
مجلة وفاء wafaamagazine
كتب غاصب المختار في” اللواء”:
ظهر من نتائج زيارة الموفد الأميركي الى لبنان السفير توماس برّاك الى بيروت ومواقفه «الدبلوماسية الهادئة»، انها لم تحمل أي جديد فعلي سوى تغيّر االلهجة الأميركية من حادّة وفظّة مع الموفدة السابقة مورغان أورتاغوس، الى رقيقة ومنمّقة مع برّاك، لكنها تحمل في طياتها جوهر المطلب الأميركي – الإسرائيلي من لبنان. وإذا كان لبنان الرسمي مرتاح لطبيعة اللقاءات ولما سمعه من برّاك، فإن الكلام الهادىء شيء والفعل على الأرض شيء آخر، وهو تبدّى في استمرار المراوحة بمعالجة الاعتداءات والتصعيد الإسرائيلي، بإنتظار أن يأتي الرد الأميركي الرسمي قريباً، مع ان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، والعنوان أعلنه برّاك بلسانه: افعلوا كذا أو اننا لا نضمن ما ستفعله إسرائيل!
وثمة نظرة أحادية في التعامل مع الوقائع التي أفرزتها زيارة برّاك ومواقفه، ومواقف الدولة، وأيضا موقف حزب الله برفض تسليم السلاح والذي نُقِلَ منقوصا ومجتزءاً، إذ ان الحزب لم يرفض بالمطلق تسليم السلاح بل ربط ملف السلاح بضمانات أميركية واضحة وعملية بوقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلة وإطلاق سراح الأسرى ومسار إعادة الإعمار. وهو ذاته الموقف الذي عبّر عنه بوضوح الرد اللبناني الرسمي، فلا يمكن تنفيذ المطالب الأميركية بحذافيرها بينما يد الاحتلال الإسرائيلي مطلقة في استباحة لبنان من جنوبه إلى شماله وبقاعه، وهو أمر يُحرج الدولة أمام شريحة واسعة من اللبنانيين.
أما في خلفيات كلام برّاك «الدبلوماسي والهادئ والمدروس»، فثمة تناقض بين ما تريده الإدارة الأميركية من لبنان وكلامها عن استقراره وازدهاره وبين تسهيل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وظهر التناقض عبر ما أعلنه الموفد الأميركي من إلقاء مسؤولية فشل الاتفاق على لبنان وحزب االله، من دون تحميل إسرائيل أي مسؤولية عن عدم الالتزام بالاتفاق منذ لحظة توقيعه وحتى الآن. ومن دون الاعتراف بأن سبب فشل آلية تنفيذ وقف إطلاق النار عائد الى الاتفاق الجانبي مع إسرائيل الذي عقدته إدارة الرئيس السابق جو بايدن قبل رحيلها ووافق عليه الرئيس ترامب بعد انتخابه وقبل تسلّمه مهامه رسمياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار. والذي أطلق يدها في لبنان بحجة «حق الدفاع عن النفس».
ولعلّ الرسائل الدموية الجوية الإسرائيلية خلال وجود برّاك في لبنان من الجنوب الى الشمال وخلال وجود نتنياهو في البيت الأبيض مع ترامب، خير دليل على تناقض الموقف الأميركي ونظرته الأحادية الى جوهر المشكلة. فكل ما يريده هو نزع سلاح المقاومة لا أكثر ولا أقل، والباقي تفاصيل برأيه قابلة للبحث حسب مصلحة إسرائيل وحسب ما ترسمه الإدارة الأميركية للمنطقة.
لذلك، لم يمرّ قطوع التصعيد الإسرائيلي كما توقّع البعض خلال زيارة برّاك لبيروت وبعدها برغم ما قيل عن نتائج جيدة للزيارة، والدليل الغارة الجوية على منطقة العيرونية قرب طرابلس، والتي اعتبرها النائب فيصل كرامي بحق انها «الرد الإسرائيلي الأوّلي على الرد اللبناني على ورقة برّاك بخصوص موضوع السلاح، وأيضا من دون أي توضيح أو موقف من برّاك. وأن لبنان كله مستباح».
والملفت للإنتباه ان أيا من المسؤولين لم يذكر علنا لا خلال جولة برّاك ولا بعدها، كيف سيتم التعاطي مع تصاعد العدوان الإسرائيلي وفشل لجنة الإشراف الخماسية على تنفيذ وقف إطلاق النار، وما هو البديل الفوري الذي قد يكون اقترحه برّاك أو طلبه المسؤولون اللبنانيون، بإنتظار البتّ النهائي في واشنطن بالرد اللبناني.
أما زيارة برّاك للجنوب فهي طبيعية وبمثابة معاينة عن قُرب للوضع عند الحدود، على أمل أن يكون قد اطّلع عن كثب على ما فعله الاحتلال الإسرائيلي خلال فترة وقف إطلاق النار من قتل وتدمير زاد من الأعباء على لبنان. وكيف يعرقل الاحتلال استكمال انتشار الجيش اللبناني جنوبي نهر الليطاني، وكيف يمنع عودة المدنيين الى قراهم. وكل هذا تمّ بالفعل برضى أميركي واضح ومكشوف، بدليل غياب الرئيس الأميركي للجنة الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار الجنرال مايكل ليني غيابا تاما عن الصورة منذ تسلّمه مهامه، وعدم وضع آلية جديدة لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار.