الثلاثاء 02 تموز 2019
مجلة وفاء wafaamagazine
كان من المفترض ان يبدأ أمس انحسار تداعيات الحريق الذي اخترق الجبل أول من أمس في حادث دام أدى الى سقوط ضحيتين وجرحى وأشعل طلائع مشروع فتنة خبيثة درزية – درزية من شأنها ان تمس ايضا المصالحة المسيحية – الدرزية باجواء التخويف. ولكن ما تحقق على صعيد احتواء هذا الحريق وتداعياته لم يكن واقعيا بالمستوى المطلوب حتى مع انعقاد المجلس الاعلى للدفاع الذي يعني انعقاده ان الامن الوطني برمته على المحك. ذلك ان الساعات التي اعقبت التطورات الدامية في قبرشمون وبعلشميه وبعض قرى وبلدات عاليه الاخرى زادت القلق من الشحن الكبير الذي تركته تطورات الاحد الماضي والتي فاقمها على نحو واسع انفجار حرب كلامية عنيفة للغاية بين رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان والحزب التقدمي الاشتراكي، بعدما شن ارسلان هجوماً حاداً على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يوفر فيه النعوت المقذعة.
ومع ان الاجراءات الامنية والعسكرية التي اتخذها الجيش وقوى الامن الداخلي أمس اكتسبت طابع الانتشار الكثيف لمنع تجدد الصدامات والظهور المسلح، فان مناصري ارسلان عاودوا قطع عدد من الطرق على فترات بما أبقى أجواء التوتر مرتفعة، وقت تصاعدت مطالبة ارسلان باحالة الحوادث الاخيرة على المجلس العدلي ولم يكتف بالاجراءات التي اتخذها المجلس الاعلى للدفاع. وأبرزت جولة ميدانية لـ”النهار” على قرى عاليه في الغرب والجرد الاثار الثقيلة والاجواء المتوترة والمشدودة غداة الحادث وسط انتشار كثيف للجيش في كل القرى التي بدت خالية من كل حركة ومن كل تجول كما فقدت حيوية كانت بدأت تضج بها في الفترة الاخيرة واعدة بموسم اصطياف زاهر.
ولعل أكثر ما أثار القلق ان أجواء الاحتقان لم تنحصر بين الفريقين الحزبيين الدرزيين بل تمددت متسببة بقلق لدى بعض اهالي القرى المسيحيين الامر الذي تسارعت المعالجات من أجل احتوائه ومنع ترك أي تداعيات سلبية على الاجواء التعايشية في المنطقة.
ولم تنقل جلسة مجلس الوزراء المقررة قبل ظهر اليوم الى قصر بعبدا، بل بقيت في السرايا على رغم أنها قد تشهد مواجهة بين وزيري الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديموقراطي اللبناني بعد الحادث الدامي في منطقة عاليه، والذي يعتبر وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب أنه تعرّض فيه لمحاولة اغتيال. وكانت زيارة الغريب مع النائب أرسلان لقصر بعبدا عقب اجتماع المجلس الاعلى للدفاع، توّجت بالتمني على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إحالة “محاولة الاغتيال” على المجلس العدلي. ومع أن الجريمة أودت بحياة مرافقي الغريب، ويرفض ذويهما دفنهما قبل توقيف الجناة، إلا أن التهديد بعمليات ثأر أثار مخاوف لم تبددها الاجراءات الامنية على تشددها وكثافتها. لذا شدد المجلس الاعلى للدفاع، كما في الاتصالات التي قامت على أعلى المستويات، على معالجة سياسية للمشكلة التي تهدّد الجبل والتي يمكن أن تتمدّد الى أبعد من الجبل بفتنة كبيرة، ما لم يعالج الوضع بالحكمة والدراية الكافيتين.
وعلم من المصادر الرسمية أن أبرز ما تقرّر في المجلس الاعلى للدفاع، مواكبة الاجراءات الأمنية والقضائية باتصالات سياسية تولاها رئيس الجمهورية من جهة مع النائب ارسلان والوزير الغريب في اجتماعه معهما أكثر من ساعتين، فيما تولى رئيس الوزراء سعد الحريري اتصالات مماثلة مع الفريق الجنبلاطي بلقائه الوزير وائل بو فاعور. ولم يكن اللقاء الذي عقده الحريري مع السفير الكويتي عبد العال القناعي بعيداً عن مساعي التهدئة، خصوصاً أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي قام بزيارة للكويت قابل خلالها أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح يرافقه الوزير أبو فاعور والوزير السابق غازي العريضي وبعض كبار المسؤولين الكويتيين.
كما علم أن قرار احالة الجريمة على المجلس العدلي خضع لنقاش دقيق في المجلس الاعلى للدفاع، وكان الرأي يترجّح بين اتخاذ قرار فوري بالإحالة، أو انتظار التوسّع في التحقيقات الجارية للحصول على مزيد من المعطيات والأدلة للتثبّت من أن الجريمة كانت فعلاً محاولة اغتيال وليست مجرد اشتباك.
وحتى ساعات المساء، بقيت المعطيات متضاربة في شأن إحالة الجريمة على المجلس العدلي، طلباً لدفن الشابين الضحيتين، كما دفن الفتنة، أو الاحالة على المجلس العدلي استناداً الى كون الجريمة مسّت بأمن الدولة.
جريصاتي
وأوضح الوزير سليم جريصاتي الذي شارك في اجتماع المجلس الاعلى للدفاع كما في اللقاء المطول بين رئيس الجمهورية وارسلان والغريب، ان ارسلان طالب بإحالة القضية على المجلس العدلي و”هذه الإحالة تصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء تحاكي خطورة الحدث، فهناك من يعتبر ونحن منهم طبعاً أن هناك شيئاً خطيراً حصل ويضرب السلم الأهلي ويضرب هيبة الدولة ويهدد وحدة الجبل ويتعرض لوزراء في الحكومة ولنواب. لذلك، ليس أمراً عابراً ما حصل، وعادة نذهب الى الإحالة على المجلس العدلي نظراً الى خطورة الجرم والحدث، (وليس بهدف السرعة والا لكان القضاء العسكري أسرع) ولأن آلية الاعتراض على قراراته أو الطعن بها منعدمان”.
في المقابل، تعتقد مصادر وزارية مناهضة للوزير جبران باسيل ان ثمة ابعاداً اخرى لزياراته للمناطق، اذ ربما كانت ترتبط بخشيته انهياراً محتملاً للبلد في ظل المشاكل الاقتصادية التي يواجهها وان ما يحصل هدفه تحميل المسؤولية عما سيحصل الى مسائل امنية يتورط فيها افرقاء كثر فتضيع مسؤولية العهد باعتبار ان الواقع الاقتصادي من مسؤولية هذا الاخير كما هو الشأن السياسي وفي وقت يجد رئيس “التيار الوطني الحر” صعوبة في القاء التبعة على شركاء التسوية السياسية القائمة.
الاشتراكي
وأصدر الحزب التقدمي الإشتراكي بياناً رأى فيه “أن ما حصل في منطقة الشحار ليس وليد لحظته، إنما نتيجة تراكمات بدءاً من حادثة الشويفات، مروراً بغيرها من المحطات التي لن نسترسل بذكرها تلافياً للتوتر وصولاً إلى الخطاب الفئوي الذي دفناه سوياً مع البطريرك صفير في مصالحة الجبل التي ستبقى متجذرة وقوية”.
وإذ اكد أنه “لم يكن يوماً إلا تحت سقف القانون ويدعو إلى تطبيقه، وسيكون كذلك في هذه الأحداث المؤلمة، ذكر بأن ثمة مطلوبين للعدالة في قضايا أخرى أبرزها قضية الشويفات لا يزالون متوارين بحمايات سياسية داخل وخارج الحدود. وبالتالي، يدعو إلى تسليمهم وإخضاعهم للعدالة وفق ما تنص القوانين مذكراً بتجاوبه مع مبادرة رئيس الجمهورية”. وجدد الحزب “تمسكه بدور الأجهزة القضائية ومرجعية الدولة وضرورة أن تأخذ التحقيقات مجراها بشفافية ونزاهة، مؤكداً ثقته الكاملة بالجيش اللبناني مقدراً ومثمناً تضحياته ودوره الوطني في حماية الإستقرار والسلم الأهلي”. وتوجه إلى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قائلاً إن “كل المناطق اللبنانية مفتوحة ومناطق الجبل أيضاً مفتوحة داعياً إياه لإعتماد الخطاب الموضوعي من باب الحرص، ليس فقط في الجبل بل في باقي المناطق”.
ساترفيلد في بيروت
وسط هذه الاجواء، يعاود مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد اليوم مهمته المكوكية بين لبنان واسرائيل في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية. وعلمت “النهار” انه سيلتقي اليوم رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس الحريري والوزير باسيل ولن يلتقي رئيس الجمهورية لان لا خلاصات نهائية بعد لوساطته. وتفيد معلومات “النهار” ان ساترفيلد كان ترك في عهدة المسؤولين اللبنانيين، وخصوصاً في عهدة الرئيس بري المكلف لبنانياً نقل الموقف الرسمي اليه في هذا الشأن، مجموعة نقاط تحتاج الى اجوبة من أجل ان يعود ليكمل مهمته وذلك انطلاقا من زيارته الاخيرة لبيروت في 12 حزيران المنصرم. وفي ظل الصمت المطبق من جميع المعنيين حيال الوساطة الاميركية ومضمونها، علمت “النهار” ان هذه الوساطة تدور حول شروط المفاوضات وشكلها فقط، أي أين ستكون ومَن يشارك فيها، ولا تتعلق اطلاقاً بالمضمون.
المصدر: النهار