مجلة وفاء wafaamagazine
شادي حمزة محلل سياسي و باحث اقتصادي
بدا جليا من الجلسة الأولى مع أعضاء صندوق النقد الدولي من الطرف اللبناني للتفاوض ضعف إمكانات المواجهة لشروط فريق صندوق النقد مما جعلهم يرفعون سقف الشروط للتفاوض بوجههم.
ونحن نرى انه يمكن التعاطي بسياسات بديلة للعبور الى شاطئ الأمان دون الخضوع للخارج ولو بعد فترة تتطلب بعض المرونة والتعاون وتقسم الى جزئين خارجي وداخلي:
على الصعيد الداخلي يجب تفعيل موضوع استرجاع الأموال المأخوذة من البنك المركزي عبر المصارف خلال فترة مابين عام 1993 الى عام2018 وهي عباره عن ودائع الناس التي تم التلاعب بها بغير حق حيث دخل الى لبنان خلال هذه الفترة مايقارب 238 مليار دولار وقد استفادت البنوك بما يقارب 57 مليار دولار بنتيجة التلاعب مع البنك المركزي بالاستدانة وترتيب فوائد غير محقة لهم .
أما على الصعيد الخارجي فيمكننا الاستفادة من العلاقات الدولية والعربية وغيرها بالسياسات المعتمدة
حاليا بين الدول بظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لتغطية السوق اللبناني بالاحتياجات مثلا الطلب من العراق او غيرها بتزويد البلد بالنفط على ان يتم جدولة الدفع على مراحل سنوية .القيام بالاستفادة من الصين بحل مشكلة البلد الكهربائية بنفس الطريقة وغيره.
يعيش لبنان عصر صندوق النقد الدولي في انتظار ما سيقرّره.
لكن العبرة تكمن في أن يكون الصندوق عنصراً مراقباً للنظام المالي اللبناني، حيث تتخطّى قدرته وأهدافه ما أراده لبنان من خطّته الاقتصادية والانتظار لرد صندوق النقد الدولي على الطلب اللبناني، بالمعنى الحقيقي للكلمة.
يكمن في مكان مختلف عن الموافقة أو عدمها، لأن هناك عوائق أمام لبنان، وتحديداً الحكومة التي تتعامل مع طلب مساعدة الصندوق وكأنه إنجاز يحتسب لها، في حين أنه قد يكون رأسها هو الثمن رغم تطمينات وزير المالية الأخيرة حول المفاوضات مع الصندوق للحصول على القرض .
ونلفت النظر بأن سقف القرض الذي سيمنح سقفه تسعة مليارات دولار. وبالوضع اللبناني يستنفذ بوقت سريع نتيجة أبواب النفقات بالدولة اللبنانية عندها تبقى الشروط معلقة على عاتق وعنق الدولة وشعبها ونزداد هبوطا بالهوة .وبالتجارب السابقة للدول التي تعاملت مع الصندوق على أنها كانت تتّجه إليه حاملة اقتراحات، للحلول كان مصيره الرفض. ورزمة الاقتراحات اللبنانية ستلاقي المصير نفسه، ببساطة لأن طريقة عمل
الصندوق مختلفة تماماً. لانه هو من يحدّد الأفكار، ولو كانت للدول التي تستعين به أفكار شبيهة. وهو من يضع خريطة الطريق و«آليات الاستسلام». وهذه هي النقطة الأساسية، تشريعات معدّة سلفاً، يفترض بالمجلس النيابي، كما هي الحال عندنا أن يقرّها من دون العودة الى نقاشات نيابية أو سياسية أو شعبية.
تشريعات قد لا تتلاءم مع طبيعة النظام اللبناني ولا مقاربة اللبنانيين لها، لكنها حكماً تلائم الخطة الأساسية لصندوق يتعامل مع الدولة على أنها قاصر يحتاج الى رعاية. إضافة الى أن سمتين أساسيتين طبعتا عمل الصندوق وأظهرتا عقم سياساته في دول منهارة اقتصادياً: سياسة التقشف التي لم تؤدّ الى مفاعيل ناجحة بل العكس تماماً، والخصخصة التي حامت حولها شبهات الفساد على خطوط متشابكة من الصندوق نفسه وبين الصندوق ومنتفعين في الدول التي يعمل فيها.
وفي لبنان سياسة التقشف ستطاول الطبقتين المتوسطة والفقيرة اللتين تعانيان أساساً من فساد السياسيين ومجموعة من الأغنياء المتورطين في صفقات مشبوهة، واللتين حوّلتهما سياسة المصارف المالية الى طبقة فقيرة وأخرى أكثر فقراً. في حين أن شبهات الخصخصة موجودة أساساً بين قوى سياسية هي نفسها المسؤولة عن الهدر والفساد وستتقاسم الحصص والمنافع العامة، كما حصل ويستمر في قطاعات متعددة .
سياسياً، كيف يترجم ذلك في الساحة اللبنانية؟
لا يمكن إلا أن يكون الصندوق تحت تأثير الخزانة الأميركية ودورها في مراقبة الوضع اللبناني وحزب الله في شكل أساسي، فإن انتظار رد الصندوق يتعلق بمستوى ما سيحدده من شروط وفرض خطته بالكامل، أو تخفيف شروطه الكبيرة عن قصد، لمجرد أن يكون له موطئ قدم فاعل في لبنان، يسهل عليه وعلى الأميركيين مراقبة فاعلة أكثر للنظام المالي والاقتصادي اللبناني وحركة الأموال، ولا سيما منها ما يتعلق بحزب الله وشخصيات مقربة منه.
وهذا من شأنه أن يضيف عاملاً آخر ليتحسّس حزب الله من الصندوق، وقد تلقّى ضربة من ألمانيا، وهي التي كانت معروفة بصلاتها كوسيط «أمني وسياسي» معه، وتشكّل كذلك عنصر تمويل أساسي في صناديق الدعم الدولية. فحضور الصندوق الى لبنان يختلف عن حضوره في اليونان مثلاً، حيث كانت ألمانيا راعيتها كما الاتحاد الأوروبي في شكل عام.
أما بخصوص موافقة الحزب على طلب التفاوض مع الصندوق كانت موافقة مشروطة، في انتظار حقيقة ما يقدمه رعاة الصندوق ومحركوه كي يكون على بيّنة مما يُحضَّر، وقد يكون في مكان ما مراهناً على رفض الأخير «المساعدة». لكن من يفترض به أن يصبح حذراً أكثر هو الحكومة التي قدمت طلب الدعم. فإما أن تسقط نتيجة ممارسات الصندوق نفسه وذهاب الأمور الى التفلت أكثر ورفض الشارع له، أو الضغط المالي وانفتاح سعر الصرف على مرحلة لا يمكن التكهن بها لن يعفي الحكومة من مواجهة الأخطر المقبل عليها شعبياً وسياسياً ويترجم ذلك من التحركات المقبلة من جمعيات وشخصيات سياسية، بحيث ستكون أمام استحقاق بقائها على قيد الحياة أولاً وأخيراً.