الرئيسية / آخر الأخبار / عائلات غزية ترفض النزوح رغم التهديدات: «نموت هنا ولا نذل هناك»

عائلات غزية ترفض النزوح رغم التهديدات: «نموت هنا ولا نذل هناك»

مجلة وفاء wafaamagazine

رغم أوامر الإخلاءات الإسرائيلية، والتي تدعو السكان إلى النزوح من منازلهم في المناطق الشرقية والشمالية والتوجه غرباً، لا تزال أم حامد ديب (49 عاماً) تقف في فناء بيتها المتهالك في حي التفاح شرق مدينة غزة، رافضة المغادرة مع أبنائها الستة.«هذه رابع مرة يطلبون منا النزوح. إلى أين نذهب؟ كل المخيمات مزدحمة، لا ماء، لا طعام، لا خصوصية. نموت هنا أفضل من أن نُذل هناك»، تقول أم حامد لـ«الأخبار».

في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت وتيرة التهديدات الإسرائيلية بإخلاء أحياء شرقية في مدينة غزة، ومنها حي التفاح، مع غياب أي ضمانات للسلامة أو توفير بدائل إنسانية. لكن عائلة أم حامد، كالكثير من العائلات، قررت هذه المرة ألا ترحل.وأوضحت أم حامد أن الكثير من العائلات «أصبحت متمسكة أكثر بالبقاء في منازلها رفضاً لمخططات التهجير، وفرض سياسة النزوح المتكرر التي تهدف لعدم منح السكان الشعور بالاستقرار».ابنها حامد، (21 عاماً)، يحمل بقايا باب خشبي لسد ثغرة في حائط المنزل الذي أنهكه القصف، ويقول: «كل مرة ننزح، نعيش الذل. لم يبق لنا شيء، لا بيت، ولا مستقبل، ولا حتى كرامة. قررنا نبقى، مهما صار».وتحاول هذه العائلة إعادة ترميم منزلهم بأدوات بسيطة مثل النايلون والأخشاب، إذ ترفض إسرائيل إدخال مواد البناء أو حتى المعدات والآليات الثقيلة لإزالة ركام المنازل المدمرة.

لن أرحل مجدداً

رغم التحليق المتواصل للطائرات الإسرائيلية في سماء حي الشجاعية شرق مدينة غزة، ورغم الأوامر العسكرية التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لسكان الحي بإخلاء منازلهم فوراً والتوجه إلى الغرب، يصرّ الحاج خليل العبد (60 عاماً) على البقاء في خيمته برفقة أسرته، متحدياً الخطر اليومي والإلحاح المتكرر بالنزوح.يقول الحاج خليل لـ«الأخبار»، وهو يقف أمام منزله المنهار بالكامل أمام خيمته: «نزحنا مرتين من قبل. عشنا الذل في المدارس، وتعرضنا للإهانة من قلّة المياه والطعام وانعدام الخصوصية. لن أكرر ذلك. الموت في البيت أشرف من حياة الذل في الملاجئ».الحاج خليل، الذي فقد أحد أبنائه في قصف إسرائيلي في تشرين الثاني 2024، يؤمن بأن البقاء في الحي هو شكل من أشكال المقاومة… «يريدون أن نرحل لنُمحى من المكان، لكنني باقٍ هنا. لا ممرات آمنة ولا ضمانات. نحن لا نهرب إلى الموت، بل نبقى في وجهه».زوجته وأبناؤه يشاركونه القرار، رغم خوفهم من القصف المفاجئ. يقول ابنه الأكبر سامي (33 عاماً): «نقلنا إخوتي الصغار إلى أحد البيوت المجاورة الأكثر تحصيناً، لكننا لم نغادر الحي. الملاجئ مكتظة، لا خدمات، والمرض منتشر. النزوح صار جحيماً إضافياً».وفي شوارع الشجاعية، تزداد مشاهد العائلات الرافضة للنزوح رغم اشتداد القصف، في دلالة واضحة على حجم الإصرار الشعبي على البقاء، ورفض الخضوع لأوامر الاحتلال.يختصر الحاج خليل الموقف بكلمات قليلة: «لن نرحل… من هذا البيت خرج أبنائي إلى مدارسهم، وتزوجوا هنا، وسنبقى فيه ما حيينا».

ظاهرة متنامية

ويعلّق الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل على ظاهرة رفض الإخلاء بالقول إنّ «ما نشهده اليوم في أحياء مثل الشجاعية والزيتون والتفاح، هو تعبير عن وعي شعبي متقدّم بخطورة مخططات الاحتلال، الذي يستخدم أوامر الإخلاء كوسيلة للتهجير القسري وتفريغ مناطق بأكملها من سكانها الأصليين».ويضيف عوكل في حديث لـ«الأخبار»: «الناس لم تعد ترى في النزوح خياراً آمناً، بعدما خبرت التجربة المرة مرات متكررة، من القصف إلى الاكتظاظ إلى غياب الحدّ الأدنى من مقومات الحياة في مراكز الإيواء. لقد فقد كثيرون ثقتهم في أن هناك مكاناً آمناً، ولذلك قرروا البقاء والمواجهة، ولو على حساب حياتهم».ويتابع: «ما تريده إسرائيل هو إعادة تشكيل الخريطة السكانية في قطاع غزة من خلال الإخلاءات المتكررة، وتكريس وقائع جديدة على الأرض تحت غطاء العمليات العسكرية، لكن صمود الناس في بيوتهم، رغم الخطر، يبعث برسالة واضحة بأن هذه المخططات لن تمر بسهولة».وطالب عوكل المجتمع الدولي بأن «لا يتعامل مع أوامر الإخلاء وكأنها إجراءات أمنية، بل يجب تسميتها كما هي: جرائم تهجير قسري بحق المدنيين المحاصرين، تُرتكب تحت سمعه وبصره»