الرئيسية / سياسة / الرياض وواشنطن تطيحان بالحريري

الرياض وواشنطن تطيحان بالحريري

مجلة وفاء wafaamagazine

دهَم المشهد الحكومي أمس تطوّران مُفاجِئان؛ واحدٌ أطل من معراب، وآخر من القصر الجمهوري. كِلاهُما اكتسبَ ‏أبعاداً في ضوء ارتفاع المخاطِر – على أنواعِها – يوماً بعدَ يوم. بالدليل السياسي والميداني، ثبت أن ثمة من يسرّع ‏خطوات لبنان باتجاه المجهول، عبرَ إطاحة سعد الحريري كرئيس مكلّف محتمل عشية الاستشارات النيابية التي كانت ‏مقررة أمس. على بُعد ساعات من موعدها، ارتفعت “خطوط تماس” في المناطق المُحيطة بمجلس النواب، بالتزامن ‏مع تحركات وخطابات مذهبية، قبلَ أن تُفجّر القوات اللبنانية قنبلتها في وجه الحريري، معلنة فجرَ الإثنين “عدم ‏تسمية أحد في الاستشارات النيابية”، ويتعزّز الخوف من أن يُفضي اللعب في الشارع إلى انفجار مواجهة كبيرة يبدو ‏الجميع مُتهيّباً منها، لا سيما بعدما باتَ واضحاً أن الساحة اللبنانية ليسَت متروكة لأهلها، بل مُحمّلة بخلفيات ومشاريع ‏خطيرة ليسَت سوى انعكاس لدقة اللحظة الإقليمية والدولية، خصوصاً أن قرار “القوات” المُباغِت لا يُمكن أن يكون ‏‏”يتيماً‎”.

هذه التطورات ولّدت أسئلة كثيرة حول الجهة التي أوعزت إلى القوات بتجريد الحريري من الغطاء المسيحي (بعدَ ‏قرار التيار الوطني الحر عدم تسميته ومقاطعة أي حكومة يُؤلفها). ولماذا وافَق الرئيس ميشال عون على تأجيل ‏الاستشارات النيابية ثلاثة أيام، علماً بأن المفاوضات الشاقّة بين رئيس تيار المُستقبل وباقي الأطراف المعنيين لا تزال ‏عالِقة عند الشروط والشروط المُضادة ذاتها، لا بل دخلَ عليها عامِل جديد أكثر تعقيداً تمثّل بـ”تخلّي” سمير جعجع عن ‏‏”حليفه الإستراتيجي” عشية تكليفه، بعدَ أن ظنّ الحريري أن العودة إلى أحضان القواتيين سهلة، وأن معراب ‏ستستقبله بـ15 صوتاً نيابياً ومباركة، وستمدّ له جسر العبور الى السراي الحكومي من جديد، متناسياً أنه ضحّى بكل ‏الجسور معها كرمى للتسوية الرئاسية والتحالف مع الوزير جبران باسيل.

رُبما وجدت القوات في هذه اللحظة فرصة ‏لـ”الانتقام” لنفسها عن سنوات ثلاث من التخلّي الحريري عنها، لكن الأكيد أن قرارها لم يكُن ذاتياً صرفاً، بل نتيجة ‏حسابات داخلية وإشارات خارجية جعلتها تتراجع عن تعهّد قدمته للوزير السابق غطاس خوري يومَ زارها موفداً من ‏الحريري بالتصويت للأخير. نامَ الحريري على وعد واستفاقَ على رسالة من خارِج الحدود، تقول إنه صارَ بين ‏‏”فكّي” الشارِع من جهة واللاعبين المحليين والدوليين من جهة أخرى، وكأنهم في سباقٍ لحرق اسمه، بالأسلوب ذاته ‏الذي اعتمده لإزاحة كل اسم محتمل للتكليف من دربه. فإلى جانِب التحركات التي نفذتها مجموعات في الحراك ضد ‏عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وصلت أمس الى مشارف منزله في وادي أبو جميل، تقاطعت معلومات عن ‏‏”عدم رغبة أميركية بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة”. ويأتي هذا الموقِف مكملاً لموقف المملكة العربية ‏السعودية، التي عبّرت عن هذا الرأي بمقاطعتها الاجتماع الذي خُصّص الأسبوع الماضي في باريس لمساعدة لبنان، ‏في ظل معلومات تتحدث “عن ضغط تمارسه على حلفائها في الداخل لتسمية نواف سلام”، كما موقف الإمارات غير ‏المبالي‎.

هذه المستجدات تشي بأن البلاد مُقبلة عل متغيرات ملتهبة ومناوشات جديدة لن تكون محدودة بلعبة الأحجام، إذ بحسب ‏بعض المطلعين، يعني “موقف القوات أن الحريري فقد آخر ملجأ مسيحي له، بعد استنفار طائفته لفرض شروطه ‏التفاوضية، وأن الأطراف الخارجيين الذين كانوا يديرونه، انتقلوا الى مرحلة جديدة من خطة محاصرة البلد، بعدَ أن ‏استخدموه في مراحل سابقة لفرض خريطة جديدة من التوازنات السياسية”. ولذا “عادَ الرجل إلى التفاوض مع حزب ‏الله والرئيس عون، مطالباً بشكل واضح بإعطائه ما يُمكن أن يستخدمه في وجه الخارج، أي حكومة اختصاصيين، ‏وحينها سيكون مستعداً لمواجهة الخارج‎”!

