مجلة وفاء wafaamagazine
يكفي أن تكون زيارة وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان الأولى لمسؤول فرنسي وأوروبي للبنان بعد ثورة 17 تشرين الاول 2019 وبعد تمدّد جائحة كورونا الى لبنان، لكي تكتسب أهمية استثنائية، فكيف والزائر الفرنسي الرفيع تميّز بإطلاقه قبل أسبوعين مواقف لافتة ومعبّرة للغاية عن العناية الفرنسية بالوضع اللبناني وذهب الى حدود تقريع السلطات لتقاعسها المتواصل عن الوفاء بالتزامات الاصلاح؟
الوزير لودريان الذي وصل ليل أمس الى بيروت، يبدأ اليوم لقاءاته الرسمية وسط انشداد سياسي وديبلوماسي الى زيارته ومهمته التي تستمر حتى بعد ظهر غد، باعتبار أن هذه الزيارة شكَّلت خرقاً ديبلوماسياً يتيماً وبارزاً لشبح العزلة الذي يعيشه لبنان والذي انعكس تداعيات سلبية عليه وسط مكابرة حكومته وإمعانها في اتباع سياسات الإنكار حيال الخارج كما الداخل. ولذا ستكون الأنظار مشدودة الى المواقف التي سيعبّر عنها لودريان من خلال بعض محطات برنامجه، علماً أن المعلومات الديبلوماسية المتوافرة لدى “النهار” عن زيارته تشير الى أن مهمته ذات شقين أساسيين:
الشق الأول يتناول الرسالة السياسية والديبلوماسية الفرنسية التي تحرص باريس على إبلاغها مباشرة الى المسؤولين اللبنانيين والتي تتلخص بأن الموقف الثابت لفرنسا من الحفاظ على استقرار لبنان ومصالحه العليا وتخلّصه من الأزمات الصعبة والخطيرة التي يواجهها لن يتغير في أي ظرف. لكن باريس لن تخفي مجدداً بلسان رئيس ديبلوماسيتها الإستياء البالغ الذي يساورها، كما يساور المجتمع الدولي المعني بدعم لبنان، من المسار المتعثّر والجامد للاصلاحات والتقاعس غير المبرّر للحكومة والسلطات عن استعجال إطلاق الخطوات الاصلاحية التي لن يكون هناك أي دعم دولي ملموس للبنان من دونها. ولعل أبلغ دليل على أن مهمة لودريان ستكون محصورة بمسألة الاصلاحات والدعم وما يمكن مدّ لبنان به من مساعدات ضرورية، هو أن برنامج زيارته خلا من أي لقاء مع أقطاب المعارضة وحصر باللقاءات الرسمية والبطريرك الماروني وبالزيارات ذات الطابع التربوي والصحي والاجتماعي، في ما فسّرته الأوساط المعنية لـ”النهار” بأن الوزير الضيف لا يحمل مبادرة سياسية كانت ستضطره في حال وجودها الى عقد لقاءات مع المعارضة وكذلك مع “حزب الله”.
أما الشقّ الأساسي الثاني من الزيارة فسيتضمن إعلان الوزير لودريان عن مساعدات فرنسية ملموسة في المجالات التربوية والصحية والاجتماعية والانسانية ترجمة لالتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدم ترك لبنان يتخبّط في أزماته من دون دعم حيث يفترض مده بالدعم الاضطراري.
ويذكر أن قناة “الحدث” نسبت أمس الى مصدر ديبلوماسي فرنسي أن باريس تناقش موضوع لبنان مع الأميركيين و”شركائنا الخليجيين”، وأن “الأزمة اللبنانية تهم الجميع في المنطقة وأبعد من المنطقة”.
وقال المصدر إن الحياد الذي دعا اليه بطريرك الموارنة بشارة الراعي “ليس موقف البطريرك وحده” بل يشاطره إياه العديد من الناس داخل لبنان وخارجه، مضيفاً: “موقفه موضع تقدير فرنسا”.
وكشف الديبلوماسي الفرنسي أن الرئيس ماكرون “سيُعلن خطة شاملة لمساعدة لبنان قد تتضمن فتح خطوط اعتماد مالية”، وشدّد على أن “لبنان ليس قضية خاسرة. وتركُه يعني فتح ساحته لآخرين”.
