مجلة وفاء wafaamagazine
في توقيت اختير ما بين إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عن تقاطعه وأحزاب المعارضة على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، وقبل إعلانها الموقف عينه، أُعلِن عن زيارة قام بها راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر موفداً من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، مفتتحاً جولة من المحادثات تعهّد بها الراعي للإسراع في إنهاء الشغور الرئاسي. فما الذي يعنيه هذا وما يمكن ان يؤدي إليه؟
منذ أن عاد الراعي ليل الثلثاء الماضي من زيارته للفاتيكان وباريس، واللقاءات التي عقدها مع كل من أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أوحى بأنّه سيقوم بمسعى استثنائي في اتجاه «الثنائي الشيعي»، بغية اختصار فترة خلو سدّة الرئاسة والسعي إلى توفير الظروف لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في أسرع وقت ممكن. وجاء هذا التعهّد والوعد الذي انتهت إليه زيارته المزدوجة إلى كل من الفاتيكان وباريس، عقب التقاطع الذي تحقّق بين الكتل النيابية المسيحية وغير المسيحية المعارضة ومعهم «التيار الوطني الحر» وعدد من النواب المستقلين والتغييريين من طوائف لبنانية مختلفة، باستثناء الشيعة منهم، على تسمية مرشحها لرئاسة الجمهورية الوزير السابق جهاد أزعور لخوض السباق إلى قصر بعبدا في مواجهة مع مرشح «الثنائي الشيعي» وحلفائه من تيار «المردة» وكتلة «التوافق الوطني» ونواب «البعث» و»الجماعة الإسلامية».
لم يكن أحد من المراقبين يتوقع ان يسرع الراعي في تكليف موفده عبد الساتر زيارة هي الأولى من نوعها في شكلها ومضمونها، عدا عن توقيتها، إلى حارة حريك في الضاحية الجنوبية للقاء السيد نصرالله، مع التشكيك المسبق في أنّ المهمّة صعبة إن لم تكن مستحيلة، خصوصاً إن هدفت إلى إبلاغ من التقاهم الموفد البطريركي استحالة المضي في ترشيح من رفضته الأكثرية المسيحية والمارونية من طرف واحد وبطريقة متفرّدة، مع ما رافقها من اتهام وجّهه رئيس المجلس النيابي إلى القيادات المسيحية بعجزها عن تسمية مرشح يرضيها وينال تأييدها لتكتمل «اللعبة الديموقراطية».
ومردّ هذه المخاوف ناجم عن الهجمة التي تعرّضت لها فكرة التفاهم على ازعور، بعد سحب ترشيح النائب ميشال معوض، لمجرد انّه سينال أكثر من 15 إلى 20 صوتاً نيابياً إضافياً. وهي «طحشة» أوحت بإطلاق صفارة التصعيد الذي يمكن ان يؤدي إلى استدراج اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً إلى جو من الاحتقان مع المكوّن الشيعي، اعتقد كثر انّه بات من الماضي البعيد ولم يعد وارداً احياؤه. وهو ما دّلت إليه وعبّرت عنه مواقف أنكرت على المسيحيين حقهم في التلاقي والتقاطع على أي مرشح للرئاسة، ومنها مواقف كل من رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد والمعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل، التي استبقت زيارة الراعي للفاتيكان وباريس بيوم واحد. كما تلك التي أطلقها نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في الوقت الفاصل بين لقاءات البطريرك الماروني في الفاتيكان وباريس، ما عزّز التوجّه إلى حال من الإنقسام الحاد، يتحدّى من خلاله الثنائي معظم المكونات اللبنانية، وانّ الطريق مسدود امام أي حوار محتمل معه ومع من يدور في فلكه، وهو ما شجّع المعارضة على الإسراع في خطوة تسمية مرشحها والتلاقي مع «التيار الوطني الحر» .
كان ذلك، قبل ان يرفع المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان صوته عالياً موجّهاً خطابه مباشرة إلى البطريرك من دون مراعاة ما وعد به من مشاورات مع فريقه، ومن دون أي مواربة، انتقد بشدة بعبارات غير مسبوقة دأب على توجيهها في أكثر من مناسبة إلى البطريرك كمرجعية وطنية، قبل ان تكون مارونية، متجاهلاً ما تسرّب من لقاءات باريس والفاتيكان فور عودته منهما ليل الثلثاء ـ الأربعاء الماضي. وهو ما تجلّى برفضه أي مبادرة يمكن ان «تصنع لبنان في طائرة». وهو موقف طاول بشظاياه المبادرة الفرنسية مباشرة، متجاهلاً الرهان الذي عقده «الثنائي الشيعي» وحلفاؤه عليها. فباريس كانت الطرف الوحيد من الدول الخمس التي انضوت تحت لواء «لقاء باريس الخماسي»، وربما هي من قامت بالخطوة النادرة التي تبنّت بنحو لا يرقى إليه الشك مرشح فريقه سليمان فرنجية، استناداً إلى ما سمّته الخلية الفرنسية بـ «المرشح الجدّي» الوحيد في الاستحقاق الرئاسي. ولم تكتف بذلك، فقد تبنّت معه مسبقاً مشروع رئيس حكومته الأولى السفير نواف سلام.
