وأذكر فيها إخواننا المطارنة الذين تعاونت معهم وقد سبقونا إلى بيت الآب، وأذكر على رأسهم سلفي المثلث الرحمة البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس صفير. متعهم الله جميعا برؤيته السعيدة في المجد السماوي. كما أذكر بصلاتي في هذه الليتوجيا الإلهية كل إخواني السادة المطارنة، أعضاء السينودس المقدس، أكانوا في لبنان أو داخل النطاق البطريركي، أم في بلدان الإنتشار. إنني أجدد لهم ولكم، أيها المشاركون معنا بحضوركم، التزامي بموجبات خدمتي، متكلا على صلاتكم ومؤآزرتكم. فنحن جسم واحد رأسه المسيح، “راعي الرعاة العظيم”.(1 بط 5: 4)

وقال باللغة الفرنسية، مرحبا بالسفير البابوي: “أريد ان أحيي سعادة السفير البابوي كممثل لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني، وأغتنمها مناسبة لاجدد نذوري الراعوية التي منحني إياها البابا بيوس 16. شكرا سعادة السفير لمشاركتنا هذه الليتورجيا الالهية ولانكم تنقلون مشاعر الاخلاص التي نكنها لقداسة البابا فرنسوا وصلواتنا التي نرفعها لاجله”.

لقد إخترت، يوم إنتخابي في 15 آذار 2011، شعارا أملاه علي الجو الذي تمت فيه عملية الإنتخاب، وهو: شركة ومحبة. الشركة كإتحادٍ عامودي مع الله، ووحدةٍ أفقية مع جميع الناس. والمحبة كلحمة تشد عرى الشركة ببعديها العامودي والأفقي.

على هذا الأساس قمت بخدمتي بكل إستعداد ونية حسنة. ولكن الكمال عند الله، والخطأ يقع فيه الجميع عن قصد أو عن غير قصد. فيؤسفني أن تكون الشركة والمحبة قد جُرحتا مع الله ومع هذا أو ذاك من الأشخاص أو الجماعة. فهي مناسبة لطلب المغفرة. ولهذا أقدمها ذبيحة استغفار.

إني بروح الشركة والمحبة حفظت العلاقة الطيبة مع الجميع في بلادنا، وقد قلدوني جميلا لا أنساه بحضورهم الإحتفال بتوليتي في 25 آذار 2011. وقمت بالزيارات الراعوية إلى جميع الأبرشيات في لبنان والنطاق البطريركي، ما عدا أبرشية حلب العزيزة بداعي انقطاع الطرقات بنيران الحرب، وإلى جميع أبرشيات الإنتشار. ويسعدني أن أقدم لكم اليوم الجزء الأول من زياراتي الراعوية في سنتي 2011 و2012 إلى بلدان الإنتشار. كانت العادة أن أقدم في مثل هذا اليوم رسالة عامة راعوية، وكانت الأخيرة في العام الماضي بعنوان: “الميثاق التربوي الوطني الشامل: شرعة الأجيال اللبنانية الجديدة”. لكني رأيت من الضرورة إعطاءها المزيد من الوقت لإنتشارها وتطبيقها. فأكتفي بإعلان هذا الجزء الأول من زياراتي الراعوية إلى أبرشيات الإنتشار وتوزيعه. وفي المناسبة أشكر مكتبنا الإعلامي الذي جمع الأوراق والأحداث، بإدارة المحامي وليد غياض، والسيد جورج عرب الذي حقق المجموعة والمحامي بول يوسف كنعان الذي إعتنى بالإصدار. كافأهم الله جميعا بفيض من نعمه.

واتخذ شعار “شركة ومحبة” بعدا إجتماعيا وإنسانيا، من جراء الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الخانقة. فكانت البطريركية والأبرشيات والرهبانيات والمؤسسات التابعة لها حاضرة لمساعدة العائلات والأفراد في حاجاتهم المتنوعة. وفي بداية العام الماضي، على إثر انفجار مرفأ بيروت، والأزمة الحكومية، واشتداد الأزمة الإقتصادية والنقدية، أسسنا، بتنظيمٍ من المركز الماروني للتوثيق والأبحاث، هيئة طوارئ تنسيقية باسم “الكرمة”. شارك في هذا التأسيس البطريركية والأبرشيات والرهبانيات والمنظمات والهيئات الخيرية والإنسانية، وعلى رأسها كاريتاس لبنان التي وضعت إحصاءتها وأقاليمها ومراكزها في هذه الخدمة، وعززت برامجها بحيث غطت خدمة المحبة الإجتماعية كل الأراضي اللبنانية بالتعاون مع الأبرشيات والرعايا.

وتأسست منظمة Solidarity بالتعاون بين المؤسسة المارونية للإنتشار والرهبانية اللبنانية المارونية ومؤسسة جيلبير وروز شاغوري، وهي تجمع المساعدات وتوزعها مشكورة في كل المناطق متخذة أديار الرهبانية مراكز للتوزيع.

وتجدر الإشارة إلى ما تقوم به المؤسسة البطريركية العالمية للإنماء الشامل التي أخذت على عاتقها ترميم كنيسة مار ميخايل قرب المرفأ وشارع مار مخايل، بالإضافة إلى بطاقات التموين لأكثر من ألف عائلة، وهي على تزايد. كما نذكر أيضا المساهمات التي تقدمها “الرابطة المارونية” في مختلف المبادرات.

ذكرنا هنا ما يدخل في إطار مؤسسات كنيستنا المارونية حصرا. لكنني أذكر معكم بالشكر والتقدير المؤسسات الإنسانية الأخرى، وبخاصة رابطة كاريتاس لبنان، جهاز الكنيسة الإجتماعي الرسمي في لبنان، والبعثة البابوية، والصليب الأحمر، والعديد من أمثالها، يضيق الوقت لتعدادها كلها. ولا ننسى المحسنين الإفراديين والمتطوعين، شبيبة واختصاصيين. ومعكم نوجه الشكر للدول التي سارعت إلى مد يد المساعدة للأشخاص والمؤسسات المتضررين من إنفجار مرفأ بيروت، ونرجو إستمراريتها مشكورة.

الآن والأزمة السياسية وتداعياتها الإقتصادية والمالية والمعيشية تشتد أكثر فأكثر، ترانا أمام واجب إستنباط طرق إضافية لمساعدة شعبنا الجائع والمحروم من المال والدخل والخبز والمواد الغذائية والأدوية. فالأوضاع لا تحتمل التأجيل، وخدمة المحبة تقتضي تنظيما أوسع.

وبروح “الشركة والمحبة”، تعاطينا الشأن الوطني، وحملنا قضية لبنان في زياراتنا الراعوية الداخلية والخارجية، مطالبين بتحييد لبنان عن الصراعات والحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، وقد أحدثت في الداخل اللبناني إنقساما سياسيا أدى إلى تأخير الإنتخابات النيابية وتعطيل الإنتخابات الرئاسية سنتين ونصفا، وتعليق العمل بالدستور، وشل المؤسسات الرسمية، وقيام أعمال إرهابية قمعها جيشنا وانتصر، وتغييب لبنان عن العرب والعالم، وقد ساد الفساد وانتشر، فإنهار لبنان إقتصاديا وماليا، وجاءت جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت لينهكا البلاد. ومن ناحية أخرى كنا نطالب بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبعودة المليون ونصف نازح سوري إلى وطنهم ومساعدتهم على إستعادة حياتهم فيه بكرامة، ومتابعة كتابة تاريخهم على أرضهم، والمحافظة على حضارتهم لئلا تتبدد. فقيمة الشعوب والبلدان في حضاراتهم.

لقد واكبنا طيلة هذه السنوات جميع التطورات ولم نحجب نصيحة أو مساعدة، وبذلنا جهودا مضنية لإقناع المعنيين بسلوك طريق الثوابت اللبنانية ومنطوق الدستور من دون اجتهادات عبثية لا تفيد أحدا. وضغطنا لإجراء الإصلاحات الضرورية في مؤسسات الدولة والمجتمع والمناطق لمنع سقوط البلاد.

ما كنا نتصور يوما أن يبلغ لبنانُ، منارةُ الشرق، ولقاءُ الحضارات، هذ الدرْك من الانحطاط والتقهقر. ما كنا نتصور يوما أن تتنازل الشرعيةُ عن قرارها وحقها وصلاحياتها وتصبح رهينة لعبة المحاور الإقليمية. ما كنا نتصور أن تفشل الدولة بعد مئة سنة على وجودها الديمقراطي في تأليف حكومة.

إننا بحكم مسؤولية هذا الصرح الوطنية والتاريخية، مصممون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين، ولن نيأس. لهذا السبب طالبنا بتحرير الشرعية والدولة، ووجهنا نداء إلى أشقاء لبنان وأصدقائه في بلاد العرب والعالم لمساعدة لبنان. ولهذا السبب اقترحتا اعتماد الحياد الناشط ليستعيد لبنان توازنه واستقراره. ولهذا السبب دعونا الأمم المتحدة إلى رعاية مؤتمر دولي خاص بلبنان. ولهذا السبب نجدد دعوتنا إلى النهوض من كبوة تأليف الحكومة فيضع الرئيس المكلف تشكيلة حكومية ممتازة ويقدمها إلى رئيس الجمهورية ويتشاورا في ما بينهما بروح صافية ووطنية إلى أن يتفقا على الأسماء الجديدة وتوزيع الحقائب في إطار المساواة وعلى أسس الدستور والميثاق.

إن تزامن خدمتي البطريركية، في ذكرى سنتها العاشرة، مع بداية مئوية لبنان الثانية، يضعني أمام واجب جعل خدمتي نذرا لله بالصلاة اليومية والعبادة، ونذرا للبنان الوطن الروحي للموارنة حيث فيه كل جذورهم وتراثهم، بالتضحيات التي تتواصل من جيل إلى جيل. لكن لبنان كدولة مدنية هو لجميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين. والحفاظ عليه مسؤولية جماعية تشارك فيها كل المكونات اللبنانية، كعلامة لإيماننا المطلق بوحدة لبنان وهويته ودوره في الشرق والعالم. المئوية الثانية تقتضي تأسيس لبنان الكبير لا على الأرض، بل في وجداننا جميعا وفي عقولنا وقلوبنا. وتقتضي الإعتراف بنهائية الوطن اللبناني لا كإعلان دستوري فقط، بل كفعل إيمان عاطفي وعفوي وكمسار تاريخي وحضاري في حياتنا الوطنية. قدرنا الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء سيدة البشارة، أن نفي معا هذا النذر تمجيدا لله الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.