مجلة وفاء wafaamagazine
في لبنان، دوما يحلّ البديل محلّ المؤسسات العامة عند غيابها، فتبرز الحاجة الى تشريع هذا البديل ووضع ضوابط لتحكّمه في السوق. غابت الكهرباء فحلّت محلّها المولّدات الخاصة ، وتنازعت الوزارات هذه الصلاحية إلى أن رسا الأمر على تدخّل وزارتي الاقتصاد والطاقة اللتين تقاسمتا الصلاحيات: الأولى تضع شروطا تنظيمية للتسعيرة والثانية تصدر تسعيرة رسمية يقتضي الالتزام بها. حين صدر هذا القرار عن وزير الاقتصاد لم يكن النقاش السائد حينذاك قانونياً ولا إدارياً، بل طغى عليه الطابع السياسي بحيث يؤيده من يناصر هذا الوزير ويرفضه من يناصر خصمه، إلى أن أصبح قرار وزارة الاقتصاد – كالمولدات الخاصة – أمراً واقعاً يقتضي الرضوخ إليه. حينذاك فقط تمت قوننته
عام 2011، أصدر وزير البيئة تعميماً الى جميع المحافظين والقائمقامين والمجالس والادارات المحلية حول مراقبة تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية. واستند القرار 10/2011 الى قانون حماية البيئة رقم 444/2002 حول آليات رقابة التلوث البيئي، بعد أن وردت الى وزارة البيئة، كما أوضح التعميم نفسه، سلسلة شكاوى متعلقة بالمولدات الكهربائية وما تسببه من تلوث هوائي وتلوث ضوضائي، سيما في المناطق المكتظة سكنياً، وطلب منها إلزام المولدات الكهربائية المستثمرة ان تلتزم بالشروط الفنية المطلوبة في تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية الواردة بموجب الملحق رقم (1) المرفق بالتعميم. أي بمعنى أوضح، طلب من البلديات أن تراقب التزام المولدات الكهربائية بمراعاة شروط فنية، منها تزويد عادم بنظام لمعالجة الملوثات مع فلتر وصيانة هذا النظام، وتوصيل عادم المولد الى أعلى المبنى وفق معادلة هندسية أوضحها في القرار، إضافة الى إدارة النفايات السائلة والزيوت ومنع تسربها. في الخلاصة كان القرار ورقياً، ولم تقم البلديات حينذاك بواجبها في مراقبته الا في حالات نادرة. ولكن الأهم من ذلك كله أنه لم يقم أحد بإحصاء هذه المولدات ولم يطلب أحد من البلديات القيام بهذا الأمر.
عام 2013، صدر قرار عن رئيس بلدية الزلقا -عمارة شلهوب بتشكيل لجنة مهمتها تحديد نطاق عمل كل صاحب مولد كهربائي وإحالة الملف إلى المجلس البلدي لاتخاذ القرارات اللازمة تبعا لذلك، وطلب إلى المواطنين وأصحاب المولدات الكهربائية التقيد بتعليمات اللجنة المشرفة على تنفيذ القرارات. تقدم أحد أصحاب المولدات بطعن امام مجلس شورى الدولة الذي قضى في قراره 525/2018 بعدم قابلية القرار المذكور للطعن لعدم تمتعه بصفة النفاذ مما يعني أنه قرار توجيهي وليس ملزماً.
ورغم أن صلاحيات المحافظ محددة في المرسوم الاشتراعي رقم 116/59 المتعلق بالتنظيم الاداري، ويحق له ازالة المخالفات المتعلقة بالمولدات لمنع الضرر وحرصاً على الصحة والسلامة العامة، او في حال التعدي على حرمة الملكية الخاصة، إلا أنه لم يقم أي محافظ باتخاذ قرارات لتنظيم هذه الظاهرة. وحين اتخذ أحد المحافظين قراراً بإزالة مولد كهربائي أبطل مجلس شورى الدولة في قراره رقم 338 /2016 قرار المحافظ المطعون فيه بازالة المولد الكهربائي، لافتقاره الى اي سند قانوني ولخروج المحافظ فيه عن اطار صلاحياته المحددة قانوناً.
