مجلة وفاء wafaamagazine
احتفل لبنان الرسمي أمس ببدء الحفر لاستخراج الغاز والنفط من البلوك الرقم 9 في بحر لبنان الجنوبي، آملاً في أن تأتي النتائج بعد شهرين تقريباً، بما يساعده في إطفاء الانهيار الكبير الاقتصادي والمالي الذي يعيشه. فيما الحفر السياسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي ما زال متعثراً، لانعدام التوافق بين الحافرين المتنافرين الذين تركوا أمر هذا الاستحقاق للخارج، منتظرين عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الشهر المقبل، باسم المجموعة الخماسية العربية – الدولية، مقاطعاً بين أجوبة الكتل والنواب التي بدأ بتلقّيها امس عبر السفارة الفرنسية في بيروت، والتي سيحاول المقاطعة بينها، لتمكينهم من اختيار رئيس بالمواصفات المطلوبة للأولويات التي عليه أن يتصدّى لها، متعاوناً مع الجميع في بداية عهده.
في موازاة انطلاق الحفر النفطي والغازي في عرض البحر، لا يزال الحفر السياسي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد متعثراً تحت وطأة الانقسام العمودي السائد حول هذا الاستحقاق الدستوري، مشفوعاً بمحاولات بعض القوى السياسية تعطيل مهمّة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في جولتها الثالثة، قبل عودته المقرّرة الى لبنان الشهر المقبل، حيث انّ هذه القوى بدأت تخشى من ان تكون موازين القوى بدأت تميل لغير مصلحتها ومصلحة مرشحها او مرشحيها الرئاسيين، خصوصاً بعد عودة الحرارة القوية إلى الاتفاق السعودي ـ الإيراني، في ضوء زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبداللهيان الأخيرة للسعودية، وزيارة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي المقرّرة للرياض، وكذلك إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبوله دعوة طهران لزيارتها وسيلبيها في الوقت المناسب.
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ قوى المعارضة تتوقف طويلاً هذه الأيام عند هذه التطورات السعودية ـ الايرانية، لما يمكن ان تكون لها من تداعيات على لبنان والمنطقة في المديين المنظور والقريب، وكذلك تتبّع ما يمكن ان يحمله لودريان في زيارته المقبلة، وفي ضوء الأجوبة عن الأسئلة التي وجّهها إلى مجموعة الكتل والنواب الذين التقاهم في زيارته الأخيرة، وما زال البعض مستنكفاً عن الإجابة عنها، معترضاً على هذه الخطوة التي أقدم عليها الرجل بتكليف من المجموعة الخماسية العربية ـ الدولية، ليستولد منها مقاربة تساعد الأفرقاء في انتخاب رئيس جديد. فإذا حصل توافق بينهم سيتمّ الانطلاق إلى إنجاز هذا الاستحقاق، وإذا لم يتوافقوا سيطرح خوض الانتخابات بمنافسة ديموقراطية، مستنداً إلى “وعد” يُقال انّه تلقّاه من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالدعوة إلى عقد جلسات مفتوحة حتى يتمّ انتخاب الرئيس العتيد.
بدء تسليم الأجوبة
في هذا السياق، بدأت الكتل النيابية والنواب بتسليم الاجوبة عن الرسالة الفرنسية إلى السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، تمهيداً لعودة لودريان الشهر المقبل، حيث أبلغ نيته عقد اجتماع سيضمّ 15 شخصية، على الرغم من انّ عدد النواب الذين تسلّموا الـ”devoirs” الفرنسي بلغ 38 نائباً حسب معلومات لـ”الجمهورية” من مصادر متابعة للتواصل مع الجهة الفرنسية.
وقالت هذه المصادر، انّ معظم الكتل التي أنجزت الأجوبة مقتنعة بضرورة التعاطي ايجاباً مع التحرّك الفرنسي، ولو انّ البعض رأى في الاسئلة “إنشاءً عربياً” لعناوين فضفاضة تُطرح في كل خطاب سياسي يريده صاحبه ان يكون وطنياً. واشارت المصادر، الى انّ الاهتمام ينصبّ حالياً على ما وصلت اليه الاجتماعات بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، حيث يتمّ التعمّق في درس اقتراح وزير الداخلية الأسبق زياد بارود حول اللامركزية الادارية ومن ضمنها المالية، والذي اقترح باسيل النقاش فيه معلناً قبوله به. وبغض النظر عن العنوان، فإنّ الطرح مقبول لدى الثنائي الشيعي الذي سبق وشارك في52 جلسة نقاش فيه داخل اللجان الفرعية، والتي أنجزت درس نحو 60 مادة منه. وأهم ما يتمّ بحثه مسألتان تعدّان إشكالية، وهي الواردات المالية المخصّصة للأقضية والصندوق اللامركزي ومالية الدولة.
