مجلة وفاء wafaamagazine
صار من الصعب معرفة اتجاه الرياح السياسية والاقتصادية والمالية في لبنان؛ كرة النار تتدحرج على طول المشهد الداخلي وعرضه، الشعب اللبناني بكل فئاته في منتهى الغضب والهريان المعيشي، والبلد يفتقد الضابط لايقاعه والكابح لاندفاعته الانحدارية نحو المصير المجهول. اما السلطة واهلها، فكمن على رؤوسهم الطير في حالة صدمة وذهول، وبنك الحلول والمخارج الجذرية مفلس مثلها، تغطيه بالتذاكي على اللبنانيين بعلاجات مؤقتة، كمثل ضخ دولارات احتياط المصرف المركزي، وهو الامر الذي يُخشى معه ان يكون مصير الاحتياط كمصير ودائع اللبنانيين التي تسعى الى السطو عليها.
لم يعد ينفع الاختباء خلف الإصبع، او دفن الرؤوس في رمال الأزمة ووحولها، فلبنان كلّه صار على المنحدر، ولحظة السقوط المريع في الهاوية المميتة توشك أن تحين؛ وحده اللبناني يدفع الثمن غالياً جداً، من سياسات سلطة مصالحها ومكاسب اتباعها فوق سائر فئات الشعب، ولا تجسّد الانتماء الى الواقع، والى ما يعانيه، بل تجّسد الشراكة الكاملة في الجريمة التي تُرتكب بحق البلد، بتقمّصها أدوار، ما وصفتها هي بـ”السياسات السابقة المسبّبة للأزمة”، وانتهاجها سياسة الافقار الجماعي بأداء خلا من الصدقية، مرتكز على نرجسيّة متورّمة لدى بعض مستوياتها، وعقلية استعلاء وغرور واعلى درجات الاستهتار بالشعب اللبناني الجائع، وعجز تغطّيه بإصدار شيكات تخدير بوعود واكاذيب وهرتقات وديباجات لغوية من درر الكلام، وكلها شيكات مرتجعة بلا رصيد.
إرباك السلطة
ما حصل في اليومين الماضيين، لم يكن مجرّد جرس إنذار، بل كان النتيجة الطبيعية لتلك السياسات، واثبت انّ السلطة لا تتحرّك الاّ تحت وقع الصدمة، لتبدأ بعد وقوع الواقعة في البحث عن الخطوات الوقائية.
وإذا كان ارتفاع سعر الدولار بالشكل الجنوني الذي حصل امس الأول، قد أحدث صدمة كبرى على المستوى الشعبي، عبّرت عنها التحرّكات في الشارع في اكثر من مكان، إلاّ أنّه شكّل في الوقت نفسه عاملاً ارباكياً للسلطة على كلّ مستوياتها، والسرايا الحكومية عاشت ليل الخميس – الجمعة لحظات صعبة وحرجة جداً، على حد توصيف مطلعين على الاجواء الحكومية، وهو الامر الذي حرّك اتصالات مكثفة على الخطوط الرئاسية كلّها، واكثر من مرة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة حسان دياب. وايضا مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وبحسب المعلومات، فإن تشخيص المستويات الرئاسية لما جرى، تقاطع عند فرضيّة وجود مؤامرة خبيثة لزعزهة استقرار لبنان سياسياً ومالياً، جرى التعبير عنها الخميس بالرفع المريب لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، بالتوازي مع استغلال نزول المواطنين الى الشارع، لترويج سيناريوهات خطيرة لا تمّت الى الواقع بصلة، كمثل الحديث عن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، او إستقالة الحكومة والذهاب الى حكومة وحدة وطنية، او الى حكومة عسكرية.
وفيما اكّدت مصادر سياسية مطلعة لـ”الجمهورية”، انّ طرح تشكيل حكومة الوحدة الوطنية او غيرها من الحكومات، ساقط سلفاً، كون استقالة حكومة الرئيس حسان دياب ليست واردة او مطروحة، وكذلك الامر بالنسبة الى طرح تشكيل حكومة عسكرية، الذي لا ينطبق اساساً على الواقع اللبناني”، بدا جلياً انّ طرح حكومة عسكرية ليس مستساغاً لدى “الجهات المعنية”، بل هو طرح مرفوض جملة وتفصيلا، باعتباره طرحاً مشبوهاً، ودعت الى “عدم زجّ المؤسسة العسكرية في أمور لا تعنيها”.