ولاحظ أن الحكومة اللبنانية، التي تولت السلطة قبل ستة أشهر، “لم تقم بأي إصلاح جوهري، وقت لبنان في أمسّ الحاجة الى الإصلاح واللبنانيون ينادون به”
وخلص الديبلوماسي الى أن وزير الخارجية الفرنسي “يحمل رسالة تضامن مع شعب لبنان ورسالة حزم إزاء سلطاته”.
وفي برنامج الزيارة الذي وزعته مساء السفارة الفرنسية في بيروت، أن لودريان سيلتقي تباعاً اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ثم رئيس الوزراء حسان دياب، ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم وزير الخارجية ناصيف حتي، يليه مؤتمر صحافي في قصر بسترس. وبعد الظهر يقوم بزيارة للمركز الاجتماعي لمنظمة “عامل” غير الحكومية في حارة حريك. وفي الخامسة والنصف مساءً يعقد لقاء مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بكركي.
وفي برنامجه ليوم غد زيارة لمستشفى رفيق الحريري الحكومي، ثم لقاء حول التعليم الفرنكوفوني مع رؤساء مؤسسات المدارس الفرنكوفونية المعتمدة في لبنان وممثلي المدارس المسيحية في مدرسة الكرمل بالمشرف، وستكون هناك مداخلة للوزير لو دريان تليها بضعة أسئلة من وسائل الإعلام. ويغادر الوزير بعدها لبنان.
ويُشار في هذا السياق الى أن السفارة البريطانية في بيروت أعلنت مساء أمس أن وزير شؤون الشرق الاوسط البريطاني جيمس كليفرلي سيقوم اليوم “بأول زيارة افتراضية له للبنان” وأن برنامجه يتضمن اجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين والمؤسسات والشركاء في البرامج التي تموّلها المملكة المتحدة للاطلاع على الدعم المقدم.
دياب وشيا
واستقبل أمس الرئيس حسان دياب في السراي الحكومي السفيرة الأميركية دوروثي شيا وأفيد رسمياً انه “تم تداول الجهود التي تبذلها الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.
وفي لقاء مع منتدى السفراء المتقاعدين أكد دياب “أن الخطة المالية الإصلاحية التي تعمل الحكومة على تنفيذها تشكل نقطة انطلاق إلى تقديم برنامج لصندوق النقد الدولي”. وشدّد على “أننا نعمل على إصلاحات عدّة ولا سيما الإصلاحين اللذين أنجزتهما الحكومة في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء وهما: التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان والنظام الإلزامي لمعاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات في المرافق الحدودية اللبنانية، إلى جانب الإصلاح في قطاع الكهرباء الأسبوع الماضي المتمثل بتعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان”.
ورأى أن “الحكومة الحالية هي الأقرب الى معايير حكومات التكنوقراط في تاريخ لبنان ونعمل ليل نهار لمعالجة الأزمات ورغم ذلك تتعرّض الحكومة للسهام السياسية في وقت يجب أن نكون يداً واحدة لمواجهة التحديات على الأقل في القضايا والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية”.
في غضون ذلك، لم يشكل قرار الموافقة على طعن رئيس الجمهورية في قانون اعتماد آلية للتعيينات الذي أقره مجلس النواب تطوراً ايجابياً قبيل وصول وزير الخارجية الفرنسي الى بيروت. وقد أصدر المجلس الدستوري قراره بإبطال قانون آلية التعيينات برمته “لمخالفته الدستور” وذلك بإجماع الحاضرين وغياب عضو واحد بسبب المرض.
كورونا والقلق
وسط هذه الأجواء، تصاعدت المخاوف بقوة من الارتفاعات المطردة لأعداد الاصابات بفيروس كورونا في لبنان بما بات يتجاوز هذه المخاوف الى وقائع تتصل بتفشي الحالة الوبائية المجتمعية. واذ ارتفع عدّاد كورونا أمس الى 124 اصابة جديدة، تمثّلت العوامل المقلقة في اتساع الاصابات في مناطق عدّة لم تشملها من قبل، كما في المعدل المرتفع للاصابات والحالات التي تحتاج الى العناية المكثّفة وكذلك في تسجيل وفاتين أمس ارتفع معهما مجموع الوفيات جرّاء كورونا في لبنان إلى 43. أما أعلى الإصابات في المناطق، فكانت في: الشويفات الأمراء 14، الشويفات العمروسية 8، بعبدا 7، الحمراء 4، طريق الجديدة 4، قرنايل 6، الحدت 4، كفرشيما 3، قيد التحقق 3، عرمون 4، بشامون 2 وحي السلم 2.
النهار