الرئيسية / آخر الأخبار / الدولة والبنك الدولي: مَن يُفسد مَن؟…«التكاليف التشغيلية» تقضم 10% من قرض البطاقة التمويلية

الدولة والبنك الدولي: مَن يُفسد مَن؟…«التكاليف التشغيلية» تقضم 10% من قرض البطاقة التمويلية

مجلة وفاء wafaamagazine

فضيحة جديدة أقرّها مجلس النواب، بغالبيته، تتعلق باقتطاع 22 مليون دولار من قيمة المشروع المخصص لدعم العائلات الفقيرة من خلال برنامج شبكة الأمان الاجتماعي لتجييره إلى فريق عمل البنك الدولي لصرفه على تنفيعات وتكاليف وهمية. المفارقة أن «السياديين» الذين احتفلوا منذ 5 أشهر بتوفير هذه الملايين لدعم الفقراء، رضخوا لشروط البنك وأعادوا انتشالها من فم هؤلاء الفقراء. وعلى رغم أن الاتفاق عبارة عن قرض مستحق على الدولة لا هبة مجانية، ارتضى مجلس النواب ورئيس الحكومة إطلاق يد البنك الدولي لصرفه كما يراه مناسباً

رلى ابراهيم 

الثلاثاء الماضي، أقرّ المجلس النيابي تعديلات طلبها البنك الدولي على اتفاقية القرض بينه وبين الدولة اللبنانية لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار، والتي وافق عليها المجلس قبل 5 أشهر. آنذاك، زايد النواب على بعضهم بعضاً بالحرص على تجيير كل دولار ممكن إلى الفقراء، فحوّلوا المبلغ المقتطع من قيمة القرض والبالغ 22 مليون دولار كمصاريف تشغيلية للشركات الأجنبية وموظفيها وبدل إعلام وإعلان (200 ألف دولار)، لصالح العائلات. حصل ذلك بإلحاح من حكومة حسان دياب ووزيرة الدفاع السابقة زينة عكر المكلفة بهذا المشروع. في 15 حزيران الماضي، تسلمت حكومة دياب خطياً موافقة البنك الدولي على بنود الاتفاقية بالصيغة التي خرجت فيها من المجلس النيابي، ومن دون أي معارضة أو طلب أي تعديل سوى ما يتعلق بالدفع بالدولار لحاملي بطاقة الدعم.

لكن ما إن أطلت حكومة نجيب ميقاتي، حتى انقلب البنك الدولي على كل ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة السابقة، مطالباً بإضفاء تعديلات واقتطاع 22 مليون دولار مجدداً (10% من قيمة القرض) من حصة آلاف العائلات لصرفها على رواتب موظفين وتنفيعات وشركات مغمورة. النواب أنفسهم الذين تباهوا بالعمل لمصلحة زيادة أعداد المستفيدين بعد أن بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، رفعوا أياديهم الثلاثاء الماضي لتأييد اقتطاع ملايين الدولارات من درب هذه العائلات. ولم يسجّل أي اعتراض سوى للنائب أمين شري نيابة عن كتلة الوفاء للمقاومة والنائب جهاد الصمد، فيما سُجلّ اعتراض للنائب علي حسن خليل على خلفية إدارة التفتيش المركزي للمنصة بالتعاون مع الشركة البريطانية المكلفة من السفارة وما يتسبب به ذلك من خرق أمني لداتا المعلومات. كذلك تحفظت النائبة بهية الحريري نيابة عن كتلة المستقبل.
ما سبق يدعو أحد المتابعين للملف إلى السؤال عمّن نقل عدوى الفساد للآخر: المنظمات الدولية أم المسؤولون اللبنانيون؟ الأكيد في ذلك كله أن الدولة اللبنانية لم يعد «حيطها واطي» كما درج القول، بل سقط كلياً ليتيح لكل الجهات الدولية الدوس فوقه. فاتفاق قرض بينها وبين البنك الدولي يعني أنها ستسدد هذا القرض البالغ 246 مليون دولار، وهو بالتالي ليس هبة مجانية. على رغم ذلك، سمح «السياديون» لمديرة فريق عمل البنك بفرض شروطها والتلويح بعدم صرف القرض في حال عدم اقتطاع 22 مليون دولار تكاليف تشغيلية، ووافقوا على إضفاء تعديل يتعلق بعقود الموظفين الذي كان محدداً بمدة انتهاء المشروع أي بعد 3 سنوات، لتصبح مفتوحة وغير محددة الأجل، بما يمهد لتجربة مماثلة لتجربة موظفي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. فبدل أن تتسلم الدولة هذا المشروع الملح اقتصادياً واجتماعياً من ألفه إلى يائه، أطلقت يد موظفي البنك الدولي ليتصرفوا بقرض مستحق على الدولة على هواهم وبالشكل المناسب لهم. علماً أنها ليست المرة الأولى التي يفرض فيها البنك الدولي اقتطاع 8 إلى 10% من قيمة القرض المقدّم لما يسميه «تكاليف تشغيلية».