وتؤكّد المعلومات انّ تشخيص المستويات الرئاسية خلص الى “ادراج احداث الخميس، في سياق مسلسل الاستهداف المباشر للحكومة، الذي دأبت عليه بعض الجهات الداخلية، من دون إغفال العامل الخارجي الراعي لهذا الإستهداف”.
وتشير المعلومات، الى اتصالات مكثفة حصلت في الساعات الماضية بين السرايا الحكومية والمراجع العسكرية والأمنية على اختلافها، والهدف الاساس هو منع انفلات الشارع، إلا أنّ الاساس في هذه الاتصالات كان الطلب المباشر بضرورة التقصّي لتحديد المتلاعبين المباشرين وغير المباشرين بالدولار، وكذلك المروجين لهذا الارتفاع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت مصادر امنية مسؤولة لـ”الجمهورية”: انّ لدى الاجهزة الامنية على اختلافها، صورة واضحة ودقيقة حول كل ما جرى، وكل المتلاعبين بالدولار باتوا معروفين وبالاسماء، وستتخذ الإجراءات القانونية العقابية في حقهم.
ورداً على سؤال عمّا يمنع الكشف عن اسماء المتلاعبين، اكتفى المرجع بالقول: “كل شيء في وقته حلو”.
وحول صحة ما يُقال عن انّ جانباً اساسياً من ازمة الدولار الخميس مرده الى دور سوري في تكثيف الطلب على الدولار عبر بعض السماسرة والصيارفة قالت المصادر: “لا نستطيع ان ننفي ذلك”.
اقالة الحاكم
على انّ اللافت للانتباه، كما تشير المعلومات، هو أنّ اقالة حاكم مصرف لبنان كانت فكرة جديّة طُرحت ليل الخميس في السرايا الحكومية. وكان رئيس الحكومة متحمساً لها، وعلى هذا الاساس قرّر عقد جلستين لمجلس الوزراء يوم امس. الّا انّه تراجع عن ذلك، بعد دعوة من بعض المستويات الرئاسية الى التروي وعدم التسرّع في اتخاذ أيّ قرار أو الإقدام على أي خطوة غير مدروسة من شأنها ان تترك مفاعيل سلبية على الواقع المالي في لبنان، وتحقق ما يريده مفتعلو ازمة الدولار امس الاول الخميس. فضلا عن انها تزيد من تدهور الوضع بدل معالجته.
الاجتماع الرئاسي
وقد استدعت تطورات الخميس انعقاد اجتماع رئاسي ثلاثي في القصر الجمهوري في بعبدا بين الرؤساء عون وبري ودياب، سبقته مشاورات هاتفية بين بري ودياب.
وبحسب مصادر مطلعة على اجواء الاجتماع، فإنّ الرؤساء الثلاثة قاربوا التطورات الاخيرة بالتفصيل، وتشاركوا في موقف موحّد حول دقة الوضع، والتنبّه لما يُحاك، وهذا يوجب المسارعة الى اجراءات تحصينية تقطع الطريق على كل محاولات العبث بأمن البلد واستقراره. مع التعويل على ان تؤدي الخطوة التي تقرّرت بتدخّل مصرف لبنان في سوق الدولار، ثمارها في حماية الليرة وتراجع سعر الدولار.
بري
وبدا انّ فكرة إقالة حاكم مصرف لبنان، قد سُحبت من التداول، وهو ما عكسه الرئيس بري بشكل غير مباشر بعد الاجتماع الرئاسي، حيث قال: “عادة لا أحب أن أطلّ عبر الإعلام كي لا ازعجكم ، انما بعد الذي حصل بالامس، والخطورة التي لمستها بالنسبة لموضوع البلد ولموضوع المواطن خاصة، لا بد من الكلام”.
اضاف: “تشرفت بلقاء فخامة الرئيس ودولة الرئيس وتمّ الاتفاق خلال هذا اللقاء على ما يلي:
اولاً، تخفيض قيمة الدولار ازاء العملة اللبنانية ابتداء من اليوم، ولكن حقيقة يمكن ان لا يتبيّن ذلك الّا ابتداء من يوم الاثنين، الى ما دون الـ 4000 ليرة للدولار، وصولاً الى 3000 او 3200. وهذا الامر سوف يحصل والاجراءات تمّ الاتفاق عليها في جلسة مجلس الوزراء التي حصلت صباح هذا اليوم، هذا الموضوع اولاً تمّ الاتفاق عليه.
وتابع، والموضوع الثاني الذي تمّ الاتفاق عليه، هو مخاطبة صندوق النقد الدولي (IMF) بلغة واحدة، ما زالت هذه برعاية ايضاً المجلس النيابي بهذا الموضوع.
وسئل بري: هل بحثتم بإقالة حاكم مصرف لبنان؟
اجاب: نحن بحاجة الآن لكل الناس وليس بحاجة للاستغناء عن الناس.
تراجع
الجدير بالذكر في هذا السياق، انّ حركة الدولار بعد تصريح بري في بعبدا امس، سجّلت تراجعاً عمّا كانت عليه ليل الخميس، حيث هبط تحت سقف الـ5 الاف ليرة، وجرى التداول فيه بعد ظهر امس بين 4550 ليرة للشراء و4700 ليرة للمبيع، ولكنه مع ذلك لم يكن متوفرا للشراء.
مجلس السرايا
وكان مجلس الوزراء قد عقد جلسة في السرايا، برئاسة دياب، تزامنت مع تغريدات هجومية على الحكومة من الرئيس سعد الحريري، الذي اعتبر “التهويل باقالة سلامة جنون اقتصادي وسياسي ودستوري سيذبح الاقتصاد اللبناني من الوريد الى الوريد”. وكذلك رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي قال: “طالما أنّ “حزب الله” والنائب جبران باسيل وحلفاءهما موجودون في السلطة تحضّروا لخبر سيئ وتدهور جديد مع كل إشراقة شمس”.
وحضر جلسة مجلس الوزراء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رئيس جمعية المصارف سليم صفير، المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ونقابة الصيارفة، وخلص الى قرار بضخ الدولارات حالاً في الأسواق. واعلن نقيب الصيارفة بالالتزام ببيع الدولار بسعر 3940 .
وعلمت “الجمهورية” انّ دياب استهل الجلسة بكلمة لرئيس الحكومة اعتبر فيها “انّ لقمة العيش والناس خط احمر ولن يتساهل في اللعب بها”، وتحدث عن خيارات وتوجّهات على الحكومة اعتمادها من خلال قرارات سريعة يلمسها اللبنانيون لتهدئة الاوضاع ووقف تدهور الدولار. وقال انّ الحاكم معنا هنا اليوم وسنسمع منه اجراءات المعالجة الفورية.
وتخلّلت الجلسة اسئلة عديدة من قِبل الوزراء للحاكم ولرئيس جمعية المصارف، وجاءت اعنف المداخلات من وزير التربية طارق المجذوب، حيث خاطب الوزراء قائلا: “ماذا نفعل نحن للناس ومن منكم ينزل الى الشارع ليرى كم هي موجوعة وجائعة”.
وتوجّه المجذوب بهجوم عنيف على المصارف واتهمّها بأنّها خربت البلد وسرقته منذ 40 سنة، وجمعت ثروات طائلة على حساب الناس. فانتفض صفير واجابه: ما بسمحلك بهالكلام ولا يمكن في كل مرة تحميلنا المسؤولية، المصارف ساهمت في اعمار لبنان. وعلا الصوت داخل الجلسة، فتدخل مجدداً اللواء ابراهيم وعدد من الوزراء لعودة الهدوء، وحسم الرئيس دياب النقاش بالقول: المصارف دعامة اساسية في الاقتصاد اللبناني.
ودعا وزير الزراعة الى تهدئة الاجواء لانّ البلاد تمرّ بظروف عصيبة وتتطلب خطاباً هادئاً. وقال، نحن لسنا بصدد توجيه الاتهامات لبعضنا البعض انما يجب التركيز على حل المشاكل. وايّد فكرة استمارة يملؤها كل مشتر للدولار من الصرافين لمعرفة وجهة نظر استخدام الدولار، على ان تُرفق بهوية المشتري. وشدّد على انّ الخطابات المتوترة تأخذ البلد الى التشنج ويجب معالجة الامور بحكمة عالية وبروية.
