مجلة وفاء wafaamagazine
ابراهيم الأمين – فراس الشوفي
بينما تتحفّظ فرنسا في مواقفها الدبلوماسية على الموقف الأميركي والإسرائيلي الساعي إلى تعديل مهمات اليونيفيل في الجنوب، تسير القوّة الفرنسية المشاركة في «اليونيفيل»، مدعومة من السفارة، نحو خوض مغامرة غير محسوبة النتائج تنفيذاً للمطالب الأميركية الإسرائيلية، بمحاولة فرض تغييرات على أرض الواقع في الجنوب، لا يمكن نيلها في مجلس الأمن، بسبب الاعتراض الروسي والصيني.
سريعاً، انعكس احتدام الضغوط الأميركية والإسرائيلية على القوات الدولية العاملة جنوبي نهر الليطاني (اليونيفيل)، لفرض مهمات وآليات عمل جديدة على دورها، قبل شهرين من موعد تجديد مهمّتها.
وما فجّره الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش قبل أيام (كشف لأوّل مرّة عن مخطّط كامل لتحويل اليونيفيل من «قوات حفظ سلام» و«مراقبة وقف الأعمال القتالية»، إلى قوات احتلال معادية للجنوبيين ولخيارهم بالمقاومة ــــ راجع «الأخبار» الجمعة 12 حزيران 2020)، يُبَلْوِر السلوك «المشبوه» الذي تنتهجه بعض كتائب ووحدات القوة الدولية منذ فترة، بقيادة الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول ورئيس أركانه العميد الفرنسي فريديريك باوتشر.
وآخر صيحات القوة الدولية، هو توسيع تركيزها من الخط الأزرق، إلى المدى الجغرافي اللصيق بالضّفة الجنوبية لنهر الليطاني، ومحاولتها الضغط على الجيش اللبناني والجنوبيين للدخول إلى مناطق لم تكن تدخلها سابقاً، مع سعيها الدائم للدخول إلى الأملاك الخاصّة، بمهمة «التفتيش والبحث عن خروقات للقرار 1701».
فمن محاولات «شيطنة» البقع الحرجية التي تعتني بها جمعية «أخضر بلا حدود» على مقربة من الخطّ الأزرق، توسَّع التركيز الاستخباري والميداني نحو البقع المحيطة بالضفة الجنوبية لليطاني، وهي المنطقة التي يعيرها العدوّ الإسرائيلي اهتماماً دائماً، ويصوّب نظر القوّة الدولية نحوها، بذريعة أنها أمكنة لتخزين الصواريخ. وقد سبق للقوّة الدولية أن خففت من حركتها في الضّفة الجنوبية في المرحلة الماضية، بعدما ضلّت دورياتها الطريق أكثر من مرة، فانتهت بها الحال في قرى على الضّفة الشمالية، ما وضعها أمام اعتراض الأهالي والبلديات طريقها، وتأنيب من الجيش اللبناني.
يتمادى الواقفون خلف هذا الاتجاه المتطوّر أكثر، مع المعلومات عن توجّه لدى القوّة الدولية للعمل بشكل منفرد في هذه البقع، من دون مواكبة الجيش، «عندما يتعسّر ذلك»! أي بمعنى آخر، عندما يرفض الجيش اللبناني تنفيذ ما تحاول أن تمليه عليه القوّة الدولية.
وحسب مصادر مطّلعة في الجنوب، فإن التعديلات الأخطر على عمل القوات الدولية تأخذ طابعاً متعدد الوجوه، حيث سيجري قريباً بتّ اقتراح تخفيض عدد مواقع القوات الدولية المنتشرة بذريعة تجنب «كورونا» وتقليصها، والعمل في المقابل على بناء شبكة أبراج في مواقع تختارها القوات الدولية على طول الخط الأزرق، مع تركيز على القطاع الأوسط حيث يواجه العدو معضلة «التدقيق» في الوضع على الجانب اللبناني من الحدود. وهو الجزء الذي يركّز عليه مندوب إسرائيل داني دانون، الذي زوّد مندوبي الدول في مجلس الأمن بخرائط للقطاع، مدّعياً «انتشار عناصر حزب الله بستار جمعية اخضر بلا حدود».
