
مجلة وفاء wafaamagazine
كتب إبراهيم الأمين في “الأخبار” :
لكن النتيجة لا تعود لصالحه، فعندما تسمع من خمسة أشخاص، لا يتفقون على شيء، إشارات إعجاب ببراك، والقول إنه شخص يريد الوصول إلى نتيجة عادلة. فالمشكلة لا تعود بالأشخاص الخمسة، بل بالرجل نفسه. وهو طبعاً ليس منشغل البال في كيفية خروج «القوات اللبنانية» بانطباع أن الرجل يريد نزع السلاح ونقطة على السطر، بينما يخرج من عين التينة من يتحدث عن تفهم براك لأطروحة الرئيس نبيه بري، فيما يقول أحد مستشاري رئيس الجمهورية جوزيف عون إن براك، كان مقتنعاً بخطة الرئيس للحوار حول السلاح.
ربما لا يعرف كثيرون أن براك الذي أمضى في لبنان نحو ثلاثة أيام، استهلك أقل من 20 ساعة فقط في متابعة الملف اللبناني. لكن في غالبية الوقت، كان على تواصل مفتوح مع واشنطن ودمشق وتل أبيب لمتابعة الملف السوري. وربما هذا ما دفعه ليكون صريحاً مع كثيرين، فقال «أنا هنا لأن هناك فرصة لنقوم بشيء، لكن عليكم أن تعرفوا أن اهتمام الرئيس ترامب بلبنان ليس أمراً مضموناً استمرارُه. وهناك نافذة زمنية قصيرة، وبعدها، لن يكون هناك في أميركا من يهتم أصلاً لمتابعة ملف لبنان. بل أقول لكم أكثر من ذلك، وقد يستاء البعض من هذا الكلام، لأن دول المنطقة، العربية وغير العربية، لا تجد في لبنان ما يستدعي الاهتمام الجدي»، وعندما يصل الرجل إلى إسرائيل يقول «إسرائيل تريد أشياء كثيرة من لبنان، ولكنها صارت تتعامل معه بطريقة مختلفة، تنظر إليه بفوقية كبيرة».
يعرف براك أن مهمته لا تستهدف إنقاذ لبنان من أزماته، بل تستهدف إلزامه بخطوات تخصّ أمن إسرائيل ومصالح أميركا. والهدف المركزي هو نزع سلاح المقاومة ونقطة على السطر. وقد أكد براك بنفسه قائلاً إنه ليس في مهمة تفاوضية لصياغة اتفاق أو تفاهم جديد. لكنه لا يمانع أن يكون وسيطاً لترتيب صفقة كبيرة بين لبنان وإسرائيل إن أراد لبنان ذلك. لكنه، حتى اللحظة الراهنة، يصر على القول إنه في مهمة التأكد من إمكانية تحقيق النتائج المفترضة لاتفاق وقف إطلاق النار.
نجح المبعوث الأميركي في خلق انطباعات متضاربة حول ما يريد، ولكنه كان صريحاً بأن نزع السلاح مطلب إسرائيلي
وعند الغوص في النقاش، لا يتردد براك في القول إن هناك مشكلة. والطرفان يقدمان الحجج على أن الآخر لا يلتزم بالاتفاق. صحيح أن براك لم يحاجج الرئيس بري عندما شرح له بالوقائع ما الذي تفعله إسرائيل، إلا أنه عاد لاحقاً ليقول إن ضمان حسن تنفيذ الاتفاق يتطلب خطوات أكبر من جانب لبنان. وعند التدقيق معه، يعود إلى ورقته: انزعوا السلاح!