واستغرب الوزراء ما قاله الحاكم رداً على اسئلة الوزراء، عن انّه وخلال الساعات الثماني والاربعين الماضية كان هناك طلب على الدولار بطريقة مشبوهة، وانّه يجهل الاسباب، الامر الذي ادّى الى تدهور الامور بشكل سلبي.
وخلال الجلسة اجرى سلامة اتصالاته للبدء بتسليم الدولار للصرافين الذين اتصلوا مباشرة بعملائهم للذهاب الى المصرف وتسلّم الدولارات.
نجم
وقدّمت وزيرة العدل ماري كلود نجم مداخلة وقالت: “لم نأت الى الحكم لنجري تسويات ولا للدفاع عن الذين تسببوا بالازمة، نحن نصطدم بنظام مهترئ فاسد ويعيد انتاج نفسه. وضعنا خطة مالية وعلّقنا دفع السندات، عدا عن ذلك لم نجرِ التدقيق المحاسبي الذي وُعدنا به. اصطدمنا بعدم وجود ارادة في مجلس النواب لاقرار القوانين بالصيغة التي تحقق فعلا مكافحة الفساد.
وتوجّهت بكلام عنيف الى سلامة وقالت: انت مسؤول لانك مؤتمن على سلامة النقد، والحكومات المتعاقبة والمصارف تتحمّل ايضا المسؤولية عما وصلنا اليه، التدقيق يجب ان يطال الحاكم ونوابه والمجلس المركزي وكل من تولّى مسؤولية عامة في مجال المالية من وزراء ومديرين عامين ومفوضي حكومة”.
وطالبت نجم بأن “يبدأ التحقيق بأسرع وقت وان يمنع كل هؤلاء من السفر طيلة التحقيق وان تُرفع السرية عن حساباتهم وممتلكاتهم “، ودعت الى اتخاذ قرار بإجراء انتخابات نيابية في ايار المقبل والاعلان عن ذلك. وقالت ( متوجهة الى سلامة): “المطلوب ان نواجه لا ان نهرب. والحامل لـ4000 $ على “الموتوسيكل” بالضاحية ليس هو سبب الازمة، و17 تشرين ليس سبب الازمة، هذه نتائج الازمة، والازمة نتيجة سياسات مالية خاطئة لا بل مجرمة ادّت الى هدر المال العام وتعميم الفساد بالدولة، الازمة نتيجة هندسات مالية جرت لتغطية خسائر المصارف التي قامت باستثمارات فاشلة خارج لبنان. انت مسؤول عن سلامة النقد الوطني وضروري ان توجد حلاً، منذ اشهر وتصدرون تقارير تطمئن لسلامة الليرة، واذا بالدولار يقفز دون رقيب او رادع، انت كنت قادراً ان تلجم الوضع، وما تقترحه الان عن استعدادك لضبط سعر الدولار تحت 4000 ليرة، فلماذا لم تفعل ذلك قبلا، عقدتم 100 اجتماع واعطيتم 100 وعد. كيف تريدنا ان نصدقك ، وكيف تريد ان تثق الناس بك. سؤالي واضح: هل تستطيع ان تضبط الوضع ام لا، إذا نعم تفضل قل كيف الآن، وليس غدا، واذا لا، لنعرف ونستنتج، ولكن لن نقبل بعد الان بالوعود الفارغة، فما تقوم به يحمّلك مسؤولية جزائية”.
ابراهيم
وكانت تطورات لافتة قد حصلت قبل جلسة السرايا، حيث علمت “الجمهورية”، أنّ اللواء عباس ابراهيم توجّه صباحا الى السرايا الحكومية، وكان رئيس الحكومة قد استدعى كلاً من حاكم مصرف لبنان ونقابة الصرافين وجمعية المصارف، لكن الاخيرة لم تحضر واكّدت انّها ستقاطع كل الاجتماعات باعتبار انّ الخلاف بينها وبين الحاكم والحكومة اصبح متجذراً، وهي تعترض على طريقة التعاطي معها وتحميلها المسؤولية الكبرى في الازمة الاقتصادية والمالية، فبدأت الاجتماعات الجانبية، واجتمع اللواء مع حاكم مصرف لبنان على حدة ثم مع نقابة الصرافين وتمّ البحث عن صيغة تلبّي حاجة السوق بالحد الادنى للامور الضرورية والمشروعة والمبررة لشراء الدولار، وهي القاعدة التي تمّ الانطلاق منها للعمل على النصوص القانونية، وعند اجتماع رئيس الحكومة مع حاكم مصرف لبنان جرى تنفيس الاجواء وبدأت المؤشرات تميل الى الايجابية، حيث تمّ الاتفاق على ان لا يتمّ التدخّل بمبالغ تُعتبر هدراً واستنزافاً للاحتياطي وبنفس الوقت تؤمّن حق الناس من الحاجة للعملة الصعبة. فجرى استعراض النصوص القانونية وطريقة تنفيذ هذا الامر، حيث توافق الرأي على ان يكون على استمارة مكتوبة يُشرف عليها “المركزي” بالتنسيق مع المصارف.