صوّت النواب على إلغاء تعديلات كانوا قد احتفلوا بإدخالها قبل خمسة أشهر!
فقد اعتمد الأمر نفسه في مشروع تعزيز النظام الصحي وفي قرض النقل العام وفي القرض الخاص بمشروع الطرقات. من جهة أخرى، جرى القفز فوق التعديل الموجود في الاتفاقية حول الاستعانة بطلاب الجامعات، فيما غُضّ النظر عن 500 موظف في وزارة الشؤون الاجتماعية لم يتقاضوا رواتبهم منذ خمسة أشهر، ويمكن الاستعانة بهم في البرنامج نظراً لخبرتهم وقدرتهم على المساعدة في الاستمارات والزيارات المنزلية. حصل ذلك لمصلحة تكليف برنامج الأغذية العالمي، بالتعاقد مع شركات أجنبية، لتراقب وتجمع الداتا وتقوم بالزيارات المنزلية لقاء 22 مليون دولار. ويكاد يجزم المعنيون أن الشركات معروفة الهوية مسبقاً. وستتقاضى عن عملها 5% من قيمة القرض. كذلك يشرف البنك الدولي، إن عبر برنامج الأغذية العالمي أو شركة سيرين البريطانية، على داتا اللبنانيين، بما فيها سريتهم المصرفية التي هي شرط أساسي لقبول الاستمارة، بالإضافة إلى معلومات خاصة جداً مجمعة من هيئة شؤون السير ومن الأحوال الشخصية والأمن العام (للتأكد مما إذا كان المتقدّم بالطلب يوظف عاملات منزل أجنبيات). في خضم هذه الفضيحة المتمثلة بسرقة أموال الفقراء على مرأى من مجلس النواب ورئيسه، وإجبارهم على إعادة تعديل ما سبق أن أٌقرّ بموافقة الغالبية النيابية التي يفترض أن تكون في موقع قوة نظراً إلى أن الاتفاقية عبارة عن قرض، طمأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى عزمه مفاوضة البنك لتخفيض نحو 7 إلى 10 ملايين دولار من قيمة الـ22 مليون دولار… إن قبل البنك بطلبه طبعاً! وعد ميقاتي ليس الأبرز هنا، بل تهويل ممثلي البنك على ميقاتي والنواب بأنهم سيراقبون طريقة سير العمل، وإن لمسوا شفافية سيقومون بالعمل لتوفير قرض ثان لتمويل البطاقة التمويلية. يريد البنك الدولي التأكد من شفافية وزارة الشؤون في ما خصّ مشروع لا ناقة لها فيه ولا جمل، ولم يسمح لها حتى بالاطلاع على استمارته. يطلب شفافية ويهدد بالمحاسبة على برنامج أعدّ استمارته بنفسه، ويراقب منصته وكل داتا اللبنانيين عبر شركة بريطانية في التفتيش المركزي، ويعيّن منفرداً الشركات المكلفة إجراء الزيارات الميدانية للعائلات. علماً أن الثغرات والاستنسابية في عمل البنك بدأت تظهر منذ اللحظة الأولى لانطلاق عملية التسجيل، إن لناحية صعوبة ملء الاستمارة وطولها والتفاصيل المطلوبة فيها، أو لناحية الغربلة المباشرة للطلبات قبيل التأكد من صحة المعلومات، مما يسمح لمن هو غير مستحق من مزاحمة المستحق على حقوقه. علماً أن المبلغ الذي ستحصل عليه العائلة يبلغ 25 دولاراً كمبلغ مقطوع بالإضافة إلى 20 دولاراً لكل فرد، وبحسب ما صرح وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار في مؤتمر إطلاق عملية التسجيل، فإن هذه المبالغ ستكون متوافرة بحلول آذار 2022، أي بعد ثلاثة أشهر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار