الرئيسية / آخر الأخبار / المتلاعبون بمصير لبنان: سلامة والمصارف وأشمور وآخرون

المتلاعبون بمصير لبنان: سلامة والمصارف وأشمور وآخرون

مجلة وفاء wafaamagazine 

 ثمّة الكثير من عمليات التلاعب بمسألة دفع الديون أو إعادة هيكلتها. ‏صندوق النقد الدولي تلاعب بالمسؤولين اللبنانيين حين اشترط انخراط ‏لبنان ببرنامج معه لتقديم الاستشارة التقنية، فيما أدّى حاكم مصرف لبنان ‏رياض سلامة دوراً في الامتناع عن تقديم معلومات موثوقة ودقيقة عن ‏موجوداته وعن قيمة الأموال التي ستخرج من لبنان إذا سُدّدت استحقاقات ‏اليوروبوندز. كذلك، فإن المصارف تلاعبت بالسوق بالاشتراك مع صندوق ‏‏”أشمور” لتزيد حصّة الأجانب من استحقاقات 2020 إلى 76% بدلاً من ‏‏29‏‎%‎


يوم الإثنين المقبل، تستحق سندات يوروبوندز صادرة عن وزارة المال بقيمة 1200 مليون دولار. وعقود ‏اليوروبوندز تشير إلى أنه عند التخلّف عن سداد سند واحد، تستحق كل السندات وفوائدها دفعة واحدة. كذلك تنصّ ‏العقود على أن التخلّف عن السداد‎ (Default) ‎هو في الحالات الآتية: التوقف عن سداد أيّ من الدفعات المرتبطة ‏بأصل الدين لأكثر من 7 أيام، التوقف عن سداد أيّ من الدفعات المرتبطة بالفوائد لأكثر من 30 يوماً، خرق ‏الموجبات المتعلقة بالعقد ولم يعالج خلال فترة 30 يوماً من تلقّي إنذار بهذا الخرق، إذا دخلت الدولة في مفاوضات ‏مع الدائنين بهدف إعادة الهيكلة أو وقف الدفعات أو أعلنت أو فرضت ذلك، فإن كل السندات أو الضمانات تصبح ‏متوجّبة الأداء. القرار بشأن الموافقة على المفاوضات أو الامتناع عنها يتطلب موافقة أغلبية حملة السندات بنسبة ‏‏75‏‎%.‎


لدى الحكومة سبعة أيام إضافية لاتخاذ قرار نهائي وحاسم. هذا القرار يفترض أن يكون مبنياً على نتائج اجتماعات ‏لجنة الإنقاذ التي ناقشت في الاجتماعات الأخيرة بمشاركة وزير المال غازي وزني وسلفه علي حسن خليل ‏ومعظم أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف، ثلاثة اقتراحات‎:


ــــ الأول عرضه خليل مقترحاً توسيع إصدار سندات الخزينة لكل شريحة من الشرائح التي يحملها أجانب بنسبة ‏تفوق 25% من أجل تذويب حصّة الأجانب منها لتصبح أقلّ من 25%، ما يتيح للدولة اللبنانية استعادة قرار ‏الغالبية المفروض بموجب العقود، أي نسبة الـ 75% لاتخاذ قرار بشأن الدخول مع الدائنين في مرحلة التفاوض ‏للتوصل إلى اتفاق مسبق على إعادة الهيكلة. تبيّن أن هذا الاقتراح يوسّع الدين العام بقيمة 4.5 مليارات دولار، وهو ‏ما اعتبره المستشار المالي “لازار” أمراً غير مقبول إذا كانت الدولة اللبنانية تبحث عن طريقة لخفض ديونها، لا ‏عن طريقة لزيادتها‎.‎


ــــ الثاني هو عرض من المصارف التي اقترحت شراء سندات اليوروبوندز المحمولة من الأجانب لتصبح ‏حصّتها منها توازي 75%، بشرط تأجيل دفع أصل السندات المستحقة في 2020 والاستمرار في دفع الفوائد ‏البالغة قيمتها 1.5 مليار دولار. المصارف كانت منقسمة حول هذا الطرح، وتقرّر أن تأخذ رأي محاميها القانوني ‏الذي يعمل شريكاً في شركة‎ DLA Piper ‎فأوضح لها أن هذا الأمر يعدّ بمثابة مؤامرة احتيالية تسقط سريعاً في ‏المحاكم الأميركية التي ستعتبر هذه الخطوة بمثابة عمليات تجارة مبنية على عمليات تسريب معلومات سريّة‎.


ــــ الثالث اقترحه أمس وزير المال غازي وزني على المصارف، ويقضي بأن توافق على استبدال كل السندات ‏التي تحملها (تحمل المصارف اليوم سندات بقيمة تصل إلى 14 مليار دولار) بسندات جديدة تصدرها وزارة المال ‏بفائدة متدنّية، مقابل مواصلة الخزينة سداد الديون، ما يوفّر على الخزينة نحو 700 مليون دولار من فوائد السنة ‏الجارية، ويخفض أصل الدين المستحق هذه السنة بقيمة 500 مليون دولار، لكن ستواصل الخزينة دفع ‏الاستحقاقات للخارج. مشكلة هذا الاقتراح، الذي وافقت عليه المصارف، لكن رفضته القوى السياسية، أنه يبيع ‏المصارف من كيس الخزينة مجدداً، إذ إن السندات التي سيتم استبدالها بنفس قيمتها الاسمية (100 دولار مقابل كل ‏سند) يمكن شراؤها اليوم من السوق بحسم لا يقلّ عن 40% ويمكن أن يصل إلى 60%، فمن هو المستفيد من ‏إصدار كهذا؟‎


هذه الاقتراحات برزت إلى العلن بعد سلسلة عمليات تلاعب قام بها أطراف عدّة أدّت إلى توريط لبنان بمسألة ‏استجداء المفاوضات مع صندوق أشمور؛ فمن جهته، قدّم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة معلومات مضلّلة عن ‏قيمة المبالغ التي ستخرج من لبنان إذا سدّد لبنان استحقاقات اليوروبوندز. أبلغ رئيس الحكومة أن حصّة الأجانب ‏من الاستحقاقات الثلاثة في 2020 تبلغ 400 مليون دولار وهي التي ستخرج من لبنان وأنه قادر على سدادها من ‏الاحتياطات. لكن سرعان ما تبيّن لوزير المال بواسطة “سيتي بنك” أن هناك ما لا يقلّ عن 600 مليون دولار ‏ستخرج من الاستحقاقات‎.


لاحقاً، تبيّن أن هناك عملية تلاعب أكبر تقوم بها المصارف مع جهات خارجية؛ أبرزها صندوق أشمور. فمنذ ‏تشرين الأول 2019 كانت حصّة الأجانب من الاستحقاقات الثلاثة في 2020 تبلغ 730 مليون دولار أو ما ‏يوازي 29.12% من استحقاقات بقيمة 2500 مليون دولار، لكن هذه النسبة ارتفعت بعدما عرض سلامة على ‏المصارف في 30 كانون الأول 2019 تنفيذ عملية “سواب” لاستبدال سندات تستحق في آذار بسندات ذات ‏استحقاقات أطول. بعد أيام، ارتفعت حصّة الأجانب في هذه السندات إلى 51.3%، وتبيّن في جلسات لجنة الإنقاذ ‏أن حصّة الأجانب ارتفعت إلى 1900 مليون دولار أو ما يوازي 76.7% من مجمل الاستحقاقات الثلاثة. بمعنى ‏آخر، إن المصارف اللبنانية باعت 1170 مليون دولار من سندات اليوروبوندز للأجانب في أسابيع قليلة. وتبيّن ‏أن الشاري الأكبر لهذه السندات هو صندوق أشمور، ما أثار الكثير من الاستغراب. فإذا كانت المصارف تبرّر ‏عمليات البيع بحاجتها إلى السيولة، فلماذا تركّز شراء السندات من قبل أشمور؟ هل تلقى هذا الصندوق أي ‏معلومات داخلية عن نيّة الحكومة تسديد السندات في وقتها من خلال عمليات الاستبدال التي كان ينوي حاكم ‏مصرف لبنان القيام بها؟ ولماذا استمرّ في شراء السندات اللبنانية التي انخفض سعرها في السوق الدولية إلى أقل ‏من 50 سنتاً، في وقت بدا فيه أن اتجاه الحكومة نحو التخلّف عن السداد يزداد وضوحاً؟ ألا يعني أن هناك تلاعباً ‏في السوق؟‎


