
مجلة وفاء wafaamagazine
كتب رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموععبد الهادي محفوظ
الرئيس السوري أحمد الشرع يمسك كرة النار بين يديه. فلا الأوضاع تمكنه من إقامة دولة القانون التي يدعو إليها. ولا الخلافة الإسلامية التي يريدها أتباعه. ولا دولة السيادة السورية التي تنتهكها اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وروسيا. ولا الإنتماء القومي العروبي الذي تطالبه به المملكة العربية السعودية. ولا الإسلام المعتدل المنفتح على كل المكونات والذي لا تراعيه الجماعات المتطرفة إسلاميا والتي تقوم بممارسات طائفية فظة تبررها بمحاسبة الإنتماء إلى النظام السابق عن غير حق.
والحقيقة أن السهولة التي سقط بها النظام السابق لا توحي إطلاقا أن الأمر تم نتاج اختلال ميزان القوى وإنما بتواطؤ دولي – اقليمي يفسر صعوبة إرساء النظام السياسي الجديد وبناء الدولة التي يعلنها أو يضمرها أحمد الشرع.
فالاختراقات الدولية والإقليمية للوضع السوري الجديد أقوى من أن يتحكم بها الرئيس السوري، هذا عدا عن أن المكونات السورية مجتمعة تعيش نوعاً من القلق الوجودي والسياسي لا ترتاح فيه إلى التوجهات الحقيقية للاتجاهات الدينية المتطرفة ولا تحظى بقبول من أكثرية السنة في المدن الكبرى ما يعيق إمكانية انتشار السلطة. وهذا استعصاء داخلي يضاف إلى الاستعصاءات الخارجية المتمثلة بوجود قوى عسكرية خارجية تريد نفوذاً سياسياً ومشاركة اقتصادية وهيمنة على النفط والغاز. إضافةً إلى كون إسرائيل تريد تطبيعاً للعلاقات مع دولة ضعيفة وفيدرالية في أحسن الأحوال.
بدورها، واشنطن تلعب على التناقضات في سوريا. فالرئيس ترامب يؤيد من جهة النفوذ التركي ويتخلى عن الأكراد في تركيا وفي سوريا في نفس الوقت كما يترك لإسرائيل حرية الحركة العسكرية والسياسية وصولاً للشام. وهكذا إذا كانت تركيا ترغب بدولة سورية موحدة تنضوي تحت سلطة تركيا وحمايتها، فإن إسرائيل تريد دولة مفككة الأوصال واستثمار المخاوف الطائفية والعرقية. وهذا يعني أن هناك تعارضاً جوهرياً بين المشروعين التركي والإسرائيلي، ما ينعكس عجزاً على مستوى السياسة ورهانات طوائفية وعرقية لا تلتقي بالضرورة حول فكرة الدولة الواحدة. وهذا ما يلمح إليه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المتخوف من حرب طائفية سنية درزية في سوريا تنسحب بتداعياتها على الوضع اللبناني الذي لم يتعافى حتى الآن.
والأكيد حالياً أن الفاعل الرئيسي في الإقليم هو الولايات المتحدة الأميركية التي تشاء إضعاف كل اللاعبين المحليين والإقليميين على السواء. ومعنى هذا الأمر توترات متنقلة في سوريا وإغلاق مناطق جغرافية على بعضها وتحالفات بين الأقليات وامتداد هذه التحالفات إلى الداخل اللبناني ما يؤثلر سلباً في عودة الاستثمار إلى لبنان وسوريا معاً والإشغال بمشاكل داخلية تزيد من تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي…
ختاماً، خيارات أحمد الشرع صعبة بكل الاتجاهات. فتردده بين السعودية وتركيا ومحاولته أن يوازن بين الدولتين محفوفة بمخاطر أن تستبدله تركيا بأحمد شرع آخر أكثر طواعية. كما أن “نظرية التمكين” الأخوانية لا تملك الوقت الكافي. وبالتالي عليه، أي أحمد الشرع، حسم خياراته قبل فوات الأوان. وحسم الخيارات يفترض الوضوح والانفتاح الحقيقي على الآخر. وهذا ما لا توحي به السياسات السورية التي لا ترى ترجمة في حكومة تشترك فيها كل المكونات وترتاح إليها.