مجلة وفاء wafaamagazine
يسود الإعتقاد انّ تشكيل الحكومة العتيدة بات حلماً بعيد المنال. وإن بقيت المعادلة على ما هي من فرز بين مؤيّد للرئيس المكلّف سعد الحريري ورافض له، فإنّ الاعتذار بات قاب قوسين او أدنى. وهو ما سيفتح الباب امام سيناريوهات عدة، احدها يقول بإعادة تكليفه، ما لم يرمّم رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل علاقاتهما بالاطراف الاخرى. وعليه ما الذي يقول به هذا السيناريو؟
كتب جورج شاهين في الجمهورية
ليس من قبيل المصادفة ان ترتفع اللهجة وتصدح المكاتب الاعلامية الرسمية المتنازعة من اجل تدبيج الأسباب الموجبة التي وضعتهم في مواقع متناحرة. فالمواجهة ليست سهلة، وخصوصاً انّ من بين أقطابها من يتمتعون بالمواقع الشرعية «المفتاحية» التي تقود الى التأليف. وهو ما يوحي انّ المواجهة محتدمة قياساً على ما هو قائم من توازن ثابت، لا يؤدي استمراره الى اي مخرج او حل لما نحن عليه من ظروف قاتلة.
فعدم التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة ينتظرها اللبنانيون والعالم المتضامن معهم، يفيض بنتائجه السلبية بما لا يحتمل من أوجه المعاناة الانسانية والاجتماعية والاقتصادية وحتى النفسية منها، نتيجة ارتفاع منسوب القلق على المستقبل القريب والمخاوف من قرب الارتطام الكبير. ورغم ذلك، فإنّ تعطل مختلف الوساطات الداخلية والخارجية، ابقى المعادلة على ما هي، وصولاً الى احتمال اعتذار الحريري قريباً.
فكل الأجواء توحي انّ رئيس الجمهورية، ومن معه في المواجهة، قد اعلن الطلاق اكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، مع القوى التي لا تجاريه في مجموعة المعايير التي وضعها تجاه التشكيلة الحكومية وهيكليتها، بدءاً من موقع الرئيس المكلّف الى آخر الحقائب التي يمكن ان تخضع للنقاش، وخصوصاً بعد القول انّ تركيبة الـ (8+8+8) باتت في نظره مثالثة مقنّعة ومرفوضة، وهو ما يعيد عملية التأليف الى نقطة الصفر.
والدليل الذي يقود الى هذه المعادلة لم يعد خافياً على احد، فقد نُسفت كل الجسور بين بعبدا وعين التينة، لتضيف مزيداً من الانهيارات في العلاقات التي وسعّت هامش القطيعة بين القصر الجمهوري والبياضة من جهة، ومعظم القوى السياسية من جهة أُخرى. ولم تظهر حتى الآن انّ هناك اي قوة مميزة الى جانبهما في ظل المواقف الملتبسة لـ «حزب الله» مما جرى أخيراً. فقد طاوله بعض الغمز واللمز عن عدم وقوفه الى جانب العهد في بعض الملفات الخلافية، والتي زاد منها الاعلان الصريح عن رفض «الجهود المشكورة» لعين التينة، في ظل رهان «حزب الله» عليها في السرّ والعلن.
ويعتقد المراقبون، انّ التوسع في هذا المجال لا يفيد. فقد اثبتت التطورات استناداً الى المواقف المعلنة وغير المعلنة، انّ كل الطرق الى عملية التأليف قد سُدّت. وليس في الأفق ما ينبئ باحتمال بلوغ هذه المرحلة، وانّ صاحب العلاقة ما زال يفكّر في الاعتذار في انتظار الظروف الملائمة التي تفرض مزيداً من المشاورات مع عين التينة ومواقع اخرى مؤثرة، تتوزع بين مواقع حزبية وقيادية، عدا عن مرجعية دار الفتوى ورؤساء الحكومات السابقين، وهو ما قد لا يطول وبات موعده رهناً ببعض الخطوات التي لا بدّ منها.
