مجلة وفاء wafaamagazine
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، عاونه النائب البطريركي المطران جوزيف نفاع، المطران بولس الصياح، المونسنيور وهيب كيروز، القيم البطريركي على الديمان الاب طوني الآغا، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، رئيس مزار سيدة حريصا الاب فادي تابت.
حضر القداس، سفير باليز في أميركا الوسطى سركيس أبو نهرا، الهيئة الادارية الجديدة للتعاونية الزراعية في تنورين برئاسة المهندس رجا سركيس، رئيس مركز القوات اللبنانية في الديمان المحامي ماريو صعب، وعدد من الكهنة والراهبات وجمع من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس ألقى الراعي عظة، قال فيها: “مغفورة لك خطاياك! إيمانك خلصك! إذهبي بسلام” (لو 7: 50) ثلاث كلمات مترابطة ومتكاملة ظهرت في حادثة إنجيل اليوم: الإيمان والغفران والسلام. المؤمن يلتمس الغفران من الله، وينعم بسلام المصالحة. المرأة الخاطئة المعروفة في المدينة، أظهرت بمادرتها إيمانها النبوي بيسوع الذي بمحبته يغفر خطاياها؛ ومحبتها العظمى له الظاهرة في أفعال تواضع وتوبة؛ وسلطان يسوع على مغفرة خطايا البشر. استحقت المرأة الخاطئة غفران خطاياها بفضل إيمانها الذي عبرت عنه بتكريم يسوع بأثمن ما تملك. فسكبت الطيب على قدميه، ونشفتها بشعرها زينة جسدها، وذرفت عليها دموع التوبة فسمعت من فم الرب: “مغفورة لك خطاياك! إيمانك خلصك! إذهبي بسلام” (لو 7: 50). يسعدني أن نحتفل معكم بهذه الليتوجيا الإلهية، فأرحب بكم جميعا وبخاصة بالهيئة الإدارية الجديدة لتعاونية تنورين الزراعية برئاسة المهندس رجاء سركيس. أتت لتعلن من هنا مطالبها وهي: التواصل مع دول الخليج ومصر وسائر الدول العربية من اجل فتح أسواقها أمام التفاح اللبناني، وهذه الدول تشكل سندا أساسيا؛ مطالبة الدولة بتأمين المازوت والمحروقات لتشغيل برادات التفاح المتوقفة حاليا بسبب فقدان هذه المادة وارتفاع الكلفة بشكل جنوني؛ دعم مزارعي التفاح الذي يشكل العامود الفقري للزراعة اللبنانية؛ التواصل مع الاغتراب اللبناني لتسويق التفاح اللبناني في الاسواق العالمية”.
وتابع: “ما صنعت المرأة الخاطئة بفعل إيمان وحب وتوبة كان غريبا جدا عن سمعان الفريسي الذي كرم يسوع بوليمة خارجية بعيدة عن أي إيمان وحب داخلي تجاه يسوع. الخاطئة رأت يسوع إلها، أما الفريسي فرآه إنسانا عاديا. بفعلة الخاطئة انكشفت أفكار الفريسي المشكك بيسوع. فضرب له الرب مثل الدائن والمديونين ليدعوه للتمثل بتوبة هذه المرأة بندم كبير وحب شديد للفادي الإلهي. هذه دعوة موجهة إلى كل واحد وواحدة منا. ما فعلته المرأة الخاطئة كان نبويا، إذ طيبت جسد الفادي الإلهي قبل تطييبه عند موته. فعلت ذلك باسم جميع الخطأة الذين افتداهم المسيح، وغسل خطاياهم بدمه الـمراق على الصليب. ولذا تكرم الكنيسة صليبه وتسجد له، وتلتمس منه الغفران وتقبله، وتعبد الفادي الإلهي، وترى علامات آلامه وتواصلها في المتألمين. فتعتني بالجريح، وتؤاسي البائس، وتكون إلى جانب الفقير والمعوق والمهمل، وتطيبهم بعطر النعمة والعزاء الإلهي والفرح الروحي. الغفران هو أثمن عطايا الله، لأن منه تولد المصالحة، ويدخل السلام إلى القلوب. غفران خطايانا يأتي من الله، لكن إلهنا يريدنا أن نغفر نحن أيضا بعضنا لبعض، لكي نضع حدا للعداوة والنزاعات والبغض، ويعم السلام في المجتمع. لبنان بحاجة إلى مصالحات، وعلى الأخص بين المسؤولين السياسيين، وبينهم وبين الشعب، وبينهم وبين السياسة، هذا الفن الشريف لخدمة الخير العام.
شعبنا ناقم على المسؤولين السياسيين، بل على كل السياسيين، لأنهم مازالوا منشغلين بالتافه من الحصص والحسابات، فيما الشعب متروك فريسة الجوع والقهر والفقر والإذلال والهجرة؛ وناقمٌ عليهم لأنهم يعطلون المتوفر من الحلول السياسية والإقتصادية والمالية والتربوية والمعيشية، ولا يريدون أن يتصالحوا مع شعبهم؛ وناقمٌ عليهم لأنهم يصمون آذانهم عن سماع الذين، من أجل لبنان واللبنانيين، ينصحون ويرجون التوقف عن سياسة التدمير الذاتي، والإسراع في تشكيل حكومة إنقاذية تكون بمستوى التحديات، حيادية غير حزبية وغير فئوية، تتألف من ذوي كفاءات عالية، تثير أسماؤهم الإرتياح والأمل بحكومة ناجحة.
مقابل هذه الإلتفاتة النبيلة من الدول الصديقة شرقا وغربا، بات من واجب قادة البلاد والأحزاب والحراك الشعبي، أن يتشاوروا في ما بينهم ويلتفوا من أجل اتخاذ القرارات الوطنية وتقرير الخطوات الضرورية لدفع الدولة إلى تغيير أدائها قبل الانهيار الكبير الذي لنْ يوفر أحدا. فلا يحق لهم أن ينتظروا التطورات من دون المساهمة في صناعتها”.
أضاف: “إن المداهمات التي قامت بها الأجهزة الأمنية أخيرا على مستودعات المحروقات ومخازن الأدوية ومخابئ الأغذية، تكشف أن الفساد ليس محصورا في الطبقة السياسية، بل هو منتشر بكل أسف في المجتمع اللبناني. وإذ نشجع هذه الأجهزة على توسيع مداهماتها لتشمل جميع المحتكرين وحاجبي الحاجات الحياتية والصحية عن الناس، ندعوها أيضا وبخاصة إلى إغلاق المعابر الحدودية ومنع التهريب. فكل إجراء إداري يتخذ يبقى ناقص المفعول ما لم تغلق معابر التهريب بين لبنان وسوريا. وندعو القضاء إلى ملاحقة المحتكرين والمهربين بعيدا من الضغوط السياسية والطائفية والمذهبية. فكل مسؤول سياسي أو مالي أو أمني مهما علا شأنه يجب أن يدان، حسب الأصول، في أي قضية باسم العدالة الشاملة. ثم أين أصبح التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ فمن حق أهالي الشهداء واللبنانيين عموما أن يعرفوا تطورات التحقيق من دون الدخول في أسراره. وما هو مصير الاستدعاءات بحق نواب ووزراء ورؤساء أجهزة أمنية وعسكرية، فلم التأخير؟ ولم تراكم الاستدعاءات من دون متابعتها وحسمها؟ وإذا كنا نحرص جميعا على المقامات ونعرف حساسيات البلاد، فهذا لا يلغي تمسكنا بجلاء الحقيقة بشأن قضية أسفرت عن تدمير المرفأ ونصف المدينة، وأوقعت أكثر من مئتي ضحية وإصابة أكثر من ستة ألاف مواطن ومواطنة بإعاقات وجروح”.
وتابع: “إذ نحيي جميع القادة السياسيين والروحيين، ندعوهم جميعا إلى تخطي هذه المرحلة ومنع أي إجراء يؤثر على وحدتنا الوطنية التي تعيش أياما حرجة. نحن حريصون على احترام المقامات والمرجعيات، ولا يرتفع مقامٌ بالمس بمقام آخر. واجبنا أن نتكاتف ونوقف السجالات والاتهامات من أجل عبور الصعاب وإنقاذ لبنان. إن الأجواء المشحونة لا تحتمل مزيدا من التشنج وفتح معارك جانبية. يدنا بيد الجميع من أجل خلاص لبنان. نحن ضد تسييس التحقيق وتطييفه وتعطيله! نحن ضد استثناء أحد من الاستجواب خصوصا أن رئيس الجمهورية أعلن استعداده للمثول أمام قاضي التحقيق. نحن ضد تحويل قاضي التحقيق متهما. نحن ضد تصفية حسابات سياسية على حساب أهالي الضحايا والشهداء. لقد اعتبر العالم جريمة المرفأ أكبر انفجار منذ هيروشيما، ونحن ما زلنا نتساجل حول الحصانات. كل المرجعيات، كل القيادات، كل الأحزاب، دون استثناء تحت القانون”.
وختم الراعي: “إذ نتفهم دواعي التفكير بالهجرة الموقتة في ظل الفقر والبطالة والضيقة المعيشية، فلبنان يدعونا بالمقابل إلى تضحيات إضافية ليبقى ويصمد بوجوه جديدة من الحكام والمسؤولين. إن الهجرة هي أخطر نزف يتعرض له مجتمعنا. نحن في حالة حرب. والبقاء هو أساس الإنقاذ. فكلما هاجر مواطن نخسر معركة، فلنظل معا لنربح كلبنانيين أجمعين الحرب التي تشن على أمتنا العظيمة. إنا في كل ذلك نتكل على عناية الله الذي له كل مجد وشكران، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.