مجلة وفاء wafaamagazine
كتبت : وفاء بيضون
ثمة مقاربة يمكن لأي متابع تقفي زيارة رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل إلى لبنان للمشاركة في إحياء الذكرى الثامنة عشر لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري أن يلاحظ من خلال الشكل والمضمون ما يعتصر في ذهن سعد الحريري من امتعاض لاستبعاده عن الحياة السياسية .
ومع أن الحريري الابن قد اختار الاعتكاف السياسي وتعليق العمل فيه صوتًا وصورة إلا أن الشارع الأزرق لا يزال يرى في تلك الخطوة انتقاصًا من حق طائفة آلت على نفسها الولاء لبيت الحريري السياسي .
وعلى مدى سنوات طويلة، منذ تاريخ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط من العام ألفين وخمسة ( 2005 )كان الجميع ينتظر المواقف التي سيطلقها سعد الحريري في الذكرى، بالنظر إلى التداعيات التي قد تترتب على ذلك، خصوصًا بعد أن كان الرجل من زعماء قوى الرابع عشر من آذار الأساسيين
في العام الماضي، قرر سعد الحريري تعليق عمله السياسي وعدم المشاركة في الانتخابات النيابية التي أجريت في شهر أيار الفائت. عندها تساءل اللبنانيون عما إذا كان الحريري في وارد التراجع عن هذا القرار، بسبب ضبابية المشهد الذي كان من المتوقع أن يتركه على الصعيدين السني والوطني.
أما اليوم فإن عودته، للمشاركة في ذكرى اغتيال والده لا تحظى بأي أهمية تذكر، بالرغم من أنه، رغم غيابه، لا يزال الأقوى على الساحة السنية.
ويرى مقربون أن رئيس الحكومة السابق البعيد عن تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية اليومية ، لا هو داخل الصراع القائم على رئاسة الجمهورية، بما تحمله معها من اشتباكات بين الفرقاء المتخاصمين، ولا هو في وارد الدخول في أي رهانات تذكر، طالما أنه يدرك جيداً سبب المشكلة التي يواجهها على المستوى الشخصي، وبالتالي، على الأقل حتى الآن، ليس لديه ما يقدمه إلى جمهوره، الغارق كغيره من اللبنانيين في متاهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تتصاعد يومًا بعد آخر.
من وجهة النظر تلك، أبرز ما قد يشغل بال الحريري، في الوقت الراهن، هو الطروحات التي تقدم في بعض الأوساط الدولية، بالنسبة إلى رئاسة الحكومة المقبلة في العهد الجديد، نظرًا إلى أنها لم تعد تضمن اسمه كمرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، على اعتبار أن المواصفات التي يتم التداول بها لا تنطبق عليه، مع العلم أن مصدرها جهات إقليمية ودولية كانت تقدم الدعم له على مدى سنوات طويلة.
لذلك فإن واقع سعد الحريري لا يعكس أزمة زعامة سياسية على المستوى الشخصي فقط، إنما يعكس نفسه على أزمة مكون أساسي ألا وهو الطائفة السنية الكريمة التي لم تر حتى الآن من يقودها بالاتجاه الذي يفترض أن تسير فيه، وما يدعم كلامي هو عدم نجاحها حتى اليوم في إنتاج قيادة جديدة لها، بالرغم من كل المحاولات التي حصلت وتحصل في ظل وجود مجموعة من الطامحين إلى وراثة الحريري .
وفي حين أن البلاد تمر بأصعب لحظة سياسية واقتصادية، منذ اتفاق الطائف، تعود فيها الدعوات إلى إعادة النظر في التركيبة والصيغة إلى الواجهة من جديد.
ومن هنا يبقى السؤال الذي يفرض نفسه بامتياز يرتبط بالفترة الزمنيّة التي ستبقى فيها البلاد على نفس الطقم السياسي الذي يتولى قيادة البلد منذ عقود دون إحداث أي تغيير جوهري مرتبط بتطوير الآلية التي يدار فيها البلد، ما راكم أزمة غير مسبوقة في اقتصاده وتدني سعر ليرته الوطنية .
في وقت ببقى فيه حسم الأمور في أكثر من مجال متوقفًا أو شبه معطل . لذلك تأتي زيارة الواجب الإنساني لسعد الحريري بعيدة عن إعادة جمع الشارع السني وإن بدا بشكل من أشكاله أنه لا يزال يرتبط بابن الشهيد ارتباطًا عاطفيًا بعيدًا عن الخيار الاستراتيجي الذي تؤثر فيه البوصلة السعودية بعد القطيعة القصرية بين زعيم تيار المستقبل والرياض وخاصة الجفاء الملحوظ مع ولي العهد محمد بن سلمان .
فهل سيبقى الڤيتو السعودي حاضرًا وغب الطلب وكرتًا أحمر بوجه سعد الحريري لاستكمال تعطيل زعامته ؟.