في هذا الوقت كان اللواء ابراهيم يقوم بمساع للقاء ما بين دياب وجمعية المصارف التي قطعت العلاقة بينهما منذ مدة، فاستطاع أن ينتزع مخرجاً للقبول بتوزيع الخسائر على الجميع بالتساوي. وعليه اتصل بسليم صفير وقال له: “تفضل ناطرينك بالسرايا بدو يشوفك رئيس الحكومة”. وبالفعل، توجّه صفير الى السرايا وانضم الى جلسة مجلس الوزراء.
وكان لافتاً انّ رئيس الحكومة حاول ترطيب الاجواء بين الحاكم وجمعية المصارف بشكل يؤسس لمعالجة تعيد الثقة بين المصارف والحاكم والحكومة، وهذا هو الامر الذي عمل عليه اللواء ابراهيم في اجتماعاته الجانبية وفي اتصالاته. وفي هذا الوقت كانت تُجرى اتصالات ما بين السرايا وعين التينة وبعبدا للاطلاع على هذه التطورات والوقوف عند رأيهم في القرارات التي ستُتخذ.
مجلس بعبدا
وبعد الظهر عقد مجلس الوزراء جلسة في القصر الجمهوري في بعبدا، جرى فيها مداخلات وزارية عديدة، حيث اثار وزير الصناعة عماد حب الله مسألة تأثير الاشاعات على الدولة، مطالباً بإجراءات رادعة، فيما صوّب الوزير رمزي مشرفية على حاكم مصرف لبنان وقال انه فشل بمهمته ووعوده كلها حبر على ورق .
وقال الوزير حمد حسن انّ الاوضاع لم تعد تحتمل، والآن اصبح هناك نواب لحاكم مصرف لبنان ويجب ان تكون الرقابة اكثر على عمل الحاكم وعلى اداء المصرف برمته.
اما الوزير مرتضى فشدّد على ان نتضافر ونشدّ على يد الحكومة لنخرج من الازمة بأقل ضرر ممكن. وهنا ذكّر مشرفية بالتدقيق المالي على البنك المركزي وسأل وزير المال اين اصبح هذا الامر، فأكّد الوزير غازي وزني لمجلس الوزراء انّه خلال اسبوع سيتم بتّ أمر الشركتين اللتين ستكلفان بهذا الامر. وعقّبت وزيرة العدل بأنّ هيئة التشريع والقضاء قد ابدت رأيها ووافقت على هاتين الشركتين مع بعض الملاحظات. فيما طرح وزير الاقتصاد راوول نعمة ان يتمّ تسليم الدولارات الى التجار عبر ضبط وجهة سير الاموال حتى لا تذهب لأيدي السماسرة والصرافين غير الشرعيين. واعطى مثلاً، ان السلع الغذائية التي تنظّم الوزارة تمويلها تسير بشكل صحيح وحتى الآن تمّ تحضير 41 شحنة بـ30مليون دولار وهذا يمكن ان يُطبق على غير سلع، واكّد انه سيلاحق الموضوع حتى إتمامه. فتدخّل حب الله مطالباً بآلية مماثلة كذلك للصناعة ولتأمين المواد الاولية في المصانع.
واثارت وزيرة الاعلام عمل المواقع الالكترونية “التي تعتمد اسلوب التهويل على الناس وتوتير الاجواء وضرب الاستقرار”، فطلب منها مجلس الوزراء اعداد تقرير بالمؤسسات الاعلامية والمواقع الالكترونية التي ساعدت بعملية التحريض في الشارع.