فور الإعلان صباح أمس عن إرجاء الاستشارات المؤجَّلة من الأسبوع الماضي، بناءً على تمنّ من الحريري، ظهر أن ‏القوات كانت عنصراً أساسياً في إقفال الباب في وجه عودته. لكن القوات لا تزال مُصرّة على تبرير “دبلوماسي” ‏تعتمده في بياناتها المعلنة، كما في حديث مصادرها، التي تؤكّد أن قرارها مرتبط بنقطتين: الأولى مزاج الشارع ‏والقاعدة القواتية، والثانية عدم ثقتها بالحريري الذي يُمكن بعَد تكليفه (بموافقة نواب القوات) الذهاب الى تأليف حكومة ‏تكنو – سياسية بحجة أن “المصلحة الوطنية تقتضي ذلك”، وبالتالي نكون “قد أكلنا الضرب”. القواتيون يؤكّدون أن ‏جوابهم للحريري أتى على الشكل التالي: وهو “في حال استطاع انتزاع حكومة تكنوقراط فإن القوات ستمنح حكومته ‏الثقة، أما غير ذلك فلا مجال للنقاش، لأن تراجع الحريري عن حكومة الاختصاصيين يعني خسارة القوات لورقة ‏الحكومة، وهو مطلب سبقت القوات الجميع اليه”. لكن الحريري الذي، وبحسب المعلومات، كان مستاء جداً من موقف ‏القوات، لم يبلع الحجة، وظلّ يتعامل من موقع “المغدور” حتى حينَ كانت الاتصالات بين خوري ومعراب مفتوحة، ‏إذ أشارت مصادر مطلعة أن “خوري نقل الى جعجع أن الحريري لا يزال يعتبر أن القوات باعته لأنها لم توافق على ‏موازنة 2020، واستبقته في تقديم استقالتها من حكومته‎”!‎

خير من عبّر عن انزعاج الحريري الكبير كان كتلة “المُستقبل” التي اعتبرت في بيان لها أمس أن “هناك تقاطعاً ‏للمصالح جرت ترجمته في الموقف الذي صدر عن التيار الوطني الحر والقوات، وذلك في ضوء معلومات وتسريبات ‏من عدة مصادر عن أن كتلة التيار الوطني الحر كانت في صدد إيداع أصواتها لدى رئيس الجمهورية ليتصرف بها ‏كما يشاء”. البيان شنّ هجوماً على الإثنين، مشيراً إلى أن “هناك جهات اشتغلت طوال شهرين على إنكار ما يحصل ‏بعد ?? تشرين، لتعلن بعد ذلك أنها جزء لا يتجزأ من الحراك الشعبي والثورة، وهناك آخرون يرون الفرصة مؤاتية ‏ليعملوا فيها تشي غيفارا كي يبقوا في الشارع لغايات في نفوس أصحابها”، مشدداً على أن تيار المستقبل ينأى بنفسه ‏عن هذه السياسات، وهو في المقابل، وبكل وضوح، لا ينتظر تكليفاً من التيار الوطني ولا من القوات للحريري، ولا ‏يقبل أن يتحول موقع رئاسة الحكومة الى طابة يتقاذفها بعض التيارات والأحزاب”.

وسبقَ بيانَ الكتلة بيانٌ آخر لمكتب ‏الرئيس الحريري أعلن فيه أنه “في إطار الاتصالات السياسيّة، اتّضح أنّ كتلة التيار الوطني الحر كانت بصدد إيداع ‏أصواتها رئيس الجمهورية ليتصرّف بها كما يشاء. وهذه مناسبة للتنبيه من تكرار الخرق الدستوري الذي سبق أن ‏واجهه رئيس الحكومة رفيق الحريري في عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، وللتأكيد أنّ الحريري لا يمكن أن ‏يغطّي مثل هذه المخالفة الدستوريّة الجسيمة أيّاً كانت وجهة استعمالها، في تسمية أي رئيس مكلف”.

وتلت هذا البيان ‏بيانات ومواقف مضادة بدأت من بعبدا، حيث ردّ مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن “عون حريص على الدستور ‏ولا يحتاج الى دروس من أحد، والتذرع بإيداعه أصواتاً نيابية لتمنّي تأجيل الاستشارات محاولة مكشوفة للتبرير ‏وتجاهل أسباب أخرى”، فيما أشارت اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر، في بيان، الى أن “تيار المستقبل ‏يتعامى ورئيسه عن الحقائق السياسية والدستورية ويناقض مواقفه بحسب المصالح والظروف ليختلق ويفتي بالدستور ‏خطأً مثلما فعل في صلاحية رئيس الجمهورية بتحديد موعد الاستشارات الملزمة، وكذلك بموضوع حق النواب في ‏تسمية من يريدون أو عدم تسمية أحد أو التشاور مع رئيس الجمهورية أو إيداعه أصواتهم لتدوينها كما يريد في خلال ‏الجلسة معه، في إطار الاستشارات النيابية الملزمة”.

أما جعجع فأشار إلى أن “تكليف الحريري ثمنه عال جداً”، ‏موضحاً أن “موضوع تسمية الحريري تم طرحه جدياً خلال الـ24 ساعة الأخيرة والرد الشعبي لم يكن مؤاتياً”. ‏وكشف أن “الأجواء العربية والدولية غير متحمّسة أو ضد رئيس حكومة معيّن، إلا رئيس حكومة من 8 آذار فالجميع ‏ضده، ولا أحد يقول إن البلد قائم على الحريري أو البلد سيخرب إذا جاء الحريري‎”.‎

الأخبار