الذين التقوا براك، يقولون إن واشنطن تتبنى رأي إسرائيل بأنه لا يجوز أن يبقى مع حزب الله أي نوع من السلاح. صحيح أن الأولوية هي للأسلحة التي تشكّل خطراً على «دولة إسرائيل»، ولكن ذلك لا يعني أنه مسموح لحزب الله أن يحتفظ بأسلحة خاصة، ولو كانت خفيفة. وفي رأي براك، إن على لبنان إنجاز هذه المهمة ضمن فترة زمنية محددة، لا تتجاوز الثلاثة أشهر. ومع النقاشات التي حصلت، عاد براك ليتواصل مع إدارته في واشنطن، ليقول لاحقاً إنّ مهلة الأشهر القليلة إنْ جرى تمديدها لفترة ممثلة، فهذا يعني أنكم في لبنان سوف تماطلون، وسوف تمر ثلاثة أشهر تلو ثلاثة أشهر وهكذا دواليك، وفي كل مرة، سوف تقولون لنا إن هناك عقبات تحول تطبيق العملية!
التفهم والرشاوى
عند هذه النقطة، يظهر التوتر على وجه الموفد الأميركي. رجل الصفقات، لا يريد أن يدخل في مفاوضات طويلة وشاقة ومفتوحة. وهو يفهم أن الأمر يتطلب بعض المرونة. فبدأ بإخراج بعض الأوراق، محاولاً عرضها كرشوة أو كمغريات للبنان إن سار باتفاق نزع السلاح. لكن ذلك لا يمنعه من العودة إلى إشهار عناصر التهديد التي ستتحول إلى وقائع إن لم يلتزم لبنان بما تريده أميركا.
يقرّ براك بأن المطالب التفصيلية الخاصة بسلاح حزب الله تمثل مصلحة إسرائيلية. لكنه يعتقد أن لبنان ليس في موقع يسمح له بوضع شروط على أحد، وتحديداً على إسرائيل. وعند سؤاله عما إذا كان هذا التقدير يحمل في طياته تهديداً بشن إسرائيل حرباً جديدة على لبنان، يجيب بطريقة لافتة، وهو قال حرفياً رداً على سؤال حول هذا الأمر: «في إسرائيل، يقولون إنهم أزالوا الخطر الحقيقي لحزب الله. لا بل إنهم يفاخرون بأن لبنان موجود الآن في الجيبة الصغيرة لبنطالهم، ولا يعتقدون أنه يشكّل خطراً عليهم. لكنهم لا يريدون أن يتركوا سكيناً في يد أيّ من أعدائهم!».
براك الذي ينسب الكلام إلى الإسرائيليين، وتحديداً إلى بنيامين نتنياهو، يحاول أن يقول إن هذه الوضعية تشير إلى أن إسرائيل ليست في وضع يجبرها على الدخول في حرب جديدة ضد لبنان. لكنه لا يقبل أن يحشره أحد بسؤال يبدو أنه لا يملك جوابه، مثل، هل تضمن عدم شن الحرب من جديد؟
يقول إن هناك 5 مليارات دولار يمكن صرفها في لبنان، شرط المباشرة في خطة نزع السلاح خلال شهر آب
لكن براك بدا مستعداً لإظهار بعض المرونة. فهو تحدّث عما شاهده من دمار في الجنوب. وأكد أنه من الصعب منع الناس من العودة إلى قراها وبدء إعمار منازلها. وهو قال إنّ التزام لبنان تنفيذ خطة نزع السلاح، سيسمح له بالضغط على إسرائيل لتحقيق عدة أمور منها، وقف إطلاق النار على أبناء القرى الحدودية، وخلق مناخ آمن من أجل عودتهم إلى قراهم وبدء الإعمار، كذلك العمل على تأمين انسحاب إسرائيل من نقطتين على الأقل من النقاط الخمس، وإطلاق بعض الأسرى.
مع وعد بالعمل على إقناع إسرائيل بتضييق دائرة عملها العسكري ضد أهداف بشرية أو مادية في لبنان. قال كل ذلك، وأخرج أرنباً يهمّ اللبنانيين: هناك فرصة جدية لتوفير 5 مليارات دولار تخصص لدعم إعادة الإعمار في لبنان، وإذا أظهر لبنان خلال شهر آب خطوات عملانية، فإن طلائع هذه الأموال تبدأ بالوصول في أيلول المقبل.