عند مقاربة موضوع المولدات الكهربائية التي تبيع الطاقة الى الجمهور، كان السؤال الأول الذي يتبادر الى أذهان القانونيين: هل يحق لأصحاب المولدات استعمال واستغلال الطرقات العامة والأملاك الخاصة وأعمدة مؤسسة كهرباء لبنان او وزارة الاتصالات لجني أرباح على حساب أصحاب هذه الحقوق بما فيها أصحاب الحقوق المختلفة والمشتركة ومن دون اذن من اصحابها ما يعد شبه استملاك؟
وهل يحق لأصحاب المولدات حق الارتفاق بالمرور الحر في الفضاء فوق الاملاك الخاصة من دون مراعاة الشروط الفنية المتعلقة بالسلامة التي يعود للادارة ان تفرضها، من دون أن يلزم صاحب المشروع اما بدفع تعويض عادل الى المالك، واما باستملاك العقار؟
وكيف يجاز لأصحاب المولدات انشاء واستثمار خط للنقل الكهربائي الهوائي وحق اقامة دعائم وتثبيت ركائز للاسلاك على الاملاك الخاصة والعامة من دون أي تعويض، أو الحق بالدخول الى الملك الخاص بقدر ما تستدعي ذلك مقتضيات الاستثمار، كما لم يصدر قانون يبين أن صاحب المشروع ملزم حكما بالاضرار التي قد تلحق بالاشخاص والاموال بسبب اسلاك وغرف الكهرباء وسواها أو الاشياء التي تنفصل عنها.
ينص القانون المنفذ بالمرسوم رقم 16878 تاريخ : 10/07/1964 على انه يعهد بانتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية في جميع الاراضي اللبنانية الى مصلحة مستقلة تتخذ اسم مصلحة كهرباء لبنان. وتنص مادته الرابعة على أنه لا يجوز بعد صدور هذا القانون اعطاء اي كان اي امتياز او رخصة او اذن لانتاج او نقل او توزيع الطاقة الكهربائية او تجديد ذلك او تمديده لاي سبب من الاسباب. غير انه لا يخضع لهذا المنع الاشخاص المعنويون او الحقيقيون الذين ينتجون الطاقة الكهربائية لسد حاجاتهم الشخصية فقط او ينقلون هذه الطاقة من دون القيام بعملية التوزيع الى اشخاص اخرين. بالخلاصة، لا يحقّ لأي كان – إلا لمؤسسة كهرباء لبنان – توليد الكهرباء وبيعها الى الجمهور، ولكن إذا غابت المؤسسة ما العمل؟ يحلّ البديل وهو المولد.
عام 2017، أصدر وزير الاقتصاد والتجارة قراراً بإلزامية تركيب عدادات لدى المشتركين في المولدات ومراقبة التسعيرة التوجيهية لمولدات الكهرباء الخاصة، أي انه ألزم بموجبه المولدات الخاصة بتركيب عدّادات للمشتركين وأرفقه بآلية لتصريح أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة. للوهلة الأولى، يبدو القرار مخالفا لعشرات القوانين، ولكنه يصلح في دولة لتسيير أمور المواطنين وتنظيم علاقتهم بصاحب المولد. إلا أن القرار لم يطبّق الا حيث فرضت الوزارة تطبيقه بواسطة القوى الأمنية فاستجاب أصحاب المولدات فرضا وتهرّب منه أولئك الذين لم ترغب الدولة بفرضه عليهم لاعتبارات مختلفة اهمها الزبائنية.
الجيد في قرار وزير الاقتصاد أن التعرفة الشهرية تكون مرتبطة بكمية الكيلواط التي تم صرفها وفقا لتسعيرة وزارة الطاقة الشهرية. ويتحمل صاحب المولد كلفة العداد وتركيبه. ولكن تقع على عاتق المشترك كلفة التمديدات العائدة له. في البداية، سمح القرار لصاحب المولد ان يأخذ تأميناً من المشترك لمرة واحدة فقط قدره 100000 ل.ل. عن 5 امبير و175000 عن 10 امبير ويضاف 75000 ل.ل. عن كل 5 امبير في حال رغب المشترك في زيادة اشتراكه، على ان يصار الى اعطاء المشترك ايصالاً واضحاً بالمبلغ الذي تم ايداعه لكي يعاد هذا التأمين كاملا الى المشترك عند ايقاف الاشتراك وبعد تغطية كل النفقات المتوجبة عليه. اما في حال عجز المشترك في نهاية الشهر عن دفع الفاتورة فيحق لصاحب المولد حسم قيمتها من التأمين واعادة ما تبقى للمشترك بعد ايقاف اشتراكه. ولكن حيث تغيب الدولة يفرض أصحاب المولدات تسعيرة مختلفة تزيد وترتفع وفقا لرغبة صاحب المولد، وفي غياب لافت للبلديات ووزارة الاقتصاد التي تلجأ الى حجتها الدائمة بأن لا قدرة للبلديات على تشغيل المولد في حال مصادرته.
