الحكومة تكمل تكويعتها المالية، مقتربة أكثر من خطة المصارف، المبنية أساساً على سرقة أموال المودعين وأملاك كل اللبنانيين. بعد قرار حاكم مصرف لبنان تأليف لجنة بحث إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بما يناسب أصحاب المصارف ويحمي أموالهم، دوناً عن أموال المودعين، بدأ العمل على الركن الثاني من الخطة، أي تحميل اللبنانيين مسؤولية الخسائر، من خلال استغلال أصول الدولة وعائداتها لإطفاء خسائر القطاع المصرفي. وإلى أن يتم إنجاز الركنين السابقين، يستمر مصرف لبنان في تنفيذ خطة إطفاء الخسائر، عبر سرقة أموال المودعين بهيركات غير معلن يُنفّذ على الودائع بالدولار. الحكومة هنا تتفرج. ترى السرقة بوضوح، لكنها لا تتدخل لوقفها، بحجة أن السياسة النقدية من اختصاص مصرف لبنان.

مع ذلك، فإن مصادر حكومية لا تزال تُصرّ على أن الحكومة لم تتخل عن خطتها كما يتردد، لكنها في الوقت نفسه لا تعتبرها مُنزلة. وهي قابلة للتعديل والتطوير، لكن من دون التنازل عن جوهرها، المتعلق بتوزيع الخسائر بالتوازي، بين جهات ثلاث: مصرف لبنان، والمصارف، والدولة. المصادر تعتبر أن مسألة تحديد قيمة الخسائر صارت خارج التداول، بمجرد أن تبنّى صندوق النقد الدولي ما ورد في الخطة الحكومية. وهذه الأرقام إن قلّت أو زادت، فإنها لن تغيّر شيئاً في حقيقة أن آلية الاحتساب التي اعتمدتها الحكومة هي الصحيحة، لا آلية الاحتساب التي اعتمدتها لجنة المال، والتي خلصت إلى خفض مجموعها إلى أقل من نصف الخسائر المقدّرة في الخطة الحكومية.

توضح المصادر أن ما يُطرح في الاجتماعات الراهنة، التي تجرى بين الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، هو مجرد أفكار لم يتبلور أي منها، علماً بأن «الخط الأحمر بالنسبة إلى الحكومة هو بيع أصول الدولة». تقول المصادر: «سقف المسألة هو إنشاء صندوق سيادي يدير المداخيل الناجمة عن هذه الأصول». وكما لو أن هنالك فرقاً بين بيع الأصول ومصادرة عائداتها لصالح القطاع المصرفي، تذهب المصادر إلى تأكيد أن الخطة لم تبتعد عن تحميل المصارف المسؤولية من رساميلها.
الرئيس حسان دياب كان أكد، بعد زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي، الانزياح عن الخطة الحكومية، بقوله إنه «نتفهم القطاع المصرفي والمالي ولن نفشله، ومن قال إن مشروع الحكومة غير قابل للتعديل؟». أضاف: «بدأنا ببرنامج متحرك يأخذ في الاعتبار كل وجهات نظر مصرف لبنان والمصارف ووزارة المال والحكومة التي ستعقد اجتماعات مكثفة الأسبوع المقبل، ولا بد من أن يجتمع كل اللبنانيين لإيجاد البرنامج المناسب للبنان وليس للحكومة، لأن من يدفع الثمن هو لبنان وليس الحكومة».
الحكومة نفسها التي تراجعت أمام ضغط حزب المصارف، ولم تخطُ أي خطوة من الخطوات الإصلاحية التي تضمنتها خطتها، لا تزال عاجزة عن إيجاد حل لمسألة الكهرباء المقطوعة منذ أسبوعين. هنا ليس المطلوب إيجاد حل لأزمة الكهرباء، بل المطلوب على أقل تقدير تأمين استقرار التغذية، من خلال تأمين الفيول بشكل منتظم للمعامل. وهذه المرة، لم يأت الانتقاد من خصوم، بل من الحلفاء المشاركين في الحكومة. فقد انتقد المكتب السياسي في حركة «أمل»، في بيان له، حال «التردد والتخبط الذي يعتري موقف الحكومة من ملف الحدود البحرية ومن غيره من الملفات التي يبدو أنها عاجزة عن اجتراح الحلول للأزمات التي ينوء تحتها كل اللبنانيين الذين يلمسون بطءاً في الإجابة عن هذه التحدّيات، من انهيار قيمة النقد الوطني وتحكم مافيات الاحتكار في السلع الغذائية والمحروقات، وتحديدا مادة المازوت، في وقت يشتد فيه الحصار على لبنان». كما انتقد المكتب «حال الارتباك والتخبّط في تقديم رؤية موحدة على الصعيد المالي وفي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي».
وفيما بدا هذا البيان متناغماً مع الضغوط التي تُمارس على دياب لحثّه على الاستقالة، كان هو واضحاً، في تأكيده مجدداً، أنه لن يستقيل. قال: «في حال استقالت الحكومة فالبديل غير موجود، وسنستمر في تصريف الأعمال لسنة أو ربما لسنتين، وهذا في رأيي جريمة بحق البلد وبحق اللبنانيين، وبما أن المجلس النيابي سيد نفسه، فإذا أراد طرح الثقة بالحكومة وتغييرها فهذا حقه السياسي».

«أمل» تهاجم الحكومة: تتخبّط في كل الملفات

مصادر مطّلعة أكدت أن موقف «أمل» لا يحمل تغييراً في «قرار دعم الحكومة، لكنه في المقابل يُعبّر عن اعتراض محق. إذا كانت الحكومة السابقة هي التي تتحمّل مسؤولية الوضع الذي وصل إليه قطاع الكهرباء، فإن مسألة تأمين المازوت والفيول هي مسؤولية الحكومة الحالية. وهي تعِد منذ أسبوعين بتحسّن التغذية بالتيار، بينما الواقع يشير إلى أن الحالة تذهب من سيّئ إلى أسوأ».
آخر الوعود أن التغذية ستبدأ بالتحسن بدءاً من اليوم، تبعاً لحركة وصول بواخر الفيول والمازوت، التي يفترض أن تعيد الإنتاج إلى ما قبل تأخّر الشحنات.
إلى ذلك، استمرّت مسألة الحياد التي يطرحها الراعي بالتفاعل، بين مؤيد ومعارض، تبعاً للاصطفافات السياسية. وفي ظل صمت مطبق من قبل حزب الله على تحميله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، طوّق ثلاثي رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، والنائب جبران باسيل، الاقتراح، من خلال تأكيد أن أي حديث عن حياد لبنان في ظل وجود إسرائيل غير ممكن. الرئيس ميشال عون أكد للراعي ذلك، ثم ذكّره دياب بالــ11200 خرق جوي التي نفذتها إسرائيل في العام 2019 وحده، معتبراً أن هذا الأمر لا يحل إلا بحوار شامل بين جميع الأطراف. ثم أكد باسيل، الذي زار الراعي أمس، أن الحياد يحتاج، إضافة إلى الحوار الوطني، إلى «اعتراف الدول المجاورة وتسليمها بهذا المبدأ»، مؤكداً أنه «مع الحياد الذي يحفظ للبنان وحدته ويحفظ جميع عناصر قوته ويحميه من أطماع اسرائيل ويزيل عن لبنان أعباء النازحين».