مجلة وفاء wafaamagazine
يحيى دبوق
في موازاة نية التجمهر ضد سلاح المقاومة، التي يسمح الواقع وهوية الداعين إليه بالتشكيك المتطرف إزاء الدوافع والأهداف، تصدر عن العدو تهديدات للبنان سبقت – وهي الآن تواكب، وكذلك ستعقب – جمهرة المعارضين للسلاح.
مع ذلك، اللافت ممّا يرد من إسرائيل، ومن شأنه أن يفسر هذه الجمهرة اليائسة، هو اضطرار العدو إليها، الأمر الذي يعيد تأكيد واقع المعادلة بين الجانبين: تجنب إسرائيل المواجهة الواسعة خشية تبعاتها عليها، بصرف النظر عن تقديرها و/أو قدرتها، على إلحاق الضرر بالجانب الثاني.
يمكن الإطالة في شرح وظيفة سلاح المقاومة في حماية لبنان وكيفيتها، ويمكن للبعض مهما كانت فاعلية موقفه وتأثيراته، الطعن في السلاح ومحاولة تحريف أهدافه ومقاصده، إلا أن واحدة من أهم النتائج التي يحققها هذا السلاح للبنان، أن وجوده المادي من دون ضرورة استخدامه الفعلي المباشر، يردع العدو ويحقق الوظيفة الحمائية المطلوبة منه، خاصة أن قيادة المقاومة لا تتردد في تفعيله، في الرد التناسبي على اعتداءات إسرائيل متى حصلت.
مع ذلك، قدرة المقاومة في الحجم والمدى والتدمير كما هي عليه الآن، ومهما بلغت الترسانة الصاروخية وغيرها من المقومات، تبقي للعدو هامش مناورة فعلية إن أراد المخاطرة أو الرهان على متغيرات ما، أو أخطأ في حساباته وتوجه إلى كسر قواعد الاشتباك أو تعديلها، بما يضمن له العودة إلى الاعتداء على لبنان عسكرياً لتحقيق مصالحه الأمنية والسياسية والاقتصادية، التي يتعذر عليه الآن تحقيقها بوسائل أخرى.
هامش هذه المناورة يضيق، أكثر فأكثر، مع تطور سلاح حزب الله النوعي، الذي تسميه إسرائيل «مشروع الدقة»، أي تحسين دقة الصواريخ الموجودة في حوزة المقاومة والتزود بأخرى دقيقة للغاية، من شأنها تعظيم القدرة على الاستهداف النقطوي لأي هدف إسرائيلي، كبيراً أو صغيراً، قريباً أو بعيداً. وهذا الواقع يثبت معادلة الردع المتبادلة أكثر، إذ كلما ارتفعت قدرة المقاومة على الإصابة الدقيقة، كانت الكوابح الفعلية لمنع إسرائيل من المبادرة إلى الاعتداء أكبر، إضافة إلى اضطرارها كذلك، إلى تكرار دراسة أفعالها قبل الإقدام عليها، أكثر من مرة، خوفاً من الحسابات الخاطئة.
قبل أيام، أعاد خبراء إسرائيل العسكريون والاستراتيجيون تأكيد المعادلة وأكثر، ضمن فاعليات خاصة في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، للتداول والمناقشة في تبعات ضم أراض في الضفة الغربية، على أكثر من صعيد.
اللافت هو حضور سلاح حزب الله في مداولات الندوة ونقاشاتها، بوصفه عاملاً كابحاً لإسرائيل، من شأنه أن يحضر بقوة في نقاش تبعات الضم وسيناريوات ما يعقبه من تأثيرات سلبية على إسرائيل. الكلمات التي استفاضت في شرح العلاقة بين الضم وسلاح حزب الله، كانت لافتة في دلالاتها، ليس حصراً تجاه حضور سلاح حزب الله في وعي خبراء إسرائيل وتمركزه الدائم فيه، بل بوصفه واحداً من أهم ما يفترض على إسرائيل أن تحسب له حسابات خاصة في حال قررت تنفيذ خطة ضم أراض فلسطينية في الضفة وغور الأردن.
الربط بين السلاح الكابح والضم، برز في أكثر من كلمة ألقيت في الندوة، ومن بينها كلمة اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد، الذي أكد ضرورة التعامل بحكمة مع واقع متعدد الأطراف، بما سمّاه «تحذيراً استراتيجياً» لصانع القرار، وهو أن الجاهزية العسكرية والانتشار في الضفة وغور الأردن على خلفية الضم وتداعياته المحتملة، سيسحبان من الجيش الاسرائيلي قدرة معتداً بها كان من شأنها مواجهة حزب الله شمالاً إن تطلب الأمر ذلك، كما أنها تحدّ من مهمة رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي، لتأمين استعداد خاص لمواجهة سيناريوات متطرفة في الساحة الشمالية، في مقابل حزب الله.
كلما ارتفعت قدرة المقاومة على الإصابة الدقيقة، كبرت الكوابح الفعلية لمنع إسرائيل من الاعتداء
للتذكير والإشارة، شغل اللواء غلعاد طويلاً منصب رئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية، كما شغل منصب رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وكذلك منسق أنشطة الاحتلال في الأراضي المحتلة، وحالياً يرأس معهد السياسة والاستراتيجيا ورئاسة مؤتمر هرتسيليا، في مركز هرتسيليا المتعدد المجالات.
في تعليقه على كلمة غلعاد، قال اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي غيرشون هاكوهين، إن الكلمة تؤكد نجاحات حزب الله الاستراتيجية في مواجهة إسرائيل والحد من هامش مناورتها، وذلك لمجرد وجوده المادي.
يعني ذلك إعادة تأكيد أن سلاح حزب الله، ودوره الحمائي، باتا مشبعين في لبنان ويفيضان على المحيط، وهو ما تخشاه إسرائيل، ويفسر حجم ومستوى التهديدات الصادرة عنها دورياً.
وللتذكير والاشارة أيضاً، تولى هاكوهين مناصب رفيعة في الجيش الإسرائيلي حتى عام 2014، ومن بينها قائد الكليات العسكرية وقائد الفيلق الشمالي، ويعمل حالياً باحثاً في مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية.
أضاف هاكوهين في تعليقه، أن معنى الكلام الصادر عن غلعاد، حتى من دون مناقشة تفاصيله، هو أن (سلاح) حزب الله حقق – من خلال وجوده المادي بوصفه تهديداً استراتيجياً لإسرائيل – إنجازاً ضخماً: «تمكن من حثّ خبراء الأمن الإسرائيليين على توصية صانعي القرار بتجنّب إجراءات الضم بسبب الحاجة إلى التركيز على حزب الله. وهذا إنجاز هائل حققه حزب الله، من دون أن يطلق صاروخاً واحداً».
أكد هاكوهين في كلمته أن الجيش الإسرائيلي صغير من ناحية واقعية، بما يتعلق بحجم وانتشار قواته مقارنة بما هو مطلوب منه وفقاً للتحديات الماثلة أمامه، و«الواقع أن الجيش غير قادر على التعامل مع أكثر من ساحة واحدة، وأن التهديد المتمركز في الشمال (حزب الله) يفرض بالفعل نفسه على إسرائيل ويقيّد حريتها الاستراتيجية، والأهم أن من شأنه منعها من استغلال فرصة قد لا تتكرر لتعزيز مصالحها (ضم الأراضي المحتلة) في غور الأردن».
مع ذلك، لا مانع من معاينة جمهرة معارضين لسلاح حزب الله، ودوره الحمائي في مواجهة العدو.