رغم أن هذا التنظيم كان يستدعي استصدار قانون، فقد أعطى الوزير بتعميمه امتياز جباية الضريبة والرسوم لاصحاب المولدات خلافا للدستور، لا سيما المادة 89 منه التي تنص أنه لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود. إلا أنه لا يجوز في الوقت نفسه عدم تنظيم هذا القطاع الذي فرض نفسه كأمر واقع في غياب سلطة محددة يُجاز لها هذا الأمر، وفي غياب قيام البلديات بدورها إلا في ما ندر، وذلك قبل أن تتم قوننة هذا الأمر عام 2019 بحيث تضمنت المادة 70 من القانون 144/2019 على أنه يتوجب على صاحب المولد الالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل وزارة الطاقة والمياه، واعتبارا من ذلك التاريخ أصبحت مخالفة التسعيرة مخالفة لقانون، وأصبحت تسعيرة وزارة الطاقة مقوننة.
وحدها البلديات التي قامت باستثمار مولدات أو شراء مولدات نجحت في هذه المهمة مع وجود بعض الاستثناءات التي فشلت حين تدخلت محسوبيات عدم الجباية والتدخل السياسي في التوزيع المجاني أو في اختلاس المازوت.
القانون الأول الذي اعترف بهذه المولدات الخاصة هو قانون الموازنة العامة للعام 2019 الذي تعامل مع هذه الظاهرة من باب الجباية لا من باب التنظيم. إذ تم بموجب المادة 70 منه فرض رسم مقطوع على بيع الطاقة من قبل أصحاب المولدات الكهربائية مقداره 15.000 ل.ل. سنوياً على طاقة هذا المولد المحتسبة على أساس الـ KVA، مع الإشارة إلى أن البلديات التي تملك مولدات كهربائية وتبيع الطاقة إلى الجمهور لا تخضع لرسم المولدات.
علما أن هذا الرسم لا يرتب أي حقوق لصاحب المولد، ويمنع عليه زيادة قيمته على الأشخاص الذين يستجرّون الطاقة منه، ويتوجب عليه الالتزام بالتسعيرة المحددة من قبل وزارة الطاقة والمياه. ويعتبر هذا الرسم من الأعباء القابلة للتنزيل من إيرادات المكلف بضريبة الدخل على أساس الربح الحقيقي الخاضعة للضريبة. ويتم التصريح عن هذا الرسم وتسديده سنوياً بشكل مسبق وفقاً لنموذج تضعه وزارة المالية خلال شهر كانون الثاني من كل عام، وخلال الشهر الذي يلي الشهر الذي يتم فيه وضع المولد في الاستخدام عند استخدام المولد، وتتوجب على التأخير في التصريح والتسديد الغرامات التي نص عليها قانون الإجراءات الضريبية بالنسبة للضريبة على الأرباح.
وقد ألزم القانون البلديات كافة بإجراء مسح شامل لكل المولدات المستخدمة في مجال بيع الطاقة ضمن نطاقها البلدي، وإبلاغ نتائج هذا الإحصاء إلى وزارة المالية في مهلة أقصاها 31/03/2020، كما تلزم بإبلاغ وزارة المالية عن كل مولد كهربائي يتم استخدامه مستقبلاً بصورة دورية خلال الشهر الذي يلي نهاية كل فصل، وذلك استناداً لبيان تفصيلي تحدده وزارة المالية.
