مجلة وفاء wafaamagazine
منذ ان خرجت سوريا من لبنان، بقواتها العسكرية ونظامها الامني، في 26 نيسان 2005، انتقل الملف اللبناني منها الى حليفها حزب الله، الذي نظم احتفالا سياسياً وشعبياً حاشداً، في ساحة رياض الصلح، شاركه فيه حلفاء سوريا في لبنان، تحت شعار «شكراً سوريا» في 8 آذار من ذلك العام.
هذا التبدل المكاني للملف الداخلي اللبناني، من عنجر حيث كان مركز جهاز الامن والاستطلاع في القوات السورية، الى حارة حريك، جعل حزب الله صاحب القرار تشاركه فيه «حركة امل» ورئيسها نبيه بري في ثنائية سميت «شيعية»، ليؤكد طرفاها بأنها «وطنية»، ولم تعد دمشق هي من يزورها المسؤولون الرسميون وقادة الاحزاب والتيارات للوقوف على رأيها، بل اصبحت الضاحية الجنوبية، بما ترمز للمقاومة، بمواجهة «تل ابيب»، في معادلة الصراع التي ارساها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، اضافة الى عين التينة، مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ينظر اليه حزب الله بأنه «الديبلوماسي المقاوم»، الذي خاض المفاوضات السياسية، مع المراجع الدولية، لا سيما في اثناء العدوان الاسرائيلي صيف 2006.
وفي كل المراحل السياسية، التي اعقبت الانسحاب السوري من لبنان، لم تعد دمشق تهتم للتفاصيل اللبنانية التي كانت عليه في زمن وجودها فيه، حيث كانت الحكومات تشكل في اقل فترة لا تتعدى الايام، وربما الاسبوعين على ابعد تقدير، كما كانت اسماء المرشحين وتركيب اللوائح لم تكن بحاجة لجهد، حتى يكون فيها «ودائع سورية»، وكان الرئيس رفيق الحريري يتجاوب، ومثله رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي حظي على اكبر الكتل النيابية في الزمن السوري، ولم يُرفض طلب لميشال المر وسليمان فرنجية وطلال ارسلان، وتم تعزيز كتل نيابية للحزب «السوري القومي الاجتماعي» وحزب «البعث العربي الاشتراكي» وغيرهما.
فما كان يحصل في ايام الوجود السوري، في الحفاظ على المقاومة وحلفائها، يقوم حزب الله به، لتبقى المقاومة ثابتة مع حاضنتها الحزبية والسياسية والشعبية، وهذا ما اكد عليه امينه العام السيد حسن نصرالله ومسؤولون فيه، من ان وجود المقاومة هو عنوان الانتخابات، بوجه خصوم المقاومة التي ترعاهم اميركا، وفق توصيف حزب الله.
من هنا فان سوريا، لا تتدخل في الانتخابات النيابية ولا تعنيها، وهي لها حلفاء في لبنان لديهم القدرة والكفاءة لترتيب اوضاعهم، وقد تكفل حزب الله بذلك، بالتنسيق مع بري، والتشاور مع الحلفاء، الذين ليسوا على توافق دائم، وهذا امر طبيعي، في ان لا تكون الآراء واحدة، يقول قيادي في حزب الله، الذي يؤكد بان لا خلاف في الاستراتيجية، بل في التكتيك، وقد اعطى مثالا على العلاقة بين «التيار الوطني الحر»، و»تيار المردة»، اللذين يختلفان حول الاداء السياسي، ولكنهما يتفقان على بقاء المقاومة، والعلاقة التحالفية مع سوريا، وهو الامر نفسه، قد يحصل بين «حركة امل» وحزب الله، او حزب الله والتيار الوطني الحر، والاخير و»حركة امل».
فحزب الله هو من يقوم بالدور في ترتيب البيت الداخلي بين حلفائه، وهو يلقى صعوبة في ذلك، لا سيما في داخل احزاب انقسمت على بعضها كالحزب «القومي»، او ما زالت الوحدة داخلها غير متينة كالبعث، او ما يحصل من خروج على «التيار الوطني الحر»، وهذا ما يضع حزب الله في موقع صعب، اذ عليه، ان يدخل في التفاصيل، لا سيما مع الاستحقاق الانتخابي، الذي تصرف له قيادة الحزب كل وقتها وجهدها، لتأمين اختيار المرشحين، وترتيب التحالفات وتركيب اللوائح، من اجل ان تفوز بالانتخابات، وتأتي بالاكثرية النيابية، وفق القيادي الذي يؤكد بان الحزب يواجه صعوبات، مع حلفاء له، او من يعتبرهم في خط المقاومة.
ومع انخراط حزب الله في تنظيم الانتخابات، ما يؤكد ان سوريا لا تتدخل فيها، وهذا ما نقله زوار اصدقاء للرئيس بشار الاسد، الذي اكد بان الملف اللبناني ليس من صلب متابعته، لانه يثق بحلفائه في لبنان، وهم شركاء دم، ويقصد بذلك حزب الله الذي يقاتل الى جانب الجيش السوري في الحرب ضد الجماعات الارهابية، وان ما يعني سوريا في لبنان، هو وحدته واستقراره ومقاومته ضد العدو الاسرائيلي، وان سوريا مطمئنة الى ان حلفاءها وهم كثر في لبنان وقادرون ان يصلوا الى حل لاي ازمة يواجهونها.
ويلفت الرئيس السوري، الى ان كل ما يطلبه لبنان الدولة والشعب في كل الميادين، لن تتأخر سوريا عن التجاوب معه، وهذا ما حصل في موضوعي النفط والكهرباء، كما في المعابر والتنسيق الامني والعسكري الذي ما زال قائماً.
الديار