وعلمت “الجمهورية”، انّ “حزب الله” لم يسلّم بعد اجوبة إلى باسيل على ورقة اللامركزية، ولا يزال يدرسها ضمن “الثنائي” على ان يُنجز التفاهم قبل نهاية الشهر…
كذلك علمت “الجمهورية” من مصادر مطلعة، انّ باسيل يتعاطى بإيجابية، على الرغم من انّه واضح في محاولته لعدم كسر العلاقة مع المعارضة. اما بالنسبة إلى ورقة الأولويات الرئاسية، وهي البند الثاني في ورقة الحوار بين “حزب الله” و”التيار”، فالموضوع مختلف، تقول المصادر، لأنّها عموميات تتضمن عناوين وطنية وسيادية ولا مشكلة فيها إذا بقيت كذلك، والاّ فتفاصيلها يحتاج النقاش فيها لسنوات.
أجوبة “التنمية والتحرير”
وفيما كتلة “الوفاء للمقاومة” عاكفة على إعداد اجوبتها عن اسئلة لودريان، علمت “الجمهورية” انّ ورقة “كتلة التنمية والتحرير” تمحورت حول الاجوبة الآتية:
في الأولويات: يطلب من الرئيس ترميم العلاقات الداخلية بين المكونات السياسية وإدارة حوار مستدام لمنع الانقسامات والعمل على ترسيخ التوافقات الوطنية بالارتكاز إلى اتفاق الطائف وتحت سقف الدستور بما فيها الاستراتيجية الدفاعية، بناء ثقة العالم والعرب وتجاوز مرحلة القطيعة والعودة الى قواعد حماية المصالح المشتركة واحترام سيادة الدول. وإقرار الخطة الاصلاحية بالتعاون مع الحكومة والمجلس النيابي (إعادة التوازن المالي وهيكلة المصارف…).
استكمال تطبيق بنود “اتفاق الطائف” لجهة اللامركزية الادارية ومجلس الشيوخ واستقلالية القضاء وتنفيذ قوانين مكافحة الفساد (…) وحل ملف النازحين…
اما في المواصفات، فعلى الرئيس ان يكون صاحب حيثية وطنية وحاضراً في الحياة السياسية وله تجربة في العمل الحكومي والإداري، وان يحسن ادارة التواصل في الداخل والخارج، وان يلتزم باتفاق الطائف والدستور، وان يكون مؤمناً بالثوابت الوطنية ويترفّع عن الحسابات الخاصة والأحقاد الشخصية، ومؤمناً بالحوار وحق الاختلاف وعدم جعله سبباً للقطيعة بين الأفرقاء السياسيين، ويقدّم المصلحة العامة على الخاصة. وكان القائم بأعمال السفارة الفرنسية في بيروت هيرفيه ماغرو تسلّم مهماته أمس، بعدما كانت السفيرة آن غريو غادرت لبنان قبل اسبوعين، وقد استقبله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس، وذلك مع بدء السفارة الفرنسية في بيروت تسلّم الاجوبة النيابية عن السؤالين الواردين في رسالة لودريان.
وفي هذا الإطار اكّد النائب سجيع عطية في حديث تلفزيوني امس، اصرار لودريان على زيارته للبنان في ايلول المقبل، مؤكّداً “انّه هذه المرة لن يكون وحيداً، بل سيرافقه ممثلون عن اللجنة الخماسية المعنية بلبنان”.
على منصّة الحفر
وكان الحدث البارز امس جولة رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي في منصّة الحفر في البلوك رقم 9، وذلك قبل يومين على بداية الحفر والاستكشاف للنفط والغاز، وقد انتقلا الى المنصّة في طوافة تابعة لشركة “توتال انيرجبز” أقلتهما ووزيري الطاقة والاشغال من مطار بيروت الدولي.