أصدر وزير المالية قرار دقائق تطبيق هذا القانون بموجب قراره 5/2021. ورغم ذلك لم تقم البلديات بالمسح اللازم ولم يدفع أصحاب المولدات الضريبة، إلا في ما ندر، ما يستدعي المباشرة بمحاسبة البلديات الممتنعة عن تطبيق القانون المذكور.
المادة 70: من القانون 144/2019
تم فرض رسم مقطوع على بيع الطاقة من قبل أصحاب المولدات الكهربائية مقداره 15.000 ل.ل. (خمسة عشر ألف ليرة لبنانية) سنوياً على طاقة هذا المولد المحتسبة على أساس الـ KVA
المادة 8
من قرار وزير الاقتصاد المتعلق بتعديل آلية تصريح اصحاب المولدات الكهربائية الخاصة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة – قرار رقم 100 /2018
الشروط الفنية المطلوبة في تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية
في العام 2011 حدد تعميم وزير البيئة المتعلق بمراقبة تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية رقم 10/1 / 2011 الشروط الفنية المطلوبة في تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية وبموجب هذا التعميم طلب وزير البيئة من جميع المحافظين والقائمقامين والمجالس والادارات المحلية إلزام كافة المولدات الكهربائية المستثمرة بالشروط الفنية المطلوبة في تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية الواردة بموجب الملحق رقم (1)
كما حدد أصول تقديم شكاوى المواطنين المتعلقة ب المولدات الكهربائية الى البلديات بحسب الاصول، وفق نموذج تم إرفاقه بالتعميم المذكور الذي طلب من كل بلدية او قامقام او محافظ بمعالجة الشكاوى الواردة اليها وفرض التدابير المحلية لمنع التلوث الناتج عن تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية؛ وفي حال تعذر على البلدية القيام بذلك لاسباب تقنية فقط، بإمكانها أن تكلّف خبراء او استشاريين متخصصين للقيام بهذه المهمة، على نفقة مشغل أو مستثمر المولد الكهربائي، وذلك وفق دفتر مهام أرفقه بالتعميم نفسه إلا أن وزير البيئة نفسه أورد في ختام تعميمه بالعمل به لمدة سنة واحدة من تاريخ توقيعه ومنذ ذلك الحين لم تقم البلديات والمجالس المحلية بتطبيقه ولا بالاستناد إليه لوضع أسس مراقبتها لهذه المولدات إلا ما ندر.
النص الوارد في الملحق:
الملحق رقم (1)
الشروط الفنية المطلوبة في تشغيل واستثمار المولدات الكهربائية
ادارة الملوثات الهوائية:
– تزويد عادم المولد الكهربائي بنظام فعال لمعالجة الملوثات الهوائية الناتجة (على سبيل المثال إهراء مخروطي Cyclone يليه فلتر من الفحم المنشط، دش مائي، الخ)، على أن يأخذ التصميم بعين الاعتبار ما يأتي:
a. تصميم نظام معالجة الملوثات الهوائية بما يتوافق مع حجم الملوثات الهوائية الناتجة عن المولد الكهربائي؛
b. صيانة نظام معالجة الملوثات الهوائية للمولد الكهربائي بشكل مستمر ودائم لتأمين فعالية النظام والاحتراق الفعال والكامل للمازوت في المولد الكهربائي؛
c. التقيد بمضمون القرار رقم 8/1/2001 (المواصفات والمعايير المتعلقة بملوثات الهواء والنفايات السائلة المتولدة عن المؤسسات المصنفة ومحطات تكرير المياه المبتذلة)؛
وفي حال تعذر ذلك لأسباب تقنية فقط
– توصيل عادم المولد الكهربائي إلى أعلى سطح البناء بمسافة تؤمن التوافق مع المعادلة الآتية:
طول العادم = طول البناء السكني المجاور ضمن شعاع 50 متراً + √ قوة المولد الكهربائي
إدارة النفايات السائلة:
– العمل على منع تسرب أي زيوت وشحوم على الأرض، والاحتفاظ في موقع المولد الكهربائي بمواد ماصة (نشارة خشب) لوضعها على التسربات الموجودة في أرض الموقع؛
– وضع الزيوت والشحوم الناتجة عن صيانة المولد الكهربائي في مستوعبات خاصة مقفلة وتسليمها للجهات التي تعيد استعمالها أو تكريرها؛
الأخبار