وقياساً على ما سبق من سرد للوقائع ـ وليس بالطبع من أجل توثيقها ـ بل من أجل الإشارة الضرورية إلى انّها لم تغيّر في قرار بكركي ولا في توجّهها في اتجاه الفريق الآخر، وفتح آفاق الحوار المستند إلى رأيين على الأقل. مع الإشارة الى انّ بكركي لم تردّ ولن تردّ على مثل هذا الخطاب وردّات الفعل التي يمكن ان يستجرّها، لعلمها الأكيد انّها لا تخدم الهدف المنشود من المبادرة. وانّ البلد لم يكن وليس في حاجة اليها إن صدقت النيات وهدأت الخواطر. ولذلك، فقد عُدّت من باب التأخّر في فهم خلفيات خطوة الراعي ومراميها وأهميتها وضرورة الترحيب بها وملاقاتها. وهو ما دلّ إلى انّ بعضاً من أصحابها قد بنى ردّه على معطيات ومؤشرات سبقت زيارة رأس الكنيسة المارونية إلى الفاتيكان وباريس ولقاءاته مع المسؤولين الكبار في الفاتيكان ومع الرئيس الفرنسي وما انتهت اليه. فالمبادرة الفرنسية ـ إن صحّت التسمية – كانت مقبولة ومرحّباً بكل تدخّل مماثل إن صبّ في خانة مرشح «الثنائي» وسوّقت له، على الرغم من المحاذير المحيطة بها، والتي استفزت كثيراً، خصوصاً على المستوى المسيحي وأكثريات من طوائف ومذاهب أخرى، ودفعت بعض النواب إلى الانتقال من مربّع المترددين إلى ملعب ازعور.
وعليه، اعتبرت اوساط تواكب حراك الراعي، انّ ما انتهى اليه اللقاء مع السيد نصرالله – اياً كانت ردّة فعله التي لم تُعلن بعد صراحة- فما سيليه من لقاءات وخصوصاً مع بري، يؤكّد انّه قد تجاوزت المرحلة السابقة التي كان البعض لا يرى فيها سوى ترشيح واحد أحد لم يحظَ بتأييد بيئته المباشرة. وبات هناك ترشيح آخر يتمتع بمروحة واسعة ووازنة من التأييد، لا يمكن تجاهلها على الإطلاق، ولا سيما انّ اي إحصاء او عملية بوانتاج ممكنة تعطيه الاولوية على لائحة المرشحين، ولو كانت لم تجمع بعد سوى مرشحين إثنين فقط. إضافة إلى توافر معطيات قلبت الموازين إلى درجة انتهت إلى إنتاج معادلة جديدة. فإن قيل انّ من بين المترددين من لا يريد انتخاب أزعور، فإنّ اكثريتهم الساحقة لا يمكن ان تنتقل إلى الضفة الاخرى ولن تنتخب فرنجية، حتى أنّ مثل هذه الخطوة مستبعدة جداً، وإن كانت لا تؤدي إلى فوز الأول فإنّها لا تضمن اي تقدّم إضافي للمرشح المنافس ولو بأصوات قليلة.
عند هذه المعطيات، تتجّه الأنظار في الساعات المقبلة إلى ما يمكن ان تقود اليه مبادرة الراعي، وخصوصاً بعدما استبق بري استقبال الموفد البطريركي، مجدداً اعترافه واحترامه بالوعد السابق بعقد جلسة انتخابية قبل الخامس عشر من حزيران بيوم واحد، خلافاً لبعض التكهنات التي استبعدت مثل هذه الخطوة، مع العلم المسبق أنّ الثنائي سيسعى بمقدار ما تسمح له ظروفه، بعدم وصول مرشح المعارضة إلى ما يفوق الـ 65 صوتاً في الجلسة الاولى بأي وسيلة، منعاً لكي لا يفرض ذلك اللجوء إلى الدورات المتتالية إلى حين انتخاب الرئيس. ولهذا السيناريو ما يدعمه في السرّ والعلن ولا يخضع لأي تشكيك.
الجمهورية