وقال بري قبيل توجّهه وميقاتي إلى منصة الحفر: “في هذه العتمة، يأتي يوم فرح عملت له سنوات طوال، إلى أن كان اتفاق الإطار الّذي أعلنته من عين التينة بتاريخ العاشر من تشرين الأوّل عام 2020”. وسأل الله أن “لا تنقضي بضعة شهور إلّا ويمنّ على لبنان بدفق من كرمه، ممّا يشكّل بدايةً لإزاحة الأزمة الاقتصاديّة الّتي يعيشها لبنان وشعبه، وكذلك بتوافق اللّبنانيّين على انتخاب رئيس يقوم بدوره كبداية لحلّ سياسي نتخبّط به”.
ومن جهته ميقاتي، قال عقب الجولة: “أنّنا نتطلّع بأمل بأن تحمل الأيّام المقبلة بشائر خير تساعد لبنان في معالجة الأزمات الكثيرة الّتي يعاني منها”. وأكّد أنّ “ما تحقّق حتّى الآن هو إنجاز يُسجَّل للوطن والشعب اللبناني الصّابر على مِحنه، ونأمل أن يتعاون الجميع في المرحلة المقبلة للنّهوض ببلدنا، ووقف التّدهور الّذي نشهده على الصّعد كافّة”.
وفي هذه الأثناء أعلنت شركة “توتال إنيرجيز” وشريكتاها “إيني” و”قطر للطّاقة”، في بيان، “إطلاق أنشطة الاستكشاف في الرّقعة الرقم 9 في لبنان”. وقال المدير العام للشركة رومان دو لامارتينير: “يسعدنا أن نعلن أنّ عمليّات الحفر ستبدأ خلال أيّام قليلة، بفضل إلتزام فرق “توتال إنيرجيز” ودعم السّلطات اللّبنانيّة وشريكَينا”. وكشف أنّ “البئر الاستكشافيّة ستسمح لنا بتقييم الموارد الهيدروكربونيّة، وإمكانات الإنتاج في هذه المنطقة”. ولفتت “توتال” وشريكتاها، إلى أنّ “شركة “توتال إنيرجيز” هي المشغّل للرّقعة رقم 9 في المياه اللّبنانيّة مع حصّة 35%، إلى جانب شريكتَيها “إيني” (35%) و”قطر للطّاقة” (30%)”.
التجديد لـ”اليونيفيل”
من جهة ثانية، وفي إطار الاستعدادات الجارية في نيويورك للتجديد للقوات الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) في 31 من الجاري، يتوجّه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب إلى الامم المتحدة اليوم، للمشاركة في المفاوضات الجارية وتأكيد موقف لبنان الرافض المسودة المطروحة، والتي تصرّ دول على تضمينها تعديلات على مهمّة قوات “اليونيفيل”، تمنحها حرّية التحرّك في المنطقة الجنوبية بمعزل عن الجيش اللبناني.
وكان مقرّراً ان يسافر بوحبيب امس إلى نيويورك لكنه أرجأ سفره الى اليوم لأسباب ادارية وتقنية.
اسرائيل والخيمة
من جهة ثانية، وعلى صعيد الوضع على الحدود الجنوبية، وجّه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، امس رسالة عبر إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى عناصر “حزب الله” الموجودين داخل الخيمة التي اقامها الحزب في منطقة مزارع شبعا المحتلة، قال فيها: “في البداية كانت هناك خيمتان، ثم قاموا بإخلاء واحدة، وسيتمّ إخلاء الثانية أيضاً”. وتابع، “هذه الخيمة لا تشكّل خطراً على أمن إسرائيل”. وأضاف: “لا يزال هناك (في الخيمة) عدة أشخاص، وفي ما يتعلق بضمان حياتهم لم أكن لأقترح عليهم الاعتماد على كرم الجيش الإسرائيلي عندما يأتي اليوم الذي يقرّر فيه طردهم”.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ “إسرائيل طالبت مجلس الأمن الدولي بمعالجة ملف “خيمة حزب الله” اللبناني، وتوسيع تفويض قوات “اليونيفيل” الدولية عند “الخط الأخضر”، وهو التفويض الذي يُجدّد، في شهر آب من كل عام.
الجمهورية