التحذير والمخاطر
لكن براك، الذي يصعب عليه أن يتحول خلال عدة أسابيع إلى خبير في المتاهة اللبنانية، سارع أيضاً، وعلى طريقة رئيسه ترامب، إلى إظهار العصا الغليظة. وإذا كان الناس في لبنان يميّزون بينه وبين المبعوثة السابقة مورغان أورتاغوس، فهذا لا يتعلق بجوهر الموقف.
لذلك كان براك صريحاً:
أولاً: لبنان، ليس مدرجاً على جدول أعمال القوى الكبيرة في المنطقة والعالم. وبالتالي، فإن على اللبنانيين أن يدركوا أنهم ليسوا محل اهتمام استثنائي. وإن واقعهم اليوم مختلف تماماً عما كان عليه الوضع قبل سنة.
ثانياً: إن الحدث السوري هو الحدث المفصلي في الشرق الأوسط، والصراع الفعلي قائم على سوريا. والكل عينه على سوريا، وإذا ما كان هناك من يريد إنفاق الأموال، فهو يريد أن يفعل ذلك في سوريا، لأن هناك توجد دولة، وفرصة لعمل كبير. بينما لا يزال لبنان،مجرد ساحة خلفية، وسمعة القيّمين على أموره ليست جدية، ولا هي مغرية لأحد.
ثالثاً: لا تملك الولايات المتحدة برنامجاً مستقلاً يخص لبنان. هي ترى مصالح إسرائيل أساسية في مقاربة الملف اللبناني، وواشنطن لا تملك الرغبة ولا القناعة بإلزام إسرائيل القيام بخطوات من دون مقابل. وحتى لا يفهم خطأ في هذه النقطة، قال براك: عندما تعرضون علينا أي خطة، عليكم أن تعرفوا أنّ المهم أن تكون منطقية وقابلة للتصديق من قبل إسرائيل.
رابعاً: ليس مهماً بالنسبة إلى العالم كيف يفكر اللبنانيون في أمورهم، بل ما يهمّ العالم يتعلق بما يتوجب على لبنان القيام به. وكل تأخير في التزام المطلوب، سينعكس سلباً على أمور تخص لبنان. وفي إشارة عملانية، تحدّث براك عن رغبة لبنان في التجديد لقوات اليونيفل العاملة في الجنوب.
لكن رغبة لبنان ليست وحدها من يقرر المسار. ويشير بما يشبه التهديد: إسرائيل لم تعد تثق بكل مؤسسات الأمم المتحدة، وهي ترى أن اليونفيل غير مؤهلة للقيام بأي دور، بعدما أظهرت التطورات الميدانية أنها فشلت في تطبيق القرار 1701 خلال السنوات الـ19 الماضية. وبالتالي، ليس لدى إسرائيل ما يجعلها تقبل ببقاء اليونيفيل.
وفي تعليقات كمن يسوّق أو يشرح وجهة نظر، يتحدث براك عن أنّ موقف إسرائيل من الأمم المتحدة، وقرار الولايات المتحدة تقليص التمويل لقوات حفظ السلام، والتطورات على الأرض، كلّها عناصر قد تصبّ في خانة قرار يلامس حد عدم التجديد للقوة. وأن يصار إما إلى تقليص العديد بصورة تجعلها مجرد مجموعة من المراقبين من دون فعالية، وإما أن يصار إلى إلغاء كل هذا الوجود، والبحث عن صيغة أخرى لتنسيق الأمور جنوباً.
وفي هذا السياق، يبدو أنّ في واشنطن كما إسرائيل، من يعتقد أنه في حال خرجت القوات الدولية من جنوب لبنان، سيجد الجيش اللبناني نفسه مضطراً إلى التنسيق المباشر مع إسرائيل من أجل الترتيبات في الجنوب، أو في الحد الأدنى عبر السفارة الأميركية. وهو أمر لا تعارضه إسرائيل، خصوصاً أنّ في تل أبيب من يقول إن على الجيش اللبناني أن يلتزم بكل التعليمات التي تصدرها إسرائيل، وإلا فإنه يعرّض لبنان للخطر.