بدأ تركيب كاميرات على أبراج موجودة والعمل على تأهيل وبناء أبراج جديدة
وبحسب المعلومات، فإن المناقشات الجارية داخل هيئة أركان القوة الدولية تتمحور حول استخدام أبراج موجودة حالياً وترميم بعضها وتطويره بكفاءة عالية كتلك التي بنيت على الحدود مع سوريا، وبناء أخرى جديدة. وقد بدأت بالفعل عملية تركيب بعض الكاميرات من ضمن عشرات يخطّط الدوليون لنشرها، بغية تحقيق مسح دائم للعمق اللبناني، من دون أن ترصد الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتمحور آلية إدارة هذه الأبراج على التملّص من ضرورة التنسيق مع الجيش، عبر اعتماد آلية مقرّات مركزية وفرعية تابعة مباشرةً للقوة الدولية.
وكذلك الأمر، يجري العمل على اعتماد المعدّات الجديدة التي كشف عنها غوتيريش، باستخدام آليات عسكرية مصفحة صغيرة الحجم (لدى الفرق الفرنسية نماذج منها)، لديها إمكانية المناورة والسير في الأراضي الزراعية والوعرة وفي الأحياء الضيقة في القرى، أيضاً بهدف وقف الاعتماد على مواكبة الجيش والتنسيق معه.
وتلفت المصادر إلى دور الوحدة المعروفة باسم «FCR» التي ستقود المهمات الجديدة. وهي قوة مؤلفة حصراً من قوات فرنسية وفنلندية (140 جندياً فنلندياً بما يوازي سرية واحدة)، وبقيادة فرنسية دائمة، تكون مرجعيتها رئاسة أركان القوات الدولية التي يتولاها أيضاً العميد باوتشر. ولا تترك القوّة مجالاً للشكّ في عملها، إذ إنها تتسبب دائماً بإشكالات مع الأهالي في القرى الحدودية، بسبب إصرارها على القيام بأعمال تفتيش تخالف نص القرار 1701 وروحه.
وتؤكد المصادر أن هذه القوة، كما رئاسة الأركان، تعمل من خلال تواصل مباشر مع السفارة الفرنسية حيث يتولى السفير برونو فوشيه مواكبة أعمال القوة والتنسيق مع الحكومة ووزارة الدفاع، فيما ينشط الملحق العسكري ومندوب جهاز المخابرات الفرنسية الخارجية، لمتابعة أعمال التنسيق العملياتي على الأرض مع الجيش والأجهزة اللبنانية المعنية، من خلال ما يسمّى بمكتب «NSE»، أو مكتب «عناصر الدعم الدولي».
طبعاً، بالنسبة إلى ديل كول وباوتشر، اللذين يطمحان إلى ما هو أبعد من خدمتهما الحالية والوصول إلى مناصب في منظومة الأمم المتّحدة، لا يمكن نيلها من دون رضى أميركي، فإن مهمّة تفتيش ضفة النهر والدخول إلى الأماكن التي لم تدخلها القوة سابقاً والمناطق الخاصة، هي مهمّة قابلة للتحقيق! لكنّ ذلك لا يسري على قائد القطاع الشرقي الجنرال الإسباني رافاييل كولومير مارتينيز، الذي يعارض هذا التوجّه، وتحديداً اعتراضه على أي تحرّك في أمكنة حسّاسة من دون مواكبة الجيش والتنسيق معه، والحرص على عدم استفزاز الجنوبيين في أعمال من هذا النوع، حمايةً لجنوده من أي تهديد محلّي.
منذ فترة، وفي أكثر من مناسبة، يراكم ديل كول سلوكاً يتناسب مع المصلحة الإسرائيلية. وربّما اليوم، مع وضوح كلام غوتيريش، بات مفهوماً هدف جلسة «التأثير النفسي» وعروض الفيديو التي تم عرضها خلال زيارة رئيس الحكومة حسّان دياب لمقرّ القوّة الدولية في الناقورة (راجع «الأخبار»، 3 حزيران 2020). إذ إن التركيز على الجانب السياسي أكثر من الجانب الميداني خلال جلسة العرض، بهدف تحميل المقاومة مسؤولية خرق 1701، ما هو إلّا تحضير لفرض الأمر على لبنان الرسمي، ومحاولة انتزاع موافقة منه على ذلك.
أمّا خطّة التركيز على الضفّة الجنوبية للنهر، فهي ميدانياً غير قابلة للتحقيق، لا على مستوى الجيش ولا على مستوى الأهالي والبلديات، الذين يرفضون أي تحرّك غير منسّق للقوّة الدولية ويعبّرون عن ذلك باعتراضات مباشرة. لكنّ أكثر من جهة ترصد التحوّلات في أداء اليونيفيل، تشعر بأن التوجّه الجديد، إذا شرعت بتنفيذه، هو «بمثابة لعبة أمنية لاستدراج الجنوبيين إلى الاشتباك مع القوّة الدولية بهدف مراكمة الصدامات لتمهيد المزاج في الدول المعنية بالتجديد في مجلس الأمن، وإقرار التعديلات التي تحدّث عنها غوتيريش»، وخصوصاً أن هناك سعياً لتعديل مصطلح «الأماكن الخاصة» ومحاولات إلغائه، لاستباحة أملاك الجنوبيين تحت راية تنفيذ 1701.
ضغوط للدخول إلى مناطق لم تدخلها اليونيفيل سابقاً جنوبيّ النهر من دون تنسيق مع الجيش
وفوق ذلك، تبدي قيادة القوات الدولية انزعاجاً واضحاً في كل مرّة يقوم بها الجيش بتنفيذ مهماته وضمان عدم تعدّي القوة الدولية لحدودها المرسومة ضمن إطار القرار الدولي. فعلى سبيل المثال، بعد حادثة الاعتراض الثانية التي قام بها أهالي بلدة برعشيت لدورية يونيفيل خرجت عن المسار المرسوم لها قبل نحو شهرين، حاولت القوات الفرنسية تطويق البلدة والضغط على الجيش لاعتقال عدد من الأهالي، فما كان من الجيش إلا أن رفض أي سلوك عدائي تجاه البلدة، محمّلاً اليونيفيل مسؤولية خرق التنسيق، ما أحدث امتعاضاً كبيراً لدى قيادة هذه القوّة.
في المقابل، تنتهج اليونيفيل سياسة الضغط وتوجيه الانتقادات لضبّاط بعينهم، في سلوك مشابه لما يقوم به جيش العدو تجاه ضبّاط يعملون على الحدود عبر الإضاءة عليهم ومراقبتهم وتوجيه التهديدات لهم، في محاولة مكشوفة للضغط على الجيش، على اعتبار أن «المواقف السيادية» لا تأتي من القيادة، بل من ضباط الأرض.
وكان قد سبق للجيش أن وجّه رسالة إلى وزارة الخارجية، يطلب فيها متابعة ما أدلى به غوتيريش في التقرير التمهيدي، وتحديد موقف لبنان الرافض لأي تعديل في مهمة القوّة الدولية، منتظراً أن تعدّ الخارجية تصوّراً وتحرّكاً دبلوماسياً للوقوف بوجه محاولات التعديل، علماً بأن الانقسام بين مواقف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، يشكل مرتكزاً أساسياً لتوقّع النتيجة في 31 آب 2020، موعد التجديد للقوّة، حيث تنقسم المواقف على الشاكلة التي انقسمت بها كلمات السفراء خلال الاجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون قبل نحو ثلاثة أسابيع، بين موقف روسي ــــ صيني داعم للبنان، وموقف بريطاني ــــ أميركي ضاغط بالاتجاه المعاكس، وميل فرنسي نحو تبنّي تجديد مهمّة اليونيفيل من دون تعديل خوفاً من اهتزاز الاستقرار في الجنوب.