مجلة وفاء wafaamagazine
لم تحمل أولى جلسات انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية مفاجآت، بل أكدت المؤكد، وهو انّ الجلسة لم تكن مخصصة للانتخاب أصلاً بل لسبر أغوار النيّات واستكشاف التوازنات.
عماد مرمل
لكن وأبعد من النتيجة التي تمخّضت عنها الجلسة، يمكن التوقف عند مجموعة من المؤشرات السياسية التي حملتها الأوراق المكشوفة والمستترة:
– ظهرت قوى المعارضة مرة أخرى مُشتتة ومبعثرة، بعدما عجزت عن التوافق على اسم واحد، فتوزّعت أصواتها في اتجاهات مختلفة، على رغم كل المسعى الذي بُذل، خصوصاً من جانب القوات اللبنانية، لتوحيد الصفوف حول مرشح واحد. ومع ان «القوات» حاولت كثيرا استقطاب النواب المعارضين نحو اسم معوّض في الساعات الأخيرة التي سبقت الاختبار الأول في المجلس، الا انه لم يتمكن من الحصول على أكثر من 36 صوتا، بعدما رفض النواب التغييريّون والمستقلون الانتظام تحت مظلة معراب وحساباتها، منطلقين من انّ الاسم المطروح يشكل جزءا من الاصطفافات الداخلية الحادة في حين المطلوب رئيس يكون فوقها.
– يمكن الاستنتاج انّ اسم معوّض قد أصيب بـ»النيران الصديقة» قبل «المعادية»، وان إحدى قدميه على الاقل صارت خارج مضمار السباق الرئاسي، وإن كان هو وداعموه يصرّون على انه لا يزال يملك «اللياقة البدنية» لاستكماله.
– أوحى كل من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، اللذين يعرفان صعوبة، بل استحالة، مرور معوّض بأنهما أرادا من خلال الاقتراع الى جانبه تحسين شروطهما التفاوضية ورفع سقفهما تمهيداً للمساومة الجدية عندما يحين أوانها وظرفها.
– إقتراع النواب التغييريين لسليم إدة لم يكن له محل في الإعراب، خصوصاً انهم يعلمون انه خيار غير جاذب للآخرين. وبالتالي، يتعارض وأصل مبادرتهم المرتكزة على مبدأ التفاهم مع أوسع مروحة ممكنة من الكتل.
– أظهَر عدد الأوراق البيضاء الـ 63 انّ التوازنات التي تحكّمت بانتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي والياس بوصعب نائباً له وهيئة مكتب المجلس واللجان، لا تزال سارية المفعول، ويمكن إسقاطها مجدداً على الاستحقاق الرئاسي اذا استطاع نواب 8 آذار والتيار الوطني الحر التوافق على اسم يكون قادراً على استجرار الدعم من نواب محسوبين على المعارضة. وبالتالي، فإنّ «الأقلية المتماسكة» بَدت مرة أخرى اكثر تحكّماً بزمام خيوط اللعبة النيابية من الأكثرية المتفسّخة.
– ثَبت انّ مرشح التحدي الذي ينادي به البعض لا يمكن أن يمر من «خرم» إبرة مجلس مركّب ومبني على معادلات دقيقة، وانّ الحد الأدنى من التوافق العابر للاصطفافات هو ممر إلزامي للوصول الى قصر بعبدا، بمعزل عن الموقف حيال مبدأ التوافق.
– من العلامات الفارقة لجلسة الامس أيضاً انّ اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، الذي كان من بين الخيارات الأكثر تداولاً منذ بدء العد العكسي للاستحقاق، اختفى كلياً عن «رادار» الجلسة الانتخابية ولم تحمله اي ورقة الى «الصندوق التجريبي»، الأمر الذي اعتبره المتحمسون لترشيحه إشارة الى حرص مؤيّديه على تأمين أقصى الحماية له وعدم إحراقه في «موقدة» المناورات الانتخابية. ويتوقف داعمو رئيس «المردة» عند تفادي معظم النواب السنّة التصويت لمعوّض، ما يوحي بأنّ باب التفاهم معهم ليس مقفلاً وان الموقف السعودي ليس سلبياً بالضرورة حيال فرنجية ولا فيتو عليه كما يروّج البعض، «وإلّا لكان غالبية النواب الذين شاركوا في اجتماعَي دار الفتوى ودارة السفير السعودي قد منحوا أصواتهم لمعوّض، الأمر الذي كان سيؤدي الى نيله اكثر من خمسين صوتاً وإضعاف فرصة فرنجية الى أبعد الحدود».
ويلفت هؤلاء الى ان توزّع الاصوات في الجلسة أظهَر انّ الاتفاق بين فرنجية وجبران باسيل وحده القادر على اختصار المسافة بين بنشعي وبعبدا، مُضافاً اليه الضلع السني الضروري أيضاً.
الجمهورية