سبق هذا الأمر عملية تلاعب من صندوق النقد الدولي. فالوفد الذي أتى إلى لبنان بناءً على اتصال من وزير المال ‏غازي وزني، جاء من أجل تقديم الاستشارة التقنية، إلا أنه في الاجتماعات التي عقدت مع الصندوق، سواء في ‏رئاسة الحكومة أو وزارة المال أو مصرف لبنان أو غيرها، تبيّن أن الوفد قام بدور المتفرّج ورفض تقديم ‏المساعدة التقنية للسيناريوات التي يريد لبنان دراستها، مثل أي مستوى من نسبة الدين إلى الناتج يجب بلوغها، ‏وتحديد مستوى الاقتطاع الناجم عن إعادة الهيكلة وانعكاساتها على رساميل المصارف وعلى ميزانية مصرف ‏لبنان وعلى الخزينة بالاستناد إلى مؤشرات اقتصادية عن نسب النمو والفائض الأول والإيرادات… ثمة الكثير من ‏المعادلات الرياضية التي يستطيع الصندوق استعمالها لاستخراج فرضيات “قص الشعر” على السندات، وأثرها ‏وكيفية التعامل مع المؤشرات المالية ــــ النقدية والمصرفية والاقتصادية، لكن وفد الصندوق آثر إبلاغ الجميع ‏رسالة واضحة: قدّموا خطّة لأبني تحليلاً وتعليقاً عليها، أما المساعدة التقنية فهي تتم عندما يطلب لبنان بشكل ‏رسمي الانخراط ببرنامج مع الصندوق‎.‎


رغم الأبعاد التقنية لقرار إعادة هيكلة الدين العام أو مواصلة سداد الديون، إلا أنه في الأصل قرار سياسي ستكون ‏له تداعيات ونتائج قانونية ومصرفية واقتصادية واجتماعية. المشكلة أن الدفع أو إعادة الهيكلة كانا خيارين ‏مطروحين للنقاش الشعبوي، فيما كان يجب أن يكون هناك نقاش سياسي يتعلق بالاستعداد لكل خيار. سلوك طريق ‏إعادة الهيكلة المنظمة أو العشوائية أو مواصلة الدفع، كلها تفرض سياسة خارجية مختلفة انطلاقاً من كون عقود ‏سندات اليوروبوندز متداولة في الأسواق الدولية وتخضع لمحاكم نيويورك. فالمسار القانوني للتخلف عن السداد ‏يفرض على لبنان الخضوع للتدويل، ليس لأن المحاكم التي ستنظر في شكاوى الدائنين موجودة في الولايات ‏المتحدة الأميركية وحسب، بل لأن الأمر يصبح مرتبطاً بالدول التي قد يطلب منها المساعدة. هذا الأمر يحصل ‏اليوم بشكل واضح في ملف الكهرباء؛ فعلى سبيل المثال، تلقّت الحكومة اللبنانية عرضاً من شركة سيمنز ومن ‏شركة الستون ــــ جنرال إلكتريك بأن تكون المنافسة على تشييد معامل الكهرباء في لبنان محصورة بينهما، مقابل ‏تقديم دولهما كفالة مالية للتمويل‎.‎


هذا المثال البسيط على ما يمكن أن يحصل مع لبنان الذي تقلّصت احتياطاته بالعملات الأجنبية إلى الحدّ الأدنى، ‏وباتت غير واضحة قدرة مصرف لبنان على تمويل استيراد الغذاء والسلع الأساسية الأخرى. فعلى افتراض أن ‏صندوق النقد الدولي أعطى رأياً سلبياً بالخطّة المحلية، وذلك قبل أيام من انتهاء مهلة السداد، فكيف ستتعاطى ‏الأسواق الدولية مع لبنان؟ ما هي كمية الدعاوى التي سيتلقّاها؟ هل ستشنّ حملة تهويل كبرى علينا؟ هل سيكون ‏مفروضاً علينا اللجوء إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي وإلا سنتعرض للحصار والعزلة السياسية الخارجية؟ ‏هل سيكون علينا تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي للحصول على التمويل؟ إلى أي مدى يمكننا الاحتمال ‏والصمود؟‎


بحلول 16 آذار يجب أن يكون لبنان قد أنجز خطّة محلية للإنقاذ. قد لا يوافق الدائنون الأجانب عليها، لكن الباب ‏سيكون مفتوحاً لهم للتفاوض على أي نسبة من الاقتطاع من السندات يقبل بها لبنان ويبلعونها، لكن في أي حال ‏سيرفعون دعاوى في الولايات المتحدة يجب الاستعداد لمواجهتها بحملة منظّمة قانونية ودبلوماسية ومالية ‏واجتماعية‎.‎

 

الأخبار