وعليه، فإنّ من بين السيناريوهات المتداولة في مجالس خاصة عن مرحلة ما بعد الإعتذار، ما ينبئ بالقليل مما هو حاسم. فهامش الحركة ضاق الى الحدود القصوى، وبات الأقرب منها الى واقع الامور، ان تأتي الاستشارات النيابية الملزمة متى دعا اليها رئيس الجمهورية مجدّداً، بالحريري الى الموقع عينه.
وفي ما هو متداول، قول صريح انّه لن يتجرأ «حسان دياب» آخر على قبول المهمّة اياً كانت الظروف المؤدية اليها. فما بلغته حدّة المواجهة اقفل الطريق على إمكان اعداد لائحة أخرى من المرشحين المحتملين للتكليف، وان أُعدت نسخة منها في البياضة او بعبدا، وهو ما سيؤدي حتماً الى مزيد من التأزّم، ما لم تحصل اعجوبة من مكان ما في الداخل او الخارج، لتعديل الستاتيكو القائم او اعادة فتح قنوات التواصل بين بعبدا وما هو مقفل في وجهها مجدّداً.
وإن عاد البعض من المراقبين الى محطات تاريخية سابقة، فلم يجدوا في ما هو مطروح خطوة مفاجئة او جديدة. فالتجربة الحالية دعت الى استذكار المحطة التي اعتذر فيها الحريري عن مهمّته في العاشر من ايلول العام 2009 مقدّماً اعتذاره بعد 73 يوماً على التكليف الى الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان في مقره الصيفي في بيت الدين، معدّداً الأسباب الموجبة للخطوة برفضه «وجود من يعطّل المهمّة» في مواجهة كانت مفتوحة بين اكثرية 14 آذار واقلية 8 آذار. ولافتاً الى عقدة تضامن الضاحية الجنوبية مع الرابية، حيث كان يقيم العماد عون، ساعياً الى فرض وزرائه مدعوماً من الحزب، الذي لم يشأ التعاون مع الرئيس المكلّف قبل تسوية الخلاف المحتدم مع الرابية. ولذلك ربط الحريري يومها اعتذاره بعدم القدرة على التضحية بنتائج انتخابات العام 2009 رغم ما قدّمته الاكثرية بقبولها الشراكة مع الاقلية.
وإن عاد البعض الى تلك المرحلة، فلا ينسى انّ إعادة تكليف الحريري بعد فترة قصيرة سمحت بحلّ العقدة ودخل الوزير جبران باسيل الى الحكومة بالحقيبة التي ارادها، بالطريقة التي يرغب فيها التيار وحلفاؤه مع ثلث معطّل وبوجود وزير ملك. وعندها استبقت الرابية مراسيم التشكيل بإذاعة أسماء وزرائها بصورة تذكارية جمعتهم قبل الصورة التقليدية للحكومة العتيدة. وقيل يومها انّ الحكومة تُشكّل في الرابية وليس في قصر بعبدا.
لا تدعو الحاجة الى اعادة التذكير بمسلسل اعتذارات الرئيس المكلّف وهي متعددة، يعود بعضها الى عبد الحميد كرامي، الذي قدّم استقالة شفوية في 20 آب 1945 الى بشارة الخوري، الذي اعاد تكليفه بعد فترة، لكنه اعتذر مجدداً عن عدم القبول به. وفي العام 1969 استقال رشيد كرامي بعد حوادث «ايلول الاسود» وأُعيد تكليفه الى ان شكّل حكومة قادت الى توقيع «اتفاق القاهرة». وفي العام 1973 بعد اغتيال القادة الفلسطينيين في فردان، استقال صائب سلام، فكلّف سليمان فرنجية امين الحافظ ولم يتمكن من تشكيل حكومة، فاعتذر لمصلحة الرئيس تقي الدين الصلح. وبعدها بعام (1974) اصطدم صائب سلام بإصرار فرنجية على توزير نجله طوني وتسليمه حقيبة الهاتف والبريد، فكلّف تقي الدين الصلح تشكيل الحكومة واعتذر عن عملية التاليف في ايلول 1980.