وكان لافتاً ما قاله رئيس الحكومة حسان دياب امام مجلس الوزراء في القصر الجمهوري، اذ قال: اليوم تمّ توصيف العلاقة بين الحكومة ومصرف لبنان وسيحصل متابعة لهذا الموضوع حتى يكون هناك تعاون أكثر في المرحلة المقبلة منعاً للتباينات في وجهات النظر. وهناك نقاط اتضحت في العلاقة بين الحكومة و”المركزي”. وتحدث عن خلية الازمة التي ستتابع الموضوع المالي والنقدي وصرف الدولار. وتمّ تلاوة نص مشروع القرار حيث طالب بعض الوزراء بالمزيد من التشدّد خصوصاً إذا لم يفِ الحاكم بوعده. كما طالب حب الله ان يشار الى عملية التدقيق في القرار، لكن مجلس الوزراء لم يوافقه على هذا الامر باعتباره في غير مكانه. فأعيد صياغة القرار مع الاخذ بالملاحظات وتمّ توزيعه مجدداً على الوزراء بعد تعديل النص وفق الملاحظات. كما شدّد وزير الصحة على انّ خلية الازمة يجب ان تعطي نتيجة وان لا تكون فقط اجتماعاتها التي ستحصل دورياً في وزارة المال هي لمجرد الاجتماع انما يجب ان تكون فعّالة اكثر وخصوصا من ناحية معاقبة المخالفين.
دميانوس قطار قال بدوره: ما حصل اليوم هو خطوة مهمة ويضع كل الجهات المعنية امام مسؤولياتها.
وختم النقاش دياب مشيراً الى أنّ القرارات التي اتُخذت اليوم لها ابعاد قانونية ومالية. ومجلس الوزراء يجب ان يجتمع في اي وقت لمتابعة هذه القرارات. وقد اكّدت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”، انّ كلام دياب يعني ان الحكومة باتت في جلسات مفتوحة ويمكن بأي لحظة ان يدعو رئيسها الى الانعقاد وفق تطور الظروف.
وقد لفتت المصادر نفسها الى انّ ادراج المجلس العدلي ضمن الهيئات القضائية التي سيقع على عاتقها الملاحقة هو امر بغاية الاهمية. فالمجلس العدلي هو اعلى سلطة قضائية واحكامه غير قابلة للرد، وبالتالي يمكن فهم ان الامن المالي اصبح بالنسبة للدولة يوازي الامن القومي.
العلاج الجذري
وعلى اهمية القرار بضخ المصرف المركزي كميات من الدولارات، فإنّه كما يقول الخبراء الاقتصاديون، لا يتمتع بقوة الاستمرار طويلاً والدولارات التي ستُضخ في السوق قد لا توازي حجم الطلب الكبير، ويُخشى ان تأتي النتائج عكسية، فيُستنزف احتياطي المصرف المركزي بسرعة وتعود الليرة الى الهبوط مجدداً. العلاج الوحيد يكون بزيادة الطلب على الليرة، عبر جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات، وتدفّق العملة الاجنبية الى لبنان، وهذا رهن بإجراءات الحكومة وخطواتها الاصلاحية التي تستعيد من خلالها ذلك المجتمع الدولي والمستثمرين بها.
الحراك
في هذا الوقت، استمرت التحركات الشعبية امس، اعتراضاً على الحكومة وسياستها، وسُجل قطع للعديد من الطرقات في مختلف المناطق، بالتزامن مع اقفال العديد من المؤسسات التجارية ومحلات الصيرفة. وابلغت مصادر حراكية الى “الجمهورية” قولها، ان تحضيرات تجري بين مكونات الحراك لاطلاق برنامج تحرك تصعيدي في وجه الحكومة.
نداء الراعي
وكانت لافتة امس، زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى القصر الجمهوري ولقاؤه رئيس الجمهورية، حيث وجّه نداءً الى اللبنانيين والمسؤولين والاعلاميين، مؤكّدا اننا “كلنا مسؤولون عن لبنان ومدعوون الى الحفاظ على ثقتنا به كي لا نرتكب أكبر خطأ”.
وقال: “ما نجي نكبّا على واحد”، المطلوب “تحديد المسؤوليات وعندها لا يكون هناك خطّ أحمر أو أخضر”. اضاف: “نحن مع الثورة الحضارية لكن أقول للثوار انّه لا بالتكسير ولا بإحراق الاطارات ننال شيئاً فبهذا الأمر نشوّه صورة لبنان الحضارية”.
الجمهورية