ليس من المبالغة أبداً إعتبار ما حصل في الجبل الأحد الماضي بمثابة منعطف كبير في مسار الحياة السياسيّة اللبنانيّة.
صحيح أنّ الحسابات الداخليّة كانت لها الحصّة الكبرى في إنفجار العنف، لكن من الخطأ الجسيم إغفال المعطى الخارجي وهنا بيت القصيد.
ثلاثة دوافع وقفت خلف الإصطدام الذي حصل معطوفة على ثلاثة حسابات:
الدافع الاول، هو الذي شكّل السبب المباشر لإنتفاضة وليد جنبلاط ويتعلق بالتوازنات الداخلية وموقع جنبلاط في معادلة السلطة منذ وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. وليس سراً أن أحد أبرز خلافات جنبلاط مع الرئيس سعد الحريري كانت شكواه من التساهل الذي يبديه الحريري حيال سطوة الوزير جبران باسيل داخل الحكومة، الى درجة أنه قال في إحدى المرّات شاكياً: «ما بعرف شو صايرلك يا سعد الحريري».
وخلال المرحلة الأخيرة كان ملف التعيينات هو سيد المفاوضات في الكواليس السياسية، وبدا لجنبلاط وجود اتجاه جدي لإعطاء طلال ارسلان، وأيضاً وئام وهاب نسبة وازنة من الحصة الدرزية، وكان ذلك بالنسبة الى جنبلاط بمثابة توجيه ضربة قاضية لزعامته الدرزيّة.
قبل فترة، وتحديداُ خلال مشاورات تشكيل الحكومة، صعد جنبلاط الى قصر بعبدا وعقد «صفقة» مع الرئيس ميشال عون كتبها على ورقة، تضمنت خمسة بنود، منها ما له علاقة بضرورة انهاء حادثة الشويفات، ومنها ما له علاقة بضابط من آل ملاعب في قوى الامن الداخلي كان موقوفاً، ومنها ما يتعلق بالتفاهم على تعيين رئيس اركان الجيش، وفي النهاية سلّم جنبلاط لائحة من خمسة اسماء لاختيار الوزير الدرزي الوسط منها، سرعان ما تجاوزها رئيس الجمهورية ليختار وزيراً بالتفاهم مع طلال ارسلان، ولم يكن «حزب الله» بعيداً منه.
لم يكترث جنبلاط كثيراً، فهو كان قد كسب وصول مرشحه الى رئاسة أركان الجيش، وتلقى وعداً حول الضابط في قوى الأمن الداخلي من آل ملاعب. فالإدارة بالنسبة الى جنبلاط تفوق المواقع الحكومية أهمية، إذ يمكن القبول بشريك في الحكومة. وخلال الاسابيع الماضية كانت الأمور ذاهبة في اتجاه توزيع الحصة «الإدارية» للدروز بين ثلاث قوى، ما أشعل ثورة الإشتراكيين، مع الإقرار بالتفاف الشارع الدرزي حول جنبلاط، وقد ساعدت في ذلك الأخطاء المتتالية التي ارتكبها باسيل ما سهّل عملية تعبئة الشارع الدرزي وحقنه.
وأمس، مع انتزاع ورقة التحكم بانعقاد جلسة مجلس الوزراء من يد الرئيس سعد الحريري ما جعله مستاءً، فإنه لا بد من توقع نزاعٍ صعبٍ حول التعيينات وتوزيع الحصص كون المسافة آخذة في التقلص أكثر فأكثر بين الخماسي: الحريري وبري وجنبلاط وجعجع وفرنجيّة. ولا شك في أنّ الحريري المحشور أمام شارعه مضطر الى أن يسدّد ضربة إنتقامية لاحقاً كي لا يضاعف خسائره في شارعه.
وفي الدافع الثاني، كانت الخيوط غير منظورة، ولو أنّ الجميع شعر بها وهي المرتبطة باستحقاق رئاسة الجمهورية. ليس جديداً القول إنّ جولات «الويك أند» لباسيل ذات علاقة بتسويق نفسه لرئاسة الجمهورية، اضافة الى شد عصب جمهوره على الساحة المسيحية، وإظهار نفسه أنه الاقوى مسيحياً وهوما يجعله يتمسك بمعادلة وصول الأقوى من كل طائفة الى